رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

قائمة بأشهر قارئات القرآن.. وسر غياب دولة التلاوة «النسائية»

قارئة قرآن
قارئة قرآن

فى النصف الأول من القرن الماضي، كانت في مصر قارئات قرآن من طراز رفيع، اشتهرن عبر الإذاعة، ينافسن مشاهير القراء الرجال، وكان يطلق عليها «دولة تلاوة القرآن النسائية»، ولكن فجأة اختفت هذه الدولة بحجة أن «صوت المرأة عورة».

ويظل غياب صوت قارئات القرآن الكريم عن الإذاعة، سؤالًا يتجدد كل عام، ذلك الصوت الذي لم يكتشف رجال الدين أنه عورة قبل عام 1949، عندما قررت الإذاعة المصرية الرسمية منع الشيخة كريمة العدلية، والشيخة منيرة عبده، من تلاوة القرآن عبر أثير الإذاعة، بعد أن وصلت أصواتهن إلى إذاعتي لندن وباريس، وبعد أن اقترب أجر منيرة عبده، من أجر الشيخ محمد رفعت.

فلماذا غابت دولة قارئات القرآن في مصر، وهل يمكن عودتها من جديد، وهل يمكن أن نرى المرآة يصدح صوتها في مجالس الرجال دونما أي حرج؟

تناول الكاتب الكبير محمود السعدني، هذه القضية في كتابه «ألحان السماء»، الذي أصدره، عام 1959، متحدثًا خلاله عن فن قراءة القرآن الكريم، قائلًا إن بعض المشايخ الكبار أفتى بأن صوت المرأة عورة، وهكذا اختفت الشيخة منيرة من الإذاعة.

يضيف «السعدني» إنه «بموت السيدة نبوية النحاس، عام 1973 انطوت صفحة رائعة من كتاب فن التلاوة والإنشاد الديني في العصر الحديث»، كاشفًا أنها «آخر سيدة مصرية ترتل القرآن الكريم في الاحتفالات العامة وفي المناسبات الدينية وفي المآتم والأفراح وكان الاستماع إليها مقصورًا على السيدات».

ويلفت «السعدني» في فصل من كتابه، الذي جاء تحت عنوان «من الشيخة أم محمد إلى الشيخة كريمة العدلية»، إلى أن السيدة نبوية كانت واحدة من 3 سيدات اشتهرن بتلاوة القرآن الكريم ومعها السيدة كريمة العدلية والسيدة منيرة عبده.

كريمة العدلية

بدأ «السعدني» دراسته بـ«العدلية»، التي ظهرت أيام الإذاعات الأهلية، والتي ذاع صيتها مطلع القرن العشرين في مصر، حيث عرفتها الآذان من خلال ميكروفون الإذاعة، وظلت ترتل آيات الذكر الحكيم بصوتها حتى الحرب العالمية الثانية.

ويكشف كتاب «ألحان السماء» قصة الحب التي وقعت فيها «العدلية» مع الشيخ علي محمود، أحد القراء المشاهير في دولة التلاوة، حيث كانت فصولها تتلخص في عشقها لصوته وطريقته في الأداء، في حين كان يبادلها الإعجاب بالإنصات إليها.

وتظهر ملامح الإعجاب في حرص «العدلية» على أداء صلاة الفجر في مسجد الحسين حتى تتمكن من سماع صوت «محمود» وهو يرفع الأذان، بينما كانت تجيد جذب السامعين وهو من بينهم لها من خلال تلاوتها القرآن والمدائح النبوية.

ومن الطرائف التي رصدتها مجلة «الراديو المصري» في عددها الخامس والخمسين، الصادر في الأيام الأولى من أبريل عام 1936، أن الإذاعة قدَّمت الشيخة كريمة العدلية مرتين في يوم واحد، الأولى كقارئة للقرآن في السابعة صباحًا، والثانية كمطربة في العاشرة وأربعين دقيقة مساء.

أم محمد

يقول «السعدني» عن «أم محمد»، التي ظهرت في عصر محمد علي: «كان من عادتها إحياء ليالي شهر رمضان الكريم في حرملك الوالي، كما كانت تقوم بإحياء ليالي المآتم في قصور قادة الجيش وكبار رجال الدولة».

