رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أتون القدر «34»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب



لابد لنا هنا من إلقاء الضوء على كيفية انتصار أمريكا دون حرب كان الاتحاد السوفيتي قد تورد سنة 1980 بإرسال قواته إلى أفغانستان على أثر انقلاب عسكري شيوعي بها ورأت أمريكا فرصة العمر في جر الاتحاد السوفيتي إلى مزيد من الغرق في المستنقع الأفغاني لاستنزاف قوته كما سبق لقواتها الاستنزاف ثم الخروج المهين من حرب فيتنام سنة 1975 بعد أحد عشرة عامًا من الحرب الضروس والخسائر الفادحة وكان نجاح شعب فيتنام في إجبار أمريكا على الانسحاب يعود بعد البطولة الخارقة لهذا الشعب إلى المساعدات العسكرية الهائلة التي تدفقت على فيتنام من روسيا والصين وفي مقدمتها الصواريخ المضادة للطائرات التي مكنت الفيتناميين من اسقاط عدد هائل من الطائرات الأمريكية وفي مقدمتها قاذفات B52 العملاقة.



ردت أمريكا الجميل لروسيا التي ازداد غرق قواتها في بحر الرمال الأفغاني خاصة بعد أن زودت أمريكا مقاتلي أفغانستان بالصورايخ المضادة للطائرات من طراز شتانيجار عالي الأداء الذي لم يكن أمريكا قد زودت به حلفائها في حلف الناتو بعد.



ولكن أفتك أسلحة أمريكا التي أدت إلى انهيار الغزو السوفيتي لأفغانستان بعد ثماني سنوات من الحرب الضروس التي وصل الجيش السوفيتي لأفغانستان المحتل خلالها إلى أكثر من 155 ألف جندي كان أفتك سلاح استخدمته أمريكا هو إحياء التطرف الإسلامي في المنطقة الأسيوية كلها.



نجحت أمريكا سنة 1979 في إسقاط شاه إيران عندما ساعدت الخميني في العودة من منفاه كما سبق القول.



ونجحت في إحياء هذا التطرف الإسلامي لمحاربة الاتحاد السوفيتي الملحد، ومساندة شعب أفغانستان المسلم وقامت القوى الوهابية في السعودية بحشد الآلاف من المتطوعين دفاعًا عن الإسلام ضد أعدائه وكان أشهر هؤلاء المتطوعين الذي اعتبر وقتها بطلًا أسطوريًا هو أسامة بن لادن الذي انقلب بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان إلى عدو لدود لأمريكا وللعرش السعودي وأصبح حسب وصفهم إرهابيًا دوليًا طاردوه حتى قتلوه في سنة 2011، وكانت أرض باكستان هي المعبر الذي تمر فوقه مئات الأطنان من السلاح الأمريكي وعشرات الآلاف من المجاهدين العرب إلى أفغانستان للقتال ضد روسيا الملحدة.



وبلغ النجاح الأمريكي مداه عندما كانت كتائب كاملة من الجمهوريات الجنوبية السوفيتية التي تدين أغلبيتها بالإسلام تنشق عن الجيش السوفيتي وتنضم بأسلحتها إلى ثوار أفغانستان مثل جنود أزبكستان وتركمانستان وطاجستان الذين دخلوا أفغانستان كجزء من جيش الغزو الروسي ثم انقلبوا لمساندة اخوانهم في الدين الإسلامي.



ووقف العالم على أعتاب القرن الحادي والعشرين وبه قطب دولي أوحد هو أمريكا التي كانت تخطط عندئذ لتنفيذ خطة شيطانية هدفها الاستيلاء على بحيرة النفط الهائلة الأخرى في العالم حول بحر قزوين ليس لمجرد القيمة الاقتصادية لهذا النفط ولكن لحرمان أي دولة أخرى منه عند الضرورة حتى تضمن أنه لن تقوم في العالم قوة أخرى مناوئة أو حتى منافسة لأمريكا كما ذكر الرئيس الأمريكي بوش بصراحة تامة في مذكراته المؤرخة 20 فبراير سنة 2002 للكونجرس الأمريكي تحت عنوان «استراتيجية الأمن الأمريكي للقرن الحادي والعشرين».



وكان تنفيذ هذه الخطة الشيطانية يحتم احتلال أفغانستان لإنشاء خط أنابيب لنقل نفط قزوين إلى بحر العرب كما يحتم احتلال العراق لحماية ظهر أمريكا في منطقة الخليج العربي وكذا تدمير ما بقي من قوة العراق العسكرية والاقتصادية والتي كانت الخطر الباقي على أمن إسرائيل بعد أن استسلم نظام مبارك وأصبح كنزًا استراتيجيًا لإسرائيل على حد قول الوزير الإسرائيلي بن اليعازر.



