رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أتون القدر «35»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب



الفصل الخامس: نشأة الإسلام السياسي الحديث وكيف وصل إلى السلطة والنتائج المتوقعة:



نشأة الإسلام السياسي:



كما رأينا في مقدمة الكتاب فقد كان ظهور الإسلام السياسي الحديث نتيجة عدة عوامل تصادف ظهورها في وقت متزامن تقريبًا.



كان أول هذه العوامل أهمها إلغاء الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك سنة 1924 نتيجة هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى وتصفية الإمبراطورية العثمانية وتوزيع أشلائها بين المنتصرين فكانت الثورة العسكرية بقيادة أتاتورك وإلغاء الخلافة وتحول تركيا كلية إلى الغرب ابتعادًا عن العالميين العربي والإسلامي، وبلغ الأمر إلى درجة إلغاء الحروف العربية التي كانت اللغة التركية تكتب بها وبدء كتابتها بالحروف اللاتينية.



وقد سبب إلغاء الخلافة صدمة هائلة وسط أغلبية السذج وأنصاف المتعلمين في دول متدينة بطبيعتها كانت هذه الأغلبية تظن أن الخلافة جزءًا لا يتجزأ من الدين وأن عدم وجود خليفة يشرف على تنفيذ شرع الله يعني أن العالم الإسلامي يعيش في ضلالة علمانية مثل الكفرة والمشركين في دول الغرب.



لم تفهم الاغلبية أن نظام الخلافة هو صيغة حكم ابتكرها العرب عند وفاة الرسول (ص) كانت تتفق مع مجتمعهم القبلي كما سنوضح بالدليل القاطع، ولكن صدمة العالم الإسلامي نتيجة الفجائية التي ألغى بها منصب الخلافة كانت شديدة على الملايين خصوصًا بعد ما أشيع أن أتاتورك كان من يهود طائفة الدونمة وأنه كان بخطوته يعمل على هدم الدين الإسلامي نفسه.



وقد عبر أمير الشعراء الراحل أحمد شوقي بك - وكان من أنصار الخلافة - عن صدمة الأغلبية بقصيدة يرقي بها الخلافة ويقول موجهًا كلامه لها هذين البيتين:



عادت أغاني العرس رَجعَ نواحِ.. ونُعيت بين معالم الأفراحِ

كُفنتِ في ثوب الزفاف بليلهِ.. ودُفنت عند تبلّج الإصباح


ولم تبدأ الأغلبية في رؤية أن الخلافة ليست ركنا من أركان الدين إلا عندما هب أعلام التنوير إلى إيضاح الحقيقة للعامة وكان أحد هؤلاء الأعلام وهو الشيخ الأزهري علي عبد الرازق الذي نشر كتاب «الإسلام وأصول الحكم» موضحًا أن الدين الحنيف ليس به نظام حكم معين كما قال الرسول (ص) نفسه كما سنوضح.



وكان العامل الثاني في ظهور الإسلام السياسي الحديث هو رغبة الملك فؤاد والبطانة التي التفت حوله في إعادة الخلافة في شخص الملك فؤاد والبطانة التي التفت حوله في إعادة الخلافة في شخص الملك فؤاد حيث أنه كان ملك أكبر دولة عربية مسلمة ووجد فؤاد ضالته المنشودة في إعادة نظام الخلافة باسمه كي يستطيع إعادة الحكم الملكي المطلق.



والخلاص من سعد زغلول ودستور سنة 1923 الذي اضطر لإصدراه وتصفية كل آثار ثورة سنة 1919 الخالدة التي سلبته الحكم المطلق الذي ورثه عن أجداده.



أما العامل الثالث والأكثر خطورة وسلطة - وإن كان من وراء حجاب - فهو القوى الاستعمارية المسيطرة على المنطقة وعلى رأسها الاستعمار البريطاني الذي كانت جنوده تحتل مصر والاستعمار الفرنسي المسيطر على شركة قناة السويس والتي كانت دولة داخل الدولة لا تخضع للقوانين المصرية ولا لسلطة الحكومة المصرية إلا ظاهريًا وتحكم العلاقة بين الطرفين أساسًا اتفاقية القسطنطينية سنة 1888 بين الدول الكبرى، والتي تضمن حرية الملاحة في قناة السويس للسفن التجارة لكافة دول العالم إلا في حالات الحرب بشروط معينة.