ويضيف: «أم محمد كانت موضع إعجاب الباشا محمد علي، وحصلت على العديد من الجوائز والهدايا، وأمر محمد علي بسفرها إلى إسطنبول لإحياء ليالي شهر رمضان المعظم في حرملك السلطانة، وماتت الشيخة أم محمد قبل هزيمة محمد علي ومرضه، ودفنت في مقبرة أنشئت لها خصيصًا في الإمام الشافعي، وجرت مراسم تشييع الجنازة في احتفال عظيم».

منيرة عبده

بدأت «منيرة»، النحيفة الكفيفة كما يصفها «السعدني»، رحلتها مع القرآن في سن الـ18، عام 1920، محدثة ضجة كبرى في العالم العربي حتى أصبح صوتها ندًا للمشايخ الكبار، وذاع صيتها في الخارج لدرجة أن أحد أثرياء تونس عرض عليها إحياء ليالي رمضان بصوتها في قصره بصفاقس بأجر 1000 جنيه عام 1925، لكنها رفضت، فما كان منه إلا الحضور إلى القاهرة لسماع ترتيلها طوال الشهر الكريم.

ومع بدء أثير الإذاعة المصرية، عام 1934، كانت «منيرة» في طليعة، الذين رتلوا القرآن بأجر قدره 5 جنيهات، في وقت كان الشيخ محمد رفعت يتقاضى خلاله 10 جنيهات، لكنها اصطدمت بفتوى ظهرت مع دقات طبول الحرب العالمية الثانية، مفادها أن «صوت المرأة عورة»، فأوقفت الإذاعة المصرية بث صوت «منيرة»، التي لازمت بيتها معتكفة حتى توفاها الله.

يقول عنها«السعدني»: «لم تحقق الشهرة التي وصلت إليها كريمة العدلية رغم وصول صوتها إلى العالم العربي عبر ميكروفونات الإذاعات الأهلية في مصر».

الشيخة خوجة إسماعيل

قدمت الإذاعة لأول مرة يوم 19 أبريل عام 1936، ثلاث تلاوات للشيخة خوجة إسماعيل، وزاد الاهتمام بها، حتى أسندت إليها جميع التلاوات النسائية في شهر مايو من العام نفسه، وبلغت ثلاث تلاوات في الأسبوع الواحد، حتى اختفت تمامًا في ما بعد.

الشيخة سكينة حسن

ولدت ضريرة في صعيد مصر، فألحقها والدها بالكُتَّاب لتعلم القرآن، ورتلت القرآن والتواشيح في المناسبات الدينية، وسجلت بعض آيات الذكر على أسطوانات، وسجَّلت مجموعة من القصائد والأدوار والطقاطيق القديمة، وغيَّرت اسمها إلى "المطربة سكينة حسن"، في بداية عشرينيات القرن العشرين. لها ترتيل مسجل منذ عام 1911.

لكن الأزهر، وفقًا لبعض المصادر، مثل الكاتب عصمت النمر، في مقال له بالعدد الثاني من جريدة "داليدا" الصادرة في أكتوبر 2016، حرّم هذه التسجيلات، ما دفعها لهجر القرآن إلى الغناء، وتوفيت عام 1939 أو عام 1948.

الشيخة نبوية النحاس

كانت الشيخة نبوية النحاس آخر سيدة مصرية ترتل القرآن الكريم في الاحتفالات العامة سواء في الإذاعة أو مختلف المناسبات في ربوع مصر حتى  عام 1973.

نفيسة وأم السعد

وهناك الشيخة نفيسة بنت أبو العلا، وشيخة أم السعد، التي لم تتزوج ووهبت حياتها للقرآن، وماتت باكرًا وعمرها 80 عامًا، رغم كثرة من تهافت عليها للزواج بها.

ومنهن الشيخة مبروكة التي يوجد لها تسجيل قرآني عام 1905، وتلت ما تيسر من سورة الإسراء عام 1911. 

