«أم المؤمنين حفصة».. لقبت بـ«حارسة القرآن» ونزل فيها الوحي 3 مرات وروت 60 حديثًا

اختص الله – عز وجل – نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بخصائص كثيرة عن غيره من البشر إظهارا لمكانته وإعلاء لشأنه ومن ضمن هذه الخصائص كثرة زوجات النبي فقد أباح الله له أكثر من أربع زوجات، ولا يجوز هذا لغيره من المسلمين.
وكثرة زواج النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- لم يكن الهدف منها التمتع وإشباع الشهوة، وإنما كان الهدف أسمى وأعلى؛ ففي زواج النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- من أمهات المؤمنين - رضي الله عنهنَّ - الكثير من الحكم التشريعية والإنسانية والتعليمية، إضافة إلى ما يتعلق بمصلحة الدعوة وتبليغ الرسالة وهو أمر إلهي في قوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (34) الأحزاب.
ومن ثم فإنَّ لكل من زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمهات المؤمنين حكمة وسببًا، يزيدان في إيمان المسلم بعظمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورفعة شأنه وكمال أخلاقه.
وقد بلغ عدد زوجات النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- اللاتي دخل بهنَّ إحدى عشرة؛ وهنَّ: السيدة خديجة بنت خويلد، والسيدة سودة بنت زمعة، والسيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنه، والسيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنه، والسيدة زينب بنت خزيمة، والسيدة أم سلمة، والسيدة زينب بنت جحش، والسيدة جويرية بنت الحارث، والسيدة رملة بنت أبي سفيان، والسيدة صفية بنت حيي بن أخطب، والسيدة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنهنَّ جميعًا، أما السيدة مارية بنت شمعون القبطية رضي الله عنها فقد اختلف في أمرها هل كانت زوجة له أم ملك يمين؟.
ويُطلق على زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمهات المؤمنين، وقد شرفهنَّ الله تعالى بذلك فقال: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: 6]
وخلال السطور التالية نسرد قصة زواج النبي بالسيدة حفصة بنت عمربن الخطاب.
أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها
هي أم المؤمنين السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بن نُفَيْل بن عبد العزَّى بن رياح بن عبد الله بن قُرْط بن عدي بن كعب بن لؤي، ويجتمع نسبها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كعب بن لؤي.
وأمها زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، أخت عثمان بن مظعون رضي الله عنه.
وُلِدَت السيدة حفصة رضي الله عنها وقريش تبني البيت، قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين، جاء ذلك عن عمر رضي الله عنه.
وُلِدَت السيدة حفصة رضي الله عنها وقريش تبني البيت، قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين، جاء ذلك عن عمر رضي الله عنه.
وبناء الكعبة كان لخمسٍ وثلاثين سنة من مولده صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث قامت قريش ببنائها، فقبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخمس سنين جرف مكة سيل عرم، أوشكت الكعبة منه على الانهيار، فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها؛ حرصًا على مكانتها.
والسيدة حفصة أختٌ شقيقةٌ لسيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم وأسنّ منه؛ قال الحافظ ابن حجر: وكان مولده في السنة الثانية أو الثالثة من المبعث؛ لأنه ثبت أنه كان يوم بدر بن ثلاث عشرة سنة وكانت بدر بعد البعثة بخمس عشرة سنة.
وكانت السيدة حفصة رضي الله عنها قبل زواجها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متزوجة من خُنَيْس بن حذافة بن عدي السهمي رضي الله عنه، هاجر خُنيس إلى الحبشة في الهجرة الأولى سنة خمسة من الهجرة.
ولم تذكر المصادر هجرة السيدة حفصة معه ولعلَّها بقيت بمكة، ثم عاد إليها، ثم هاجر بعد ذلك هو وزوجه السيدة حفصة رضي الله عنها من مكة إلى المدينة، فهي من المهاجرات.
وشهد خُنَيس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدرًا وأصيب فيها، ثم توفي بعد ذلك بسبب جرحه في المدينة المنورة، وقيل: لم تكن غزوة بدر بل كانت غزوة أحد، على خلافٍ بين المؤرخين، ولا عقب له من زوجه حفصة رضي الله عنها.
قصة زواجها من النبي
ولما تأيَّمت السيدة حفصة رضي الله عنها ذكرها عمر لأبي بكر رضي الله عنهما وعرضها عليه فسكت أبو بكر ولم ينطق بكلمة، فغضب من ذلك عمر، ثم عرضها على عثمان حين ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عثمان: ما أريد أن أتزوج اليوم. فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشكا إليه عثمان وأخبره بعرضه حفصة عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يتزوَّج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة».
