رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

فيروس كورونا بين المرض والعار الاجتماعى

الاخصائى النفسي محمود
الاخصائى النفسي محمود جادو

حالة من الخوف والقلق يعيشها العالم بعد انتشار فيروس كورونا المستجد الذي تحول فى غضون شهور قليلة إلى وباء عالمي، فربما لا نفكر فى هذه الأيام سوى في كيفية حماية أنفسنا وأهلنا من التعرض للعدوى بهذا الفيروس لا قدر الله، فالخوف من فيروس كورونا أمر طبيعي ومنطقي، ولكن إذا تحول الأمر إلى هلع وذعر يعيشه بعض الأشخاص فى هذه الأيام بل قد يتحول لدى آخرين إلى وصمة عار فى حياة من أصابوا بهذا الفيروس اللعين!. ففي هذا الوقت الذي يعيش كثيرون من البشر حالة من الرعب وصلت الى حد الوسواس من فيروس كورونا ليهدد هذا الأمر مناعتهم بسبب تأثيره المباشر على صحة جهازهم المناعي، يعاني آخرون أيضا من الوصم الاجتماعي (العار الاجتماعى ) ليس إلا لظهور بعض أعراض البرد العادية التي يعانون منها، وهو ما قد يدفع كثيرين لتجنب الذهاب إلى المستشفيات والهروب منها.


أصبح مجرد سعال مفاجيء يصدره زميلك في العمل، أو عطس متكرر لأي من الموجودين في وسائل المواصلات العامة، سبب كافي للذعر والخوف، ليتحول التعامل مع فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، الذي أصاب أكثر من 100 ألف شخص حول العالم، وأودى بحياة الآلاف، من الحكمة والوقاية إلى الوصم والفوبيا، الأمر الذي قد يصعب كثيرا من مواجهة الفيروس، ويجعل الإصابة به كـ "العار" من الممكن أن يبدو الوضع طريفا، مع نكتة أو مزحة عن الفيروس والتعامل معه، ومواجهة الخوف منه، للدرجة التي انتشرت معها على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر قول إحداهن "جارتنا بالعمارة جم اخدوها من شوية، وهي نازلة على السلم، قلت لها ايه فيه ايه؟ قالت لي ما تخافيش دعارة دعارة"، ليتضح كيف أصبحت الإصابة بفيروس كورونا وصم (وعار)يفوق العمل في شبكات الدعارة.


وقد يتحول الأمر إلى تنمر وجهل وأقل ما يقال عليهم همج معدومى الإنسانية واقرب مثال لدينا هو التنمر على الاطباء والممرضين ومن يعملون فى المنظومة الصحية فأصبح الطبيب الآن منبوذا من المجتمع بحجة أنهم خائفون على أنفسهم من أن تنتقل إليهم العدوى من إحداهم فأصبحت اليوم مهنة الطب من أكثر المهن التى ينفر منها الناس بجهلهم وغبائهم ! فمن ذا الذى سوف يقوم بالكشف عليك اذا مرضت ويعطيك الدواء ؟!


بالإضافة إلى رفض العديد من المطاعم واوبر وغيرهم ممن يقدمون الخدمات العامة أصبحوا يمتنعون من التعامل مع الأطباء وكأنهم هم من سينشرون الوباء فى العالم !!!!!


وأقرب مثال حى على هذه الحالة هى حالة الطبيبة سونيا عبد العظيم الطبيبة التى أصيبت بفيروس كورونا اثناء معالجتها لمرضى كورونا فى مستشفى الحجر الصحى والتى رفض أهل قريتها ان يقوموا بدفنها لمجرد انها ماتت بعد اصابتها بالفيروس خوفا منهم من انتقال العدوى لهم مما يكشف الستار عن جهل مدقع وانسانية منعدمة.


