رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«أتون القدر 43»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب



في الوقت الذي سمحت فيه حكومته بصمت تام يبلغ مرحلة التواطؤ العلني لمليشيات من عصابات التيار السلفي بحصار مبنى المحكمة الدستورية العليا لإرهاب قضاتها خلال نظر القضايا القائمة ضد الحكومة، وكان من آثار هذا العمل الشائن بالذات أن قامت 34 محكمة عليا في دول الغرب وباقي الدول العريقة في الديمقراطية بالإضراب الرمزي عن العمل عدة ساعات تضامنًا مع قضاة المحكمة الدستورية العليا المحاصرين في مصر، كما كان من النتائج رفض المحاكم العليا في بعض دول الغرب الاعتداد بأحكام المحاكم المصرية سواء في أحكامها على بعض لصوص المال العام التابعين للنظام الساقط والهاربين من مصر أو برد الأموال المنهوبة وذلك على أساس أن القضاء المصري مهدد فلا تعتد بأحكامه.



ثانيًا: كانت أمريكا القطب العالمي الأوحد حاليًا وحلفاؤها في العالم الغربي وخاصة الاتحاد الأوروبي مرحبين تمامًا باستلام الإخوان المسلمين للسلطة في مصر، وقد سبق لنا في الفصل السابق إلقاء الضوء على تفسير لذلك.



وكنا منذ سنة 2000 نتنبأ في مقالات عديدة على مدى الحقبة الأولى من القرن الحادي والعشرين بأن التيار الديني سيكون رهان أمريكا المقبل على أساس أن الأنظمة العسكرية الحاكمة في المنطقة والموالية للغرب بالذات قد أصابتها التسوس والشيخوخة وأنها على وشك السقوط بانتفاضات شعبية، وأن أضمن حل بالنسبة لأمريكا هو ترك التيار الديني يصل للسلطة حيث أن له تواجد حقيقي قوي في الشارع، كما أنه تيار فاشستي يحكم السيطرة على أتباعه، فلا تخشى أمريكا من انفجار الشارع في ثورات ديمقراطية حقيقية يأخذ معها الشعب مصيره في يده بما قد يهدد مصالح الغرب في المنطقة تهديدًا خطيرًا لذلك فوجود تيار إسلامي قوي في الحكم يضمن ضبط الشارع السياسي.



وتستطيع أمريكا التعامل معه بتفاهمات تحقق مصالح الطرفين مع مراعاة فارق القوة الهائل بينهما كما تستطيع أمريكا عن اللزوم تهديد حكومة ذلك التيار لو تعدى الخط الأحمر بالنسبة لمصالحها فهذا أسهل كثيرًا من تهديد حكومة ديمقراطية كاملة يقف وراءها شعب واعي مدافعًا عن مصالحه.



وقد أثبتت الأحداث بعد نظر أمريكا في تأييد حكم الإخوان المسلمين فعندما اشتعلت حرب الصواريخ من قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس التابعة عقائديًا وتنظيميًا للإخوان المسلمين، وطلبت أمريكا من حكومة الإخوان التدخل لإيقاف حماس حماية لأمن إسرائيل الذي يعتبر أحد الركيزتين الأساسيتين لسياسة أمريكا في المنطقة وهما ضمان أمن إسرائيل وضمان استمرار تدفق بترول الخليج للغرب، عندما طلبت أمريكا من حكومة الإخوان المسلمين التدخل مع حماس لم يتردد الإخوان في الضغط على حماس وتم قمع حرب الصواريخ الحماسية ضد إسرائيل فورًا.



ولكن الأمر الملفت للنظر والذي أجد له تفسيرًا قد يدهش القارئ ويكون إفراط في الخيال من جانبي هو أن أمريكا الحريصة على هدوء أوضاع المنطقة في ظل حكومة عسكرية أو فاشية أو دينية لا يهم ما دامت حكومة قادرة على حماية مصالح أمريكا.



