رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

القصة الكاملة لاستيلاء أردوغان على أملاك مصرية في تركيا بـ10 مليارات دولار

أردوغان
أردوغان


كشفت وزارة الأوقاف، ولأول مرة عن حجم الفساد الذي استشرى داخل هيئاتها إبان حكم الإخوان، ما أسهم في إضاعة أموال طائلة على الدولة، ومنها نحو 10 مليارات دولار قيمة وقف خيري مصري، موجود في تركيا، استطاع أروغان الاستيلاء عليه، بمعاونة الجماعة الإرهابية.

وقال الشيخ جابر طايع رئيس القطاع الديني في وزارة الأوقاف، إن الوزارة تسعى بكل قوة للحفاظ على أموال الأوقاف، مشيرا إلى أن مصر تمتلك أوقافا خاصة في تركيا، وأضاف: "يجب محاكمة جماعة الإخوان الإرهابية على سماحهم بالاستيلاء على هذه الأوقاف، وتعاونها مع أنقرة على حساب مصر".

ولفت طايع إلى أن الجماعة الإرهابية أدارت الأوقاف بالانتماءات، ووفق سياسات فاشلة، هوت بإيرادات "هيئة الأوقاف"، إلى 503 ملايين جنيه فقط خلال عام حكمهم، مشيرا إلى أنه في عام 2019 – 2020، بلغت الإيرادات 1.5 مليار جنيه.

وأشار إلى أن إجمالي إيرادات صناديق النذور، خلال حكم الإخوان بلغ 9 ملايين جنيه، فيما تجاوزت هذه الإيرادات صناديق 30 مليون جنيه في العام المالي 2018 – 2019، كما أن إيرادات المراكز الطبية في عام الإخوان، بلغت نحو 218 ألف جنيه، في حين بلغت إيرادات المراكز الطبية ذاتها في العام المالي 2019 – 2018 نحو 10 ملايين جنيه.

وأكد أن جماعة الإخوان الإرهابية، كانت تستبيح المال العام خلال حكمهم، لذلك استهدفت هيئة الأوقاف بسبب مواردها الغنية، موضحا أن الوقف الخيري في تركيا يحقق وفقا للأرقام، عائدا ماديا لمصر، يقدر بنحو 10 مليارات دولار. 

مؤامرة على مصر

وكشفت وزرة الأوقاف عن قيام الإخوان، ووزيرها الدكتور طلعت عفيفي الذي تولى الوزارة، في حكم مرسي، بتسهيل استيلاء أردوغان على الوقف الخيري المصري، وهو ما سعت مصر بقوة خلال الفترة الماضية لإحباطه.

وذكرت مصادر بالوزارة أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، كلف المهندس إبراهيم محلب، بدراسة ملف الأوقاف الخيرية المصرية بالخارج، للاستفادة منها في دعم ميزانية الدولة، والمشروعات الكبرى، مشيرة إلى وجود خطة لدى الوزارة بشأن هذا الملف، تتضمن إيجاد حل للمشكلة التي تواجه مصر، وتعيق استعادة الأوقاف الخيرية المملوكة لها في دولة تركيا، وهي فقدان مستندات وعقود ثلثي هذه الأوقاف، بالإضافة إلى رفض الجانب التركي تقديم حصر للأوقاف الخيرية المصرية على أراضيه تعنتا ورغبة في الاستيلاء عليها. 

الموقف التاريخي

ويعود الوجود التاريخي للأوقاف المصرية في تركيا إلى عصر محمد علي باشا والي مصر، فنتيجة للمعارك التي خاضها من أجل السلطنة العثمانية، في الحجاز ضد الوهابيين، ثم في اليونان ضد ثورة الاستقلال اليونانية، كان يتلقى مكافآت من سلاطين آل عثمان، بمنحه إقطاعيات وقصورا، وأحيانا جزرا كاملة لتصبح ملكا خالصا له. 

وفي إسطنبول على سبيل المثال، كان محمد علي يمتلك قصرا لنفسه، رغم أنه لم يسافر إلى العاصمة العثمانية أبدا، منذ عين واليا على القاهرة، كما تابع أبناؤه من أفراد الأسرة العلوية، بناء القصور لأنفسهم في إسطنبول، وكذلك شراء الأراضي الزراعية، وبناء الشركات التجارية المصرية هناك. وثمة وثيقة، تعود إلى العام 1883 وتشير إلى فرض الحكومة العثمانية ضرائب على ممتلكات حكومة مصر في إسطنبول. ووفقا للوثيقة فإن تلك الممتلكات كانت تضم مناطق مهمة من عاصمة آل عثمان، مثل "جالمجا" والتي تعتبر اليوم من أهم المناطق السياحية حاليًا بتركيا، بسبب إطلالتها على مضيق البوسفور وجسر إسطنبول المعلق. كما أشارت نفس الوثيقة إلى واحدة من جزر إسطنبول واسمها جزيرة البلاطي باعتبارها ملكية مصرية. 

وفي منطقة بيبيك المطلة على مضيق البوسفور، بالأراضي التركية، توجد ملكية مصرية أخرى، تتمثل في قصر الوالدة باشا المملوك للأميرة أمينة إلهامي حفيدة الخديوي عباس حلمي الأول وزوجة الخديوي توفيق، وكانت قد أوقفت حياتها على الاهتمام بالعمل العام وكفالة المساكين والمرضى في الجمعيات الخيرية فلقبت بأم المحسنين. وقد أطلق على القصر اسم الوالدة باشا نسبة إلى لقبها الذي حملته بحكم كونها أم الخديوي عباس حلمي الثاني، وأوصت الوالدة باشا قبل وفاتها ببقاء القصر في حوزة الحكومة المصرية لاستخدامه كمقر للمفوضية الملكية المصرية في تركيا.

