رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

هجوم أزهري على سعد الدين الهلالي بعد فتوى أفعال النبي

سعد الدين الهلالى
سعد الدين الهلالى


أثارت تصريحات الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، جدلًا كبيرًا، بزعمه أن أفعال الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بشرية لا حجة لها فى الدين، ورفض الأزهر الشريف والعلماء هذه الفتوى.


وأكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن أفعال سيدِنا رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حُجَّةٌ باتفاقٍ إلا ما خصَّصه الدليل، والقولُ بأن أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- ليست دينًا من عند الله؛ قول جافٍ، ينزع الهيبة عن شَخصِه -صلى الله عليه وسلم- وسُنَّته وشِرعته.


وقال «المركز» في فتوى له، إن الله عزَّ وجلَّ قد بعث سيدَنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- للنَّاس رسولًا مُشرِّعًا، ونبيًّا هاديًا، وجعل من حُقوقِه علىٰ أمته الإيمان به، وتصديق نُبوَّته، واعتقاد عِصمته، وطاعته، واتباعه، والاقتداء بهديه، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، والانقياد له، والتزام سُنته، والرِّضا بحُكْمِه، والتَّسليم لما جاء به، والتَّخلُّق بأخلاقه، والتَّأدب بآدابه في العُسْر واليُسْر، والمَنْشَط والمَكرَه.


وأضاف: وإن اختزال مفهوم التّدين في أعمال القلب، وقصره علىٰ التوجه إلىٰ الله تعالى دون اتباعٍ لصاحب الشَّرع الشَّريف -صلى الله عليه وسلم- ، أو تأسٍّ به فيما جاء عن ربه سبحانه وتعالىٰ؛ إنما هو تغافلٌ عن حقيقة الدين، وماهية أركانه التي لا تكتمل إلا بتحققها كافةً قولًا وعملًا، وهو مخالفٌ لما جاء به القرآنُ العظيمُ من وجوب طاعته، والسَّير علىٰ طريقته -صلى الله عليه وسلم-.


وتابع: والقولُ بأن أفعال سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليست دينًا من عند الله، وأن تصديرها للناس على أنها دين «مشكلة»؛ قولٌ جافٍ، يُهيل التُّراب على سُنَّة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وينزع الهيبة عن شخصه وشرعه، وفعله وقوله، فضلًا عن أنه خالٍ عن الأدب مع صاحب المقام الشَّريف سيِّدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.


واستطرد: حتى وإن كان المقصود بالتَّصرفات، التَّصرفات المُتعلِّقة بالهيئة كالملبس والمظهر، أو الخاضعة لعادة الناس في زمن دون زمن، وبلد دون آخر، فهذه لا أقلَّ من أن يحوزَ المُقتدِي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فيها شرفَ الاقتداء بسيًِد الخلق وحبيب الحقّ -صلى الله عليه وسلم-، وينال ثوابَ ذلك إن خلُصت نيته، مع مراعاة الأعراف السَّائدة في كل عصر، وموافقة الشّرع الشَّريف.


وواصل: أمّا إن كان الغرض هو التَّقليل من هديه -صلى الله عليه وسلم-، وتنحية سُنَّته، بجعلها خارجة عن صُلب الدّين والتّشريع، وتصويرها على أنها لا تعدو التّصرفات البشرية التي لا عِصمة لها؛ فهذا قول بيِّنُ الخطأ، فيه لغطٌ وشطط.


وأكمل: وهو تعطيل للقرآن الكريم عن غايته التي جاء لتحقيقها، ومحاولة لإقصائه عن واقع الناس وحياتهم، ودعوة صريحةٌ إلى تأويله علىٰ حسَب أهواء الناس وشهواتهم دون مؤهِّلاتٍ للنَّظر والاستنباط، وبعيدًا عن المثال العملي علىٰ تطبيقه وهو النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، مضيفًا: ولا يخفىٰ ما في هذه الدّعوة من خطر بالغ -ليس علىٰ الدّين فحسب- بل علىٰ أمن المجتمع واستقراره، في الوقت الذي تعمل كافَّة مؤسسات الدَّولة فيه على تحقيق الأمن والسلام والاستقرار المُجتمعي.


وأردف: إذ الأصل في أفعال سيِّدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنها جزء من سنّته الشَّريفة التَّشريعيّة، التي يجب اقتداؤه فيها، وامتثال ما دعت إليه، إلا ما دلّ الدليل علىٰ خُصوصيّته به -صلى الله عليه وسلم-، أو أنه لم يُقصد به التَّشريع، فقد كان النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وحيًا يُوحَى، لا يصدُر في قوله أو فعله أو تقريره إلا عن أمر الله ووحيه؛ ليُبيِّن ما جاء عن الله سُبحانه في قرآنه، ويُفصِّل مُجمَله، ويُخصِّص عامّه، ويُقيّد مُطلقَه، ويشرح، ويُوضّح، وليأخذ عنه النَّاس دينهم؛ قال سُبحانه: «وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ»[النحل: 44]، وقال سُبحانه: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا» [الأحزاب: 21]، قال الإمامُ ابن كثير في تفسيره (6/ 391): «هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ»ــ.


