رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

محمد عبد الرحمن يكتب: المالك والمستأجر.. من الجانى؟

محمد عبد الرحمن
محمد عبد الرحمن

مشروع القانون الذى تقدم به النائب عاطف مخاليف لمجلس الشعب بشأن تعديل بنود قانون الإيجار القديم الذى صدر برقم ٤٩ لسنة ١٩٧٧م ، أثار عاصفة من الجدل ، واصاب عددا كبيرا من المستأجرين بحالة من الفزع والهلع.

والحق أن هذا المشروع فور الإعلان عنه أشعل فتنة كانت نائمة لعقود طويلة بين الملاك والمستأجرين ، حيث بدا السجال واضحا بين الطرفين الذى وصل إلى حد تبادل السباب والشتائم بين المؤيدين والمعارضين له على شبكة التواصل الإجتماعى .

والحقيقة أن من يتحدث عن تنظيم العلاقة بين المالك والمستاجر وفق هذا القانون كمن يمشى فى حقل ألغام ، وعليه أن يتوقع فى أى لحظة أن ينفجر أحدها فى وجهه نتيجة لخطأ غير مقصود فى التقدير.

ومن يدلى بدلوه فى هذا الموضوع الشائك لاشك أنه لن يسلم من الأذى اللفظى على الأقل، بل ستوجه إليه أصابع الإتهام بالتحيز لطرف من الطرفين : المالك أوالمستأجر.

ولكن السؤال الجوهرى الذى يمكن طرحه : من الظالم ومن المظلوم ؟؟ المالك أم المستأجر ؟ والإجابة بلا تردد أن كليهما مجنى عليه ، لأن هذا القانون كان مناسبا لهما وقت صدوره ، وقد ارتضاه الطرفان ، لكنه لم يعد مناسبا الآن ، مع تغير الظروف الاقتصادية والإجتماعية وارتفاع نسبة التضخم .
الملاك يجأرون بالشكوى ، ومنهم من مات قهرا وكمدا ، فبعضهم يملك بالإسم فقط عقارات يتجاوز ثمنها عشرات الملايين ، لكن مايتحصلون عليه من المستأجرين ملاليم او بالأحرى بضعة جنيهات لاتساوى عشرات الأرغفة من الخبز .
ومن جهة أخرى فإن المستأجرين لاحول لهم ولاقوة ، ولايمكن وضعهم فى خانة الظلمة .
يقول المستأجرون : أن العقد شريعة المتعاقدين ، وأن المالك فى ذلك الوقت كان يحصل على مبلغ كبير من المال كمقدم إيجار ، وأنه استفاد منه فى تكملة البناء أو شراء عقار آخر جديد.
ويؤكد المستأجرون أن مشروع القانون هو حكمُُ عليهم بالإعدام والتشريد ، إذا تم إخراجهم قسرا من مساكنهم فى ظل ظروف وأعباء معيشية قاسية للغاية ، ارتفعت فيها الأسعار ، وزادت فيها نسبة البطالة .

مشروع القانون المقترح يطالب الشباب ممن يقطنون عقارا وفق نظام الإيجار القديم وبلغ عمرهم ال٢١ عاما ( فى المرحلة الجامعية ) ، بإخلاء السكن فورا والبحث لهم عن مأوى آخر !!!

المشكلة أن الغالبية العظمى من الشباب فى هذا العمر المبكر مستحيل ان تتوفر لديهم الإمكانات المادية للحصول على شقق جديدة قد تصل ثمن الواحدة منها إلى نصف مليون جنيه على اقل تقدير وهم لايملكون قوت يومهم فى ظل ظروف اقتصادية صعبة ، زادها سوءا الآثار الكارثية لجائحة كرونا على العالم ، ومصر ليست استثناءا من ذلك .

إن النائب الذى تقدم بهذا المشروع فى هذا التوقيت الاستثنائى قد خانه التوفيق ، لأنه بلا شك سيعمل على تكدير السلم والأمن الإجتماعى ، وسيلقى بآثاره الكارثية على ملايين الأسر ، حيث تبلغ الوحدات المستأجرة وفق نظام الإيجار القديم مايقرب من ٣ ملايين وحدة سكنية ، وإذا قلنا أن متوسط عدد أفراد الأسرة ٥ افراد ، فمعنى ذلك أن ١٥ مليون فرد سيلقون فى الشارع ، ويكونون بلا مأوى ، رغم ان الدستور كفل لهم حق الإيواء والسكن .

لستُ هنا بصدد الدفاع عن الملاك أوالمستأجرين فكلاهما مجنى عليه كما أسلفت ، ولأننى لستُ خبيرا فى الشأن العقارى ، فيوجد من هو أقدر منى على وضع الحلول الناجعة لهذه القضية الشائكة المعقدة.

لكن مايهمنى هو عدم اللجوء بأى شكل من الأشكال للإخلاء القسرى للمستأجرين من مساكنهم ، لأنه لاشك سيشرد ملايين الأسر ، وسيفتح بابًا جديدا من ابواب العنف والتطرف نحن فى غنًى عنه.

لابد من حل متوازن يرضى الطرفين بحيث يحقق رغبة الملاك فى الحصول على قيمة إيجارية عادلة تتناسب مع الإمكانات المادية والظروف المعيشية للمستأجرين دون المساس باستقرار ١٥ مليون مواطن مهددون بالتشرد .