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلقي أبو بكر عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقال له: لا تجد عليَّ في نفسك فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ذكر حفصة، فلم أكن لأفشي سِرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو تركها لتزوجتها.
وقيل: إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها سنة اثنتين أو ثلاث من الهجرة، ثم طلقها، ولما طلقها نزل عليه الوحي يقول: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وأنها زوجتك في الجنة فراجعها.
نزل فيها القرآن 3 مرات
إحداها حينما اشتكت نساء النبي محمد من ضيق النفقة، وتكلمن معه في ذلك وقت كان أبو بكر وعمر دخول على النبي محمد، فهمّ كل منهما بضرب وتأنيب ابنته لولا أن نهاهما النبي محمد عن ذلك. فنزل الوحي بتخيير نساء النبي، قائلاً:«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا.. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا .. يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا .. وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا .. يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا» فاخترن الله ورسوله.
أما الثانية فكانت كما ذكر الشوكاني في فتح القدير أن النبي محمد قد أصاب جاريته مارية القبطية أم ولده إبراهيم في غرفة زوجته حفصة، فغضبت حفصة وقالت «يا رسول الله لقد جئتَ إليَّ بشيء ما جئتَه إلى أحد من أزواجك، في يومي وفي دوري وعلى فراشي»، فقال: «أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا فَلا أَقْرَبُهَا أَبَدًا؟» فقالت حفصة: «بلى» فحرَّمها النبي على نفسه، وقال لها: «لاَ تَذْكُرِي ذَلِكَ لأَحَدٍ»، فذكرته لعائشة، فكان ذلك سببًا لتطليق النبي محمد لها.
فنزل قوله تعالى:« يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .. قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ .. وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ .. إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ .. فكفّر النبي محمد عن يمينه، وأصاب مارية.
ردها النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن جاءه جبريل قائلاً له: «رَاجِعْ حَفْصَةَ؛ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ.»
المرة الثالثة حينما اعتزل النبي -صلى الله عليه وسلم- نساءه شهرا وأقسم ألا يدخل على نسائه من شدّة مَوْجدَتِهِ عليهنّ ، حتى عاتبه الله تعالى ونزلت هذه الآية في عائشة وحفصة لأنهما البادئتان في مظاهرة النبي -صلى الله عليه وسلم-قال تعالى :«إِن تَتُوبَا إلى اللهِ فقد صَغَتْ قُلُوبُكُما وإن تَظَاهرا عَلَيه فإنّ اللهَ هوَ مَوْلاهُ وجِبريلُ وَصَالِحُ المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيرٌ..عسى رَبُّهُ إن طلَّقَكُنَّ أن يُبْدِلَهُ أزواجاً خَيْراً منكُنَّ مُسْلِماتٍ مؤمناتٍ قانتاتٍ تائباتٍ عابداتٍ سائِحاتٍ ثَيَّباتٍ وأبكاراً».. فما كان منهن وآيات الله تتلى على مسامعهن إلا أن قلنَ قال تعالى: «سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير».
فضلها
عُرفت السيدّة حفصة -رضي الله عنها- بالصيام والقيام، وبالعلم ونقل الأحاديث عن النبي، كما عُرف عنها البلاغة والفصاحة، ولها خطبة مشهورة قالتها بعد مقتل أبيها، وقد كانت من النساء اللاتي تعلمن الكتابة على يد الصحابية الشفاء بنت عبد الله، وروت أحاديث عن النبي محمد وعن أبيها بلغت 60 حديثًا، منها ثلاثة متفق عليها، وانفرد مسلم بـ6 أحاديث، وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين؛ كأخيها عبد الله وابنه حمزة وزوجته صفية بنت أبي عبيد وحارثة بن وهب والمطلب بن أبي وداعة وأم مبشر الأنصارية وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن صفوان والمسيِّب بن رافع وغيرهم، وأورد بقيّ بن مخلد في مسنده ستون حديثًا عنها.
وقد كانت هي وحدها من اختيرت لتُحفظ في بيتها النُسخة الخطيّة للقرآن الكريم قبل أن يطلبها منها عثمان رضي الله عنه لتُنسخ، فتمّ نسخ القرآن الكريم وتوزيعه على الأمصار، وتوفّيت رضي الله عنها في آخر خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعاً.
وفاتها
ماتت أم المؤمنين السيدة حفصة رضي الله عنها في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين من الهجرة، وقيل: توفيت في شعبان سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو يومئذ عامل على المدينة.