رأى الاستعمار في التهاب المشاعر الدينية في المنطقة نتيجة إلغاء الخلافة فرصة ذهبية في إذكاء مشاعر التطرف الديني لتكون حائلًا تقف في وجه الموجة الليبرالية الديمقراطية الزاحفة والتي أفرزتها ثورة 1919 المجيدة تحت قيادة الزعيم الخالد سعد زغلول بفضل جهود جيل التنوير الذي سبق قيام الثورة وأخذ ينشر مبادئ الديمقراطية وحقوق الشعوب وسط الساحة السياسية.



كما كان الاستعمار يرى في إذكاء مشاعر التطرف الديني فرصة يستخدمها عند اللزوم لزرع بذور الفتنة الطائفية في مصر بين الأغلبية المسلمة والأقلية القبطية وهو ما نجح الاستعمار فيه تمامًا فيما بعد خلال السنوات التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام دولة يهودية في فلسطين.



فعل عملاء الاستعمار كل ما استطاعوا لتشجيع الملك فؤاد على فكرة إعادة الخلافة الإسلامية في شخصه وتشجيع أفكار التطرف الديني لإيقاف الفكر الليبرالي الحر المبني على المساواة الكاملة في المواطنة وحقوق الإنسان بصرف النظر عن الدين أو الجنس.



وبعد تمهيد الأرض لهذه الأفكار الدينية وجد الاستعمار الفرنسي في مدينة الإسماعيلية التي يقع فيها المركز الرئيسي لشركة قناة السويس ضالته المنشودة في شاب متدين يتمتع بسمعة طيبة جدًا وسط المحيطين به ويبلغ من العمر 22 عامًا فقط، يعيش ويعمل مدرسًا بالمدينة، وكان اسمه حسن البنا وإلى جانب السمعة النقية التي كان البنا يتمتع بها كان يتمتع بموهبة فائقة على الخطابة وقدرة هائلة على التأثير في سامعيه خاصة وكانت أحاديثه لهم باسم الدين والرغبة في إحياء مجده وغير ذلك مما كان يدغدغ مشاعر سامعيه.



اتصلت شركة قناة السويس بحسن البنا سنة 1928 وقدمت له مبلغ خمسمائة جنيه - كان مبلغًا ضخمًا وقتها - ليقيم مركزًا لجماعته الدعوية الهادفة لنشر ما عرف بالإسلام الصحيح وقام حسن البنا بإنشاء المركز بالإسماعيلية ومنذ الدقيقة الاولى لقيام المركز الذي اتخذ اسم جماعة الإخوان المسلمين كان الطابع الفاشيستي للتنظيم ساطع الوضوح وكانت الطاعة العمياء مطلوبة من أعضاء الجماعة للبنا الذي اتخذ لقب «المرشد العام» وليس الرئيس أو القائد.



كان شعار الجماعة سيفان متقاطعان تعلوهما كلمة «الإخوان المسلمون» وتحتها كلمة «وأعدوا» التي كانت اختصارًا للآية القرآنية الكريمة «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم».



أي أن نشر الدعوة في تصور منشئها لن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة كما تقول الآية الكريمة ولكن بالسيف والإجبار كما يوحي شعار الجماعة، وتلخصت شعارات الجماعة التي وضعها مؤسسها في العبارات التالية: «الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا».



وسرعان ما انتشرت دعوة الإخوان المسلمين في كافة أرجاء مصر ونقل البنا المركز الرئيسي للجماعة إلى حي الحلمية بالقاهرة وبدأت فروع الجماعة تنشر في مصر تحت اسم الشُعَب وكان لكل شعبة مسئول يتولى تجنيد الأعضاء الجدد ووضع برنامج تثقيفهم بفكر الجماعة المبني أساسًا على السمع والطاعة للمرشد العام.