تحكي إحدى الطالبات 15 عاما، كيف يعامل زملاؤها في أحد الأماكن التعليمية زميلا آخر لهم بسوء وتنمر، فهو ولد يحمل ملامح آسيوية، لا تعرف عنه الكثير ولكنها علمت أنه يعيش في مصر منذ خمس سنوات، وليس لديه سوى صديق وحيد، ومع بدء الحديث عن انتشار فيروس كورونا المستجد، بدأ زملاؤه الآخرون يبالغون في التعامل معه   تقول هذه الطالبة "بيقعدوا يقولوا له يا كورونا، وأنت فيروس ومش عاوزين يتكلموا معاه، وبيعاملوه بطريقة سخيفة"، في حين تكون ردة فعله على تنمرهم هي السكوت والتجاهل وعدم المواجهة، ليبدو ما حدث مع هذا الطفل شبيه إلى حد كبير بما واجهه رجل آسيوي كان يستقل سيارة خاصة في القاهرة، انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لسائق السيارة وهو يضع منديلا على وجهه ويشتكي للمارة بجانبه ويعتبره مصدرا للوباء. بعد انتشار الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبين قيام سائق السيارة الخاصة بإنزال الرجل الآسيوي، الذي تعرض للتنمر من المارة ورفض لكثيرين بتوصيله للمكان الذي يريد، أحدث الأمر سخط وغضب رفضا لما تعرض له رجل لم يقم بأي ذنب، سوى أنه يحمل ملامح البلد الذي انطلق منه المرض. في بعض وسائل الإعلام الأجنبية، ومع بدء انتشار الفيروس، تم إلحاق الفيروس باسم المدينة التى انطلق منها، فأصبح لدى شبكات مثل "سي إن إن" يطلق عليه "فيروس ووهان كورونا"، أو "فيروس كورونا الصيني"، ليرتبط في أذهان كثيرين بالدولة نفسها، ويترسخ في اعتقادهم أن كل شخص يحمل ملامح صينية هو مصاب، ويجب الابتعاد عنه والنفور منه. هذا الوصم(العار) لم يقتصر على دول بعينها، ففي بيروت نشر أحد الاشخاص، وهو يتحدث العربية بطريقة غير متقنة وله ملامح آسيوية، أنه يتعرض للتنمر والسب بـ "كورونا" في شوارع بيروت، كما تعرض رجل سنغافوري إلى الضرب في شوارع لندن، اعتقادا من البعض أنه صيني يحمل لهم فيروس كورونا ونتيجة وصم الشعب الصيني، رغم انتشار الفيروس إلى معظم دول العالم، بات كثيرون يخافون إظهار علامات التعب ويجاهدون من أجل إخفائها، حتى لا يتم وصمهم هم أيضا وحتى لا يلتصق بهم هذا العار، غير أن ارتداء الكمامات واجهه كثيرين بالسخرية وبعض الحذر والخوف أيضا، فظهرت تعليقات تعتبر ارتدائها مبالغة، وأنه "إذا خايف أقعد في البيت"، فباتت حتى إجراءات الوقاية توصم الشخص.على الرغم من زيادة المعلومات عن فيروس كورونا إلا أن مستقبل هذا الفيروس يظل غامضاً، فإلى الآن لم يتم التوصل إلى لقاح يساعد في علاجه، ولم تستطع أي دولة وقف هجومه عليها، إلا أن هذا الأمر لا يعني أن الشفاء منه مستحيل، فآلاف الحالات تم شفاؤها، ولكن، يظل الفيروس الوبائي سبب في حالة من الهلع والخوف الذي وصل حد الوسواس لدى كثيرين بسبب مخاوفهم من انتقال العدوى إليهم ولأحبائهم. 


ولتأثيرات فيروس كورونا انعكاسات على جميع القطاعات وحتى علاقاتنا الاجتماعية أيضًا، ولكن الأكثر تأثرا به والذي يمكن أن يكون سببا في تداعيات أكبر هو الحالة النفسية، فتأثر الحالة النفسية بالسلب له تأثير واضح ومباشر في زيادة احتمالية انتقال العدوى بفيروس كورونا، لتأثير ذلك الواضح والمباشر على فيروس كورونا. ولأنه توجد الكثير من العوامل التي تساعد في زيادة حالة الرعب والهلع والوسواس من فيروس كورونا وأبرزها تداول الأخبار على السوشيال ميديا، فمن الضروري معرفتنا كيف نتعامل مع هذا الفيروس، وكيف نساعد في تقليل حدة تأثيره على حالتنا النفسية للحفاظ على الجهاز المناعي وتقليل احتماليات العدوى.