ونقل قول الإمام الألوسي في روح المعاني (21/ 167): (والآية وإن سيقت للاقتداء به عليه الصلاة والسلام في أمر الحرب من الثبات ونحوه فهي عامة في كل أفعاله إذا لم يُعلم أنها من خصوصياته...)، وقال الإمامُ ابن عبد البر في التمهيد (5/ 117): (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، فَهَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ إِلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَىٰ خُصُوصِ شَيْءٍ مِنْهُ)، وعَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ، فَأَوْتَرْتُ، ثُمَّ لَحِقْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: خَشِيتُ الصُّبْحَ، فَنَزَلْتُ، فَأَوْتَرْتُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَىٰ وَاللهِ، قَالَ: «فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُوتِرُ عَلَىٰ البَعِيرِ». [متفق عليه]، وقد قال سيدُنا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : «...فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». [متفق عليه].


ونبه على أنه أجمع الصحابةُ رَضي اللهُ عنهم ومَن بعدهم علىٰ الرجوع إلىٰ أفعاله -صلى الله عليه وسلم- في التشريع، متابعًا: ولا شكَّ أنَّ الأدب مع سيّدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من تمام الإيمان، والإيمان به جزء لا يتجزأ من التَّصديق بكتاب الله سُبحانه، الذي قال الله سُبحانه فيه: «إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمًا». [الفتح: 8 - 10].


وشدد على أن الله سُبحانه جعل الإيمان برسوله قرين الإيمان به، ومعنى «وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ»: تعظموه وتفخّموه، قاله الحسن والكلبي، والتعزير معناه: التعظيم والتوقير، وقال قتادة: تنصروه وتمنعوا منه، ومنه التعزير في الحدّ؛ لأنه مانع، وقال بعض أهل اللغة: تُطيعوه، «وَتُوَقِّرُوهُ» أي تسوِّدُوه؛ قاله السدي، وقيل تعظموه، والتوقير: التعظيم والتَّرْزِين أيضًا، والهاء فيهما للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-.


واختتم: «وتجدر الإشارة إلى أن دعوات الانتقاص من قدر المُصطفىٰ -صلى الله عليه وسلم- ليست بجديدة، ولم تنقطع مُذ بعثهُ الله للعالمين رسولًا، ولكنها ما نالت قطّ من مكانته -صلى الله عليه وسلم- أو سُنَّته؛ بل رفع الله ذكرَه، وأظهر شرعَه، وحفظ دينَه، فقد ذكر الإمام القرطبي في تفسيره قول أبي جهل للنَّبي -صلى الله عليه وسلم- في مُستهَّل دعوته -صلى الله عليه وسلم- : إنّا لا نكذبك؛ ولكن نكذب الذي جئت به، فآنس الله عزَّ وجلّ سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم بقوله سُبحانه: «قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٌ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ». [الأنعام: 33، 34].


تصرفات النبي هي الدين

رأى الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن تصرفات النبي -صلى الله عليه وسلم- هي الدين نفسه بنص القرآن، لأن القرآن الكريم هو الذي قال لنا فاتبعوه، وهو الذي قال: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ».


وأشار المفتي السابق، إلى أنَّ المسلمين تدبروا في كتاب الله عز وجل وما فيه من أوامر ونواهي وتوجيه وإرشاد ووجدوا قوله تعالى في سورة الأحزاب: "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"، أي في رسول الله لا في كلام رسول الله أو في أفعاله فقط.


وألمح المفتي السابق، إلى أنَّ التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم يكون في كل شيء، "في منامه ويقظته وحربه وحياته ولبسه وتجارته وتعليمه وفتواه وقضائه وكل منا مهما كان سيجد في رسول الله صلى الله عليه وسلم برنامجا كاملًا لتلك الأسوة الحسنة التي أرادها الله واحبها".


وذكر أن تلك الأسوة الحسنة قال عنها الله تعالى أنها لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا حتى قال: «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ»، موضحًا: «أنه لم يقل فاتبعوا كلامي أو أفعالي أو حركاتي أو سكناتي، بل اتبعوني، وهذا نص مطلق، في أمور الدين والدنيا معًا».


ولفت إلى أن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور الدين والدنيا يكون بمنهجه صلى الله عليه وسلم، مؤكدًا أنه -صلى الله عليه وسلم- في كل شئون حياته علمنا المنهج ولم يعلمنا فقط الجزيئات، أما في أمور العبادة فكان حاسمًا حيث قال صلوا كما رأيتموني أصلي وفي الحج قال خذوا عني مناسككم، «فرسول الله صلى الله عليه وسلم في دنياه واخراه له أسوة حسنة فارتضاه الله أن يكون أسوة حسنة" وقال تعالى: «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ"، وقال: "فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ».