رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مغامرة صحفية تكشف خفايا العالم السرى لـ«بيزنس» إخطار الولادة فى المراكز الطبية

إخطار الولادة فى
إخطار الولادة فى المراكز الطبية


ترغب سيدة أربعينية في عملية الحصول على إخطار ولادة من إحدى العيادات الخاصة بالنساء والتوليد لتسجيل طفل حديث الولادة في الصحة واستخراج شهادة ميلاد له لتنسبه لها، في محاولة منها للتتخلص من عار ابنتها التي أنجبتها نتيجة علاقة محرمة مع أحد الأشخاص بعدما وعدها بالزوج ولم يف بوعده وتركها وما كان للأخيرة إلا أن تعترف لوالدتها التي خططت لتسجيل الطفل بعد ولادته باسمها لتهرب من الفضيحة.

وبعد إنجاب الفتاة الطفل، توجهت السيدة الأربعينية إلى إحدى العيادات الخاصة، واستطاعت السيدة أن تحصل على إخطار الولادة بكل سهولة مقابل مبلغ مالي قدره 300 جنيه، ونسبت هذا الطفل لنفسها وزوجها خشية من معايرة الناس لها والحفاظ على سمعة ابنتها والهروب من الفضيحة.

السطور السابقة لواقعة حقيقية روتها ممرضة بإحدى العيادات الخاصة لـ«النبأ»، تحفظت على ذكر اسمها، وشاهدة على أن الحصول على إخطار الولادة من المراكز الطبية والتي يعد الخطوة الأولى لاستخراج شهادة ميلاد «طفل»، بات أمرًا سهلًا وبابًا مفتوحًا على مصرعية لمن يرغب في تسجيل طفل باسمه سواء كان من صلبه أو اختطفه أو لإخفاء فضيحة مثل الواقعة سالفة الذكر، وهو الأمر الذي دفعنا لفتح هذا الملف.

ورصدت «النبأ» من خلال مغامرة صحفية سهولة عملية الحصول على إخطار الولادة من العيادات الطبية الخاصة مقابل مبلغ مالي قدره 200 جنيه، لنكشف خفايا وأسرار خطيرة لـ«بيزنس» إخطار الولادة في المراكز الطبية، فضلًا عن أن سعر الإخطار يتراوح ما بين 300 جنيه إلى 500 جنيه في بعض المراكز ويمكن الحصول عليه من أي عيادة نساء وتوليد حتى لو أن العيادة لم تقم بإجراء الولادة وهذا يؤكد وجود تجارة واسعة لبيع الإخطارات مقابل المال وذلك يُعد جريمة يعاقب عليها القانون.

وفي هذا الصدد، استطاع محرر «النبأ» الدخول إلى إحدى العيادات الكائنة بأحد أحياء القاهرة، والتقى بالممرضة الموجودة في العيادة «س. ب»، وطلب منها الحصول على إخطار ولادة ليتمكن من استخراج شهادة ميلاد لطفله الذي وضعته والدته في جنوب الصعيد، لرغبته في استخراج شهاده له في القاهرة، فطلبت منه الانتظار لحين تخبر الطبيبة بذلك، وبعد دقائق معدودة عادت الممرضة وطلبت مبلغا ماليا قدره 200 جنيه تم دفع المبلغ، وأملى عليها بياناته وبيانات الزوجة وكتب في الإخطار أنها وضعت بالمنزل وبالفعل حصل على إخطار الولادة والذي في حالة حصول أي شخص عليه يمكنه التوجه به إلى مكتب الصحة التابع لمحل إقامته وأيضًا محل العيادة، ليتمكن من استخراج شهادة ميلاد لطفل.

ما سبق ذكره يُعد ثغرة تستغلها بعض العصابات لتقنين عملية خطف حديثى الولادة أو أى شخص عموما يرغب فى تسجيل أى طفل باسمه، هذه الثغرة تتعلق بعملية تقنين «إخطارات الولادة» التى تصدرها بعض المراكز الطبية والمستشفيات الخاصة، وتحولت إلى تجارة حقيقية يتم تداولها لمن يريد فى المقابل مبالغ مالية للحصول على هذا الإخطار، لا سيما أن تلك التجارة شاعت بين المراكز والعيادات الطبية الخاصة، فضلًا عن أن الممرضة ذكرت أنها «عاملة واجب معايا، وأن سعر الإخطار في العيادات برة بـ300 جنيه ويصل لـ500 جنيه».


يعتقد البعض أن الحصول على إخطار الولادة من أجل تسجيل مواليدهم يجب أن يتم وفقًا للنصوص القانونية وبالتحديد المادتين 14 و15 فى قانون الطفل رقم 162 لسنة 2008، حيث تنص المادة 14 على أن ضرورة التبليغ عن المواليد خلال 15 يوما من تاريخ الولادة، ويكون التبليغ على النموذج المعد لذلك فى مكتب الصحة التابع للمنطقة التى وقعت فيها الولادة، ويكون حق التبليغ عن الولادة للأب إذا كان حاضرا أو للأم شريط إثبات العلاقة الزوجية من خلال صورة من قسيمة الزواج، وصورة من بطاقة إثبات شخصية الأب والأم.