سفيرات الفن في التلاوة

وهناك عدد من الفنانات اشتهرن بتلاوة القرآن الكريم، منهن كوكب الشرق، أم كلثوم، ووردة، حيث اشتهرت كوكب الشرق، أم كلثوم بتلاوة القرآن الكريم، في بداية حياتها، إلى جانب التواشيح الدينية، وهو ما ظهر جليًا في أحد مشاهد فيلمها "سلامة" إذ تلت ما تيسر من سورة إبراهيم.

ويقول الكاتب الراحل سعد سامي رمضان في كتابه "أم كلثوم... صوت في تاريخ الأمة" إن أم كلثوم سجلت القرآن كاملًا بصوتها، وأوصت بإذاعته بعد وفاتها بعشرين عامًا، لكن أحدًا لم يطلع على هذه التسجيلات أبدًا، ما يُشير إلى أنها ربما تكون مجرد شائعة.

كما قرأت وردة الجزائرية بضع آيات من سورة آل عمران، في فيلم ألمظ وعبده الحامولي.

القارئات الجدد

وفي العصر الحديث ظهرت مرتلات من مصر، على رأسهن سمية علي عبد العزيز الديب، المولودة في بنها عام 1994، وهي من أسرة قرآنية شهيرة.

حفظت القرآن وعمرها 6 سنوات، وحصلت على الإجازة فيه برواية حفص عن عاصم، من الشيخ أحمد شرف، ودرست المقامات الموسيقية وأتقنتها، ومثلت مصر في كثير من المحافل الدولية.

حجج واهية

يقول الكثير من المفكرين إن مقولة «صوت المرأة عورة»، كانت الحجة الأبرز للتضييق على المرأة، ومنعها من تلاوة القرآن الكريم في الإذاعة المصرية، مستشهدين بقصة الصحابية "أم ورقة الأنصارية" التي بايعت النبي وروت عنه الحديث، وثبت أنها كانت قارئة رائعة الصوت واشتهرت بكثرة صلاتها، واستقطابها عددًا كبيرًا من النساء، حتى كان الرسول يجعل لها في بعض الأحيان مؤذنًا يُؤذِّن لها.

وبعض الصحابيات كن يجلسن في المجالس العامة أيام الرسول ويشاركن بآرائهن ولم يقل لهن النبي ولا واحد من خلفائه إن صوتهن عورة.

 يقول الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إنه لا مانع من أن تقرأ المرأة القرآن الكريم مثل الرجال في مجالس الذكر العامة وفي الإذاعة، لأن الأصل في الأشياء الإباحة والجواز ما لم يرد حظر من الشارع، وحيث أنه لا يوجد حظر فيبقى الأمر على الإباحة والجواز، مؤكدا أنه لم يقل أحد من العلماء أن صوت المرأة عورة، وهذا خبر ضعيف جدا يتصادم مع القرآن الكريم نفسه، لأن الله قال عن أمهات المؤمنين: «واذكرنا ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة»، والسيدة عائشة رضى الله عنها كانت مفتية المسلمين، والقرآن الكريم سجل حديث ابنة العبد الصالح مع سيدنا موسى عليه السلام في سورة القصص، وبالتالي الكلام عن أن صوت المرأة عورة كلام سخيف يجافي العقل والمنطق والشرع، ولا يوجد أي ضوابط شرعية في هذا الموضوع سوى أن المرأة تجيد أحكام التلاوة فقط، مشيرا إلى أنه يتأثر جدا عندما يستمع إلى صوت أم كلثوم  وهي تقرأ القرآن الكريم، ويذكر أنه يوجد محفظات للقرآن في الكتاتيب في القرى، كما يوجد قارئات يذهبن لمآتم العزاء للنساء.

 

ويضيف الشيخ علي عبد الباقي شحاتة، وكيل مجمع البحوث الإسلامية الأسبق، أن هناك خلافًا في هذا الموضوع من قبل العلماء، فهناك من يرى أن صوت المرأة عورة، وهناك من يرى أن صوت المرأة ليست عورة، ولكنه يرى أن المرأة لها دور في التاريخ الإسلامي، مثل السيدة نفسية كان لها مجلس علم يحضره كبار العلماء في مصر منهم الإمام الشافعي رحمه الله، وكانوا يسمعون صوتها ولم يحرم أحد صوت المرأة، والمرأة المسلمة مطالبة بتأدية جميع الشعائر والأركان والفرائض والمناسك مثلها مثل الرجل، ومن ذلك قراءة القرآن إما ترتيلا وإما تجويدا، لكن أن تقرأ المرأة القرأن في مجالس الرجال أو مجالس النساء فقط  فهذا خلاف فيه نظر، لكنه لا يصل إلى درجة التحريم.