وبعيدًا عن إسطنبول، تتمثل أهم الأوقاف المصرية التي تعود للعصر العثماني في جزيرة ثاسوس اليونانية (طاشيوز بالتركية) التي منحها السلطان العثماني محمود الثاني لمحمد علي باشا في العام 1813 ولا تزال حجية تملك محمد علي لتلك الجزيرة محفوظة في القاهرة. 

وهناك الكثير من الوقفيات التي خلفها الباشا بعد وفاته، مثل قصره، والمدرسة العسكرية البحرية التي أنشأها على ضفاف بحر إيجة، وأخيرا قصر الإيماريت.

طرق إثبات متعددة

وفقا للمعلومات التي حصلت عليها "النبأ"، فإن الدولة المصرية، ستعتمد على عدة طرق لإثبات ملكيتها للوقف الخير على الأراضي التركية، ومنها وثائق الوقفيات بكل من الأرشيف المصري والعثماني، وكذلك وثائق لدى جمال حمدان المؤرج المصري الكبير، حيث كان أول من طالب الحكومات المصرية باسترداد أملاكها في تركيا (إلى جانب أوقافها في اليونان والمملكة العربية السعودية) لحل أزماتها المالية في ذلك الحين. بالإضافة أيضا لخرائط وثائق من داخل الجمعية الجغرافية بمصر، وهيئة المساحة، وفقا للمعلومات فإن هناك تفاوضا مصريا رسميا بشأن إثبات ملكية تلك الوقفات، وحق مصر الاستفادة منها، وفي حالة استمرار التعنت التركي فهناك تحرك دولى وضغط مصري دولى على تركيا في هذا الملف، وقد يصل الأمر على طلب تدخل الأمم المتحدة والمنظمات المعنية مثل هيئة اليونسكو.

الصفقة المشبوهة

أردوغان استغل وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، خلال العام 2012، والتوافق الأيدولوجي بين السلطتين بوجود أحزاب سياسية ذات توجه إسلامي (العدالة والتنمية في تركيا، والحرية والعدالة في مصر)، وتوغل في دعم الإخوان، حتى يضمن قتل قضية الأوقاف المصرية في بلاده إلى الأبد. 

كشف عن تلك الصفقة المشبوهة البلاغ الذي قدمه المحامي صبحي عبد الحميد في العام 2014 إلى النائب العام السابق هشام بركات، الذي اغتالته جماعات إرهابية في يونيو من العام 2015. وجاء في البلاغ أن كلا من طلعت عفيفي، وزير الأوقاف المصري السابق في عهد حكومة الحرية والعدالة، والمهندس ماجد غالب، رئيس هيئة الأوقاف المصرية السابق، والدكتور عبد الرحمن البر، مفتي جماعة الإخوان المسلمين، قد عقدوا اجتماعا غير رسمي مع وزير الأوقاف التركي، محمد غورماز داخل مقر وزارة الأوقاف المصرية أثناء عهد الرئيس المصري المعزول محمد مرسي. 

وكان الهدف من الاجتماع تسليم غورماز كامل الحجج الخاصة بالوقفيات المصرية في تركيا، مقابل ضخ مليار دولار من تركيا في خزانة حكومة الحرية والعدالة. ووفقا للبلاغ، فإن وزير الأوقاف التركي لما اطلع على الوقفيات صدمه عدم إحاطة الطرف المصري بكامل الأملاك المصرية في تركيا، فقطع الاجتماع وقرر إرجاء المحادثات مع مسؤولي الأوقاف المصرية بعد الرجوع للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ثم جاءت الإطاحة بالإخوان من السلطة في يونيو 2013 لينهي أي مستقبل لتلك المحادثات. 

وكان انسحاب غورماز المفاجئ يعني أن الطرف التركي شعر بالغبطة من جهل المسؤولين في مصر بالحقيقة الكاملة للأوقاف المصرية في تركيا، وبالتالي يمكن للقيادة التركية التنازل عن تلك المقايضة مع قادة الإخوان المسلمين، وهذا يكشف الطابع البراغماتي الصرف في تعاطي دولة أردوغان حتى مع أقرب حلفائها فكريا، إضافة إلى التمادي في سوء النية من جانب الطرف التركي بخصوص القضايا الوقفية العالقة مع مصر. 

كانت تلك الحقائق دافعا للدولة المصرية بعد إزاحة الإخوان من السلطة لدراسة قضية الأوقاف المصرية في تركيا دراسة جدية. ففي العام 2014، قال وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة إن وزارته "قامت بملاحقة موضوع الأوقاف المصرية في تركيا، التي تضم أراضي زراعية وقصورًا أثرية تاريخية من عصر محمد علي باشا". كما أوضح أن هناك "لجنة لبحث مسألة الحجج التي تثبت امتلاك تلك الأوقاف".

وفي العام 2016، قامت الحكومة المصرية برئاسة الدكتور إبراهيم محلب بتشكيل لجنة لحصر الأوقاف المصرية في تركيا، وصرح مختار جمعة في ذلك الوقت بأنها تساوي نحو 10 مليارات دولار، من أبرزها قصر لمحمد علي باشا بني في مدينة إسطنبول إلى جانب أراض زراعية وقصور تاريخية أخرى منها وقف محمد كتخدا الخربطلي ووقف آغا باشا الجندي.