بينما تكون الثغرة التي يستغلها البعض للتحايل على القانون موجود في المادة 15 والتى تنص على أنه يجب على الأطباء والمرخص لهم بالتوليد إعطاء شهادة بما يجرونه من ولادات تؤكد صحة الواقعة وتاريخها واسم أم المولود ونوعه، ومما سبق جاءت فكرة استخراج إخطار ولادة من خلال تسجيل بيانات وهمية، وهذا ما يتم في بعض المراكز الطبية المتخصصة فى حالات الولادة.

وبدوره، يقول مصدر قضائي رفض ذكر اسمه، إن الثغرة التي يستغلها البعض في المادة 15 لعملية الحصول على إخطار الولادة تكشف عن أنه يجب مراجعة كل الإجراءات المتعلقة بإصدار شهادة الميلاد، فضلًا عن أن بعض المؤسسات المدنية المعنية بهذا المر تُنادى منذ فترة بتعديل الإجراءات الخاصة بتسجيل شهادات الميلاد بشكل عام.

وأشار المصدر لـ«النبأ» إلى أنه رغم تصدى أجهزة الأمن لعمليات خطف الأطفال أو الاتجار بهم، إلا أنه يجب رفع العقوبة إلى 15 عاما وزيادتها إلى الإعدام فى حال اقتران الخطف بهتك العرض أو الابتزاز، حرصا على حماية المجتمع وسلامته، ولكن الواقع الحالي لعملية خطف الأطفال ازداد سوءا بسبب سهولة التلاعب فى الأوراق الثبوتية للطفل بدءا من إخطار الولادة وحتى تسجيله وإصدار شهادة ميلاد له، من جانب مافيا الاتجار بالأطفال وغيره من العمليات الإجرامية التي تضع تحت بند إخطار الولادة.

وأكد أن القانون اشترط لصدور الإخطار أن يكون الطبيب قد أشرف إشرافا كاملا على عملية الولادة، أو على الأقل قام بمعاينة الطفل وهو نفس الحال عند استخراج شهادة ميلاد من جانب مكتب الصحة، ولكن هذا لا يحدث فى الواقع فيتم الاكتفاء بما يدليه طالب الإخطار أو شهادة الميلاد من معلومات وبيانات دون التحقق من صحتها، وهو ما يفتح الباب لتقنين وضع خاطفى الأطفال أو المتاجرين بهم لاستخدامهم فى أعمال التسول وغيرها، مضيفًا أنه فى حالة ضبط هؤلاء المخالفين من الأطباء غالبًا ما يتم الاكتفاء بغلق المركز دون عقاب الطبيب، وهو ما يمكنه من ممارسة هذا الفعل فى مكان آخر.


بدورها، تقول المحامية، رباب عبده، نائب رئيس الجمعية المصرية لمساعـدة الأحداث وحقوق الإنسان، إن هذه المشكلة بدأت تظهر في الفترة الأخيرة بصورة مفجعة جدًا ويجب مواجهتها قبل أن تتحول إلى ظاهرة تهدد المجتمع، مؤكدة أنه قلما تجد في المجتمع طفل مجهول الهوية ويتم نسبه لناس غير أهاليهم، - على سبيل المثال- «لو أن أم اختطفت طفلا من داخل مستشفى بعد ولادته، ودفعت مبلغا ماليًا لأحد الأطباء بإحدى العيادات الخاصة تستطيع الحصول على إخطار ولادة يفيد بأن هذا الطفل ابنها ومن ثم تتوجه به إلى مكتب الصحة لاستخراج شهادة ميلاد له، وتنسبه لنفسها، ويصبح هذا الطفل ابنا شرعيا لها»، متابعة: غير أن هذه السيدة يمكن أن تستغله في أعمال التسول والذي يعد نوعا من أنواع الإتجار في البشر، إذن هذا الأمر لم يكن متواجدا بصورة كبيرة في المجتمع المصري لكن عندما بدأت تظهر هذه المشكلة يمكن القول إن هناك ناقوس خطر يدق داخل المجتمع بأن نقول: «ياجماعة احذروا من الأطفال حديثة الولادة المخطوفة».