وانفجرت الخطة الشيطانية الأمريكية على العالم صباح 11 سبتمبر 2001 عندما اصطدمت طائرتان عملاقتان مخطوفتان ببرجي التجارة العالميين في نيويورك وأحالتهما إلى ركام واصطدمت ناقلة أرضية ضخمة بمبنى البنتاجون في واشنطن ورغم كذبات أنها طائرة ثالثة وبلغت حصيلة قتلى أمريكا في هذه العمليات ما زاد عن ثلاثة آلاف قتيل وساقت أمريكا للعالم المذهول قصة لم تكن حتى جيدة الحبكة وليس هذا مجال تفنيدها.



وتقول القصة المزعومة أن تسعة عشرًا إرهابيًا عربيًا خمسة منهم مصريين والباقي سعوديين هم من قاموا بهذا الهجوم لحساب تنظيم القاعدة الذي يقوده بن لادن عدو اليوم اللدود وحليف الأمس الصديق.



وسارعت أمريكا بالهجوم على أفغانستان واحتلالها ولما فشلت في تقديم أي دليل ضد صدام بأنه شريك فيما حدث راحت تنسب له أنه يمتلك أسلحة دمار شامل تهدد العالم وطلت تحبك خيوط المؤامرة حول العراق عن طريق الأمم المتحدة ولما فشلت في إدانة العراق بقرار دولي من الأمم المتحدة سعت إلى ما يسمى «خلف الراغبين» من أمريكا وعصابة من الدول الغربية من الباحثين عن جزء من الكعكة العراقية عندما تحتل أمريكا العراق.



قامت أمريكا بغزو العراق وإسقاط صدام في مارس سنة 2003 ثم أسرت صدام وسلمته لعملائها من العراقيين الذي أعدموه فيما بعد دون أن تلوث أمريكا يديخا بدمه فقد قام العملاء بالمهمة القذرة نيابة عنها.



استمرت الحرب عدة سنوات حتى نهاية الحقبة الأول من القرن الحادث والعشرين بعد أن دمرت العراق تمامًا وتم تقسيمها عمليًا إلى ثلاث دويلات كردية في الشمال وسنية في الوسط تحكمها دكتاتورية شيعية وشيعية في الجنوب، وبدأ الأمر كما لو كانت الدنيا قد دانت لأمريكا وأصبحت سيدة العالم الوحيدة.



ولكن كثيرًا ما ينقلب السحر على الساحر فمن ينظر إلى الساحة العالمية في عجالة حاليًا يجد أبرز معالمها:



1- قوة عظمى جديدة اسمها الصين يتوقع أن تتفوق على الإنتاج الكلي الأمريكي قبل سنة 2030 وتتحالف عسكريًا مع روسيا صاحبة أكبر ترسانة نووية في العالم لا تجرؤ أمريكا على محاولة تدميرها وحليف أخر هو الهند التي يتوقع أن تكون القطب العالمي الثالث.



2- حرب عالمية ثالثة بالوكالة تدور فوق أرض سوريا طرفها نظام ديكتاتوري متوحش يخوض حرب أهلية ضد شعبه وتسانده روسيا والصين وحزب الله اللبناني.



3- والطرف الآخر مجموعات معارضة أبرزها تيار الإسلام السياسي تسانده أمريكا وأتباعها من الدول العربية يعرف الطرفان أن حسم المعركة عسريًا لصالح طرف منهما مستحيل تمامًا ولذلك يدور التفكير حاليًا في تقسيم سوريا بين الطرفين قانونيًا أو على الأقل عمليًا على غرار لبنان الذي تمكنت منه دولتا 8 آذار و14 آذار كل دولة تدير منطقة نفوذها دون أن تعلن أيهما الرغبة أو القدرة على الانفصال.



4- اعصار سياسي يجتاح الشرق الأوسط تحت مسمى «الربيع العربي» تتقاذفه الأنواء ويحاول التيار الديني الفاشيستي اختطافه وتبدي أمريكا تعاطفًا ومساعده له ويلقي مقاومة هائلة من القوى المدنية والليبرالية ولا أحد يدري بعد إلى ماذا سينتهي هذا الصراع ومن يدري فقد تثبت الأيام أن أمريكا استدرجت هذا التيار ليحكم ويفشل فتستطيع اقتناص الفرصة لضرب التنظيم الدولي للإخوان ضربة قاضية قبل أن ترسخ قدماه في السلطة ويبدأ تنفيذ مشروعه الجنوني بإحياء الخلافة الإسلامية الذي يضم 57 دولة قد تتطور إلى حرب صليبية شاملة ضد العالم المسيحي يخسرها الطرف المسلم بحسابات القوة العسكرية.



واعتقد أننا بذلك نكون قد أعطينا هذا الباب للصراع العربي الإسرائيلي حقه من العرض الموجز غير المخل ونأتي إلى الفصل التالي الذي يغطي التيارات الدينية.