الغريب أن وزير خارجية أمريكا في زيارته الأخيرة لمصر أوائل هذا العام رأى الاستقطاب الحاد في الشارع السياسي ورأى العنف يتصاعد بما قد يصل إلى حرب أهلية حقيقية في مصر.



كان يستطيع إقناع مرسي بضرورة تهدئة الأوضاع الداخلية وتقديم تنازلات حقيقية عن سلطته المطلقة غير المشروعة تساعد على تهدئة الحال، ولم يكن مرسي في هذه الحالة في وضع يسمح له برفض رغبة أمريكا في الوقت الذي يوشك فيه الاقتصاد المصري على الانهيار ويوشك فيه قرض البنك الدولي على الضياع وهو البنك أو القرض اللذان تسيطر عليهما أمريكا تمامًا.



فلماذا لم ينصح كيري مرسي بالتهدئة بل تصرف وكأنه يشجع مرسي على الاستمرار في تحدي كل قوى المعارضة وتمزيق الجبهة الداخلية فقدم لمرسي دعمًا ماليًا إضافيًا حوالي مائتي مليون دولار نقدًا، فلماذا فعل كيري ذلك؟



تفسيري الذي قد يجد فيه القارئ شططًا فكريًا شديدًا من جانبي هو أن أمريكا قد تكون متعمدة لدفع مرسي لمزيد من الخطأ حتى يتهرأ حكمه تمهيدًا لتوجيه ضربة قاصمة لتنظيم الإخوان المسلمين الدولي قبل أن يستفحل خطره نتيجة احتضانه لفكرة إحياء الخلافة الإسلامية كما سأوضح في الفقرة التالية مباشرة.



ثالثًا: لا يقوم الإطار الفكري لجماعة الإخوان المسلمين على الإيمان بالوطنية المصرية بالمعنى الذي تعتنقه الأحزاب المدنية عمومًا من أن الدين لله والوطن للجميع بصرف النظر عن الجنس أو الدين، فالولاء الوحيد هو لمصر الأم ومصر الأرض، أما لدى الإخوان المسلمين فالعبرة بالدين ومعنى الوطنية هو الولاء للإسلام أولًا وأخيرًا، لذلك لم يكن غريبًا الموقفان التاليان للإخوان المسلمين الذان نسجلهما هنا من باب الإيضاح الكامل لما نريد شرحه:


1- لم يكن قول مرشد الإخوان السابق منذ فترة عندما سئل عما إذا كان يرضى لو عاد نظام الخلافة الإسلامية أن يكون خليفة مصر من ماليزيا وليس من مصر، فرد الرجل حرفيًا: «طظ في مصر»، لم يكن الرجل يتعمد إهانة بلده وإنما كان يعبر بصدق عن حقيقة مشاعره ومشاعر الإخوان المسلمين من أن الرابطة الحقيقية بين الناس هي الدين وليس الوطنية أو القومية بمعناها السائد بيننا.



2- عندما صرح مرشد الإخوان الحالي من أنه لا يمانع من إقامة معسكرات إيواء مؤقتة على أرض سيناء لأهل غزة الذين دمرت إسرائيل مساكنهم، وثارت الدنيا في مصر كلها لما تضمنه تصريح المرشد من تفريط في أرض مصر، كان الرجل أمينًا تمامًا مع معتقداته فاستيطان سيناء بأتباع حماس المنتمين للإخوان المسلمين أفضل لهم وأكثر أمنًا من استيطان هذا الجزء من سيناء بمعرفة علمانيين أو كفرة ينزحون من الوادي إلى أرض سيناء، الرابطة الأهم لدى الإخوان هي الدين وليس الوطن.



ويقودني هذا إلى تقديم تفسير لموقف وزير خارجية أمريكا في دعم مرسي الذي اعتقد أن هدفه هو توريطه في المزيد من الأخطاء لإمكان تدمير التنظيم الدولي للإخوان قبل أن يستفحل خطره لو لقيت دعوة إعادة الخلافة الإسلامية استجابة طاغية في الشارع الإسلامي وسط أكثر من مليار مسلم يعيشون في 57 دولة إسلامية.