وتابع: البعض يرى أنه يجوز للمرأة أن تقرأ القرأن ترتيلا وتجويدا في مجالس الرجال، والبعض لا يرى ذلك، وكله يتوقف على أسماع وأذواق الناس، فإذا وجد هذا الصوت الذي يقرأ القرأن بكل شروط علوم القرآن والتجويد والأصوات والتنغيم فسوف يستحسنه الناس ويسمعونه والعكس صحيح، وبالتالي هو لا يرى في ذلك مانعا إطلاقا أن تقرأ المرأة القرآن وللمستمعين الاختيار، فمن يرى أنها عورة فلا يجلس مجلسها ولا يسمع صوتها، وجودة الصوت ومخارج الحروف وأحكام التجويد هي التي سوف تجذب من يستمع إليها سواء رجل أم امرأة.

وأكد «شحاتة»، أنه لا تحريم إلا بنص، ولا يوجد نص في القرآن يقول إن صوت المرأة عورة، مشيرا إلى أن المرأة الآن أستاذة في الجامعة ووزيرة وعالمة وتتحدث مع الرجال ومع النساء في الشارع وفي أماكن العمل وفي كل مكان ولم يقل أحد إن صوت المرأة عورة، مشيرا إلى أنه كان يستمع إلى كوكب الشرق أم كلثوم وهي تقرأ القرآن الكريم وأنه كان يشعر أنه قارئة جيدة ولكنها لم تستمر في ذلك.

وأشار إلى أنه لا فرق بين سماع القرآن بصوت المرأة أو بصوت الرجل، لكن العبرة بشروط وأحكام التلاوة، لافتا إلى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه ولي الشيماء بنت الربيع مسئولية أمور الحسبة، وهي وظيفة من وظائف إدارة الدولة، وهذه الوظيفة كانت تتطلب التحدث مع الرجال والتجار لضبط أمور الدولة، ولو كان صوت المرأة عورة ما ولى سيدنا عمر ابن الخطاب الشيماء بنت الربيع هذا المنصب في الدولة، موضحا أن «صوت المرأة عورة»، ليست حديث، ولكن قول بعض الفقهاء والمجتهدين، الذين بالغوا في هذا الأمر من أجل الاحتراز وعدم وقوع  الرجل في معصية الزنا، وهذا كان تشددًا في غير موضعه، ولا يتفق مع القرآن الكريم ولا مع السنة، مشددا على عدم وجود نص يحرم أن تقرأ المرأة القرآن مرتلا أو مجودا في مجالس الرجال، لكن ما وصفه بالتعصب الذكوري هو من يحرم ذلك، مشيرا إلى أن هناك نزعة عنصرية وذكورية وعدوانية متخلفة تجاه المرأة في بعض المجتمعات القبلية، وهي عادات وتقاليد قبلية موروثة ومتخلفة، مؤكدا على عدم وجود فرق بين الرجل والمرأة وخاصة في العلم.

ويقول الشيخ أحمد صبح، زعيم المنشقين عن الجماعات الاسلامية، إن صوت المرأة عورة في حال عدم التزامها بالآداب الشرعية، لأن الله سبحانه وتعالى قال «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ، إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا»، وبالتالي صوت المرأة عورة عندما يكون فيه ميوعة أو يثير الغرائز، مثل تحريم البيع وقت صلاة الجمعة، وبالتالي عندما تخضع المرأة بالقول ويكون صوتها صوتا مثيرا الغرائز  يصبح هنا صوتها عورة، وبالتالي قراءة المرأة للقرأن بالضوابط الشرعية التي ذكرناها ليس حرام، لكن يشترط أن يكون طبقا لأحكام التجويد ولا يكون بالموسيقى كما يريد البعض.