وأوضحت نائب رئيس الجمعية المصرية لمساعـدة الأحداث وحقوق الإنسان لـ«النبأ» أن هذه الأطفال تكون ضحايا في المجتمع ويتم استخدامهم في أعمال التسول أو السرقة فيما بعد، مضيفة أن هذا الأمر يؤدي إلى زيادة أطفال الشوارع، وأيضًا يزيد من معدلات الجريمة التي ترتكب في المجتمع من قبل الأطفال، كذلك الإتجار بالأطفال عن طريق بيعهم للآخرين لمن هم لم ينجبون أطفالا، بالإضافة إلى أن المجتمع بهذا الشكل يصبح أكثر شراسة في حب المال والثراء السريع لكن يجب أن نقف وقفة جدية لمواجهة هذه المشكلة من التنامي ومعالجتها.

وأشارت إلى أنه يجب على الدولة القيام بعمل عينة الـ«دي إن أو» البصمة الوراثية التي تُخذ من الأب والأم وأيضًا من الطفل عند ولادته لتسجل تلك البصمة الوراثية على السيستم أو «الداتا» الخاصة بوزارة، الصحة بحيث إنه في حالة اختطاف هذا الطفل يتم بكل سهولة التوصل له أو العكس عندما تعثر الشرطة على طفل مجهول النسب يتم عمل تحليل البصمة الوراثية له وبالتالي يسهل التعرف على أهليته وهذا الأمر يساعد في منع جريمة اختطاف الأطفال، حتى لو استطاع هذا الشخص الحصول على إخطار ولادة لهذا الطفل فيمكن الوصول إلى حقيقة نسب الطفل من خلال البصمة الوراثية، ويجب وضع ضوابط أكثر صرامة لعملية «إخطارات الولادة المزورة» لأنها تمثل خطورة كارثية على المجتمع المصري.


من ناحيته، يقول الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية ومحام بالقضاء العالي، إنه لكي نضمن حصول إخطار الولادة لمستحقيه، يجب أن يكون الإخطار ممهورًا عليه بشعار الجمهورية، وهذا الأمر يتم وفقًا للقانون من خلال الحصول على هذا الإخطار من مستشفى حكومي أو مركز طبي خاص لكن بشرط أن يتم ختمه بأكلشيه الطبيب وشعار الجمهورية، حيث يتوجه طالب الإخطار بعد ختم الطبيب إلى نقابة الإطباء للحصول منها على ختم آخر منها، أو يتوجه مباشرة لوزارة الصحة للحصول على تأشيرة منها أو ختم الإخطار بشعار الجمهورية، ثم يتوجه بهذا الإخطار إلى مكتب الصحة ليستخرج شهادة ميلاد للطفل، مؤكدًا أنه يجب على مكتب الصحة أن لا يقبل إخطارًا ليس ممهورًا عليه بشعار الجمهورية، حتى لا تكون الفرصة سانحة أمام من تسول له نفسه في تزوير إخطار الولادة، بغرض ارتكاب جريمة، وأيضًا حتى لا يكون وثيقة سهلة الحصول عليه، وفي النهاية يكون هذا الأمر تحت إشراف كامل لوزارة الصحة، وبذلك تكون هذه العملية لها ضوابط حتى لا يعبث الأطباء في هذا الأمر.

وأشار «مهران» في حديثه لـ«النبأ» إلى أن شعار الجمهورية على إخطار الولادة يؤكد لمكتب الصحة أن جميع البيانات المدونة عليه سليمة وغير مزورة وتخضع في النهاية تحت إشرافها، ولا يمكن أن الوزارة تخرج من تحتها إخطارًا غير سليم لأنه يخضع لرقابتها، وسوف تقوم بمراجعته قبل التأشير عليه أو ختمه بشعار الجمهورية، موضحًا أن إخطار الولادة الذي يخرج بدون ضوابط يدخل تحت بند التزوير التي تصل عقوبتها الحبس لمدة «سنتين»، وتترتب عليه جرائم عديدة وجديدة إن سهولة الحصول عليه تدفع الشخص لاختطاف طفل ما ويكتبه باسمه وبهذا الأمر ندخل في دائرة جريمة الاختطاف المقترنة بالتزوير، ومن هنا أيضًا ندخل إلى قانون الطفل منها تعريض حياة طفل للخطر وهي الجنحة التي تصل عقوبتها للحبس «سنتين»، والإتجار بالبشر هنا تكون جناية والجناية لا تسقط بالتقادم والعقوبة فيها السجن المؤبد.

وأضاف مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية ومحامي بالقضاء العالي، أن هذه الإجرائم قد تكون مقترنة ببعضها لأن الأولى بُنيت عليها الثانية والثانية كانت لتحقيق الثالثة بمعنى أنه بدأ باختطاف طفل وقام بتزوير إخطار ولادة ونسب الطفل لنفسه سواء لتربيته أو الإتجار به أو يستخدمه في التسول لتحقيق الربح من ورائه أو استخدامه لأغراض اقتصادية أو أغراض سياسية فهذا الأمر خطير ويجب أن يتم بضوابط تشرف عليها وزارة الصحة.