رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

محمد مازن يكتب من بكين: مشكلة العالم الحقيقية مع كورونا

محمد مازن
محمد مازن

أبرز تناقض في مواجهة وباء فيروس كوورنا حاليا رغم تصنيفه بأنه وباء عالمي، إلا أنه يتم محاربته بأقل درجة من التعاون والتنسيق الدولي. ولعل هذا سبب من أسباب عدم التوصل الى علاج فعال حتى الآن.
في يوم الأربعاء، بدأت الصين، التي نجحت في احتواء الوباء محليا، تدرج بيانات الحالات الصامتة في حساباتها اليويمة استجابة لمطالب شعبية. وتعاني الصين حاليا من مشكلة مع الحالات الوافدة، العدد الإجمالي تجاوز 800 حالة حتى الآن. وفي الولايات المتحدة، تجاوز عدد الاصابات والوفيات هناك نظيره من الاصابات والوفيات في الصين، حوالي ربع مليون حالة مؤكدة وأكثر من 6 آلاف حالة وفاة، وفقا لآخر إحصاء لجامعة حونز هوبكنز الأمريكية اليوم الجمعة.
الأخطر أن خبراء الفريق الطبي المعني بمواجهة كورونا في البيت الأبيض تنبأ بأن يفتك المرض" بما بين 100 ألف إلى 240 ألف شخص" إذا ما تقيد الجميع بالقيود المفروضة. واعترف ترامب أمس الخميس أخيرا بخطورة الوباء، وأعطى إطارا زمنيا يصل إلى عام لمكافحته.
في أوروبا، الوضع يتطور للأسوأ ولم تظهر علامة بعد على التراجع. عدد الحالات في أوروبا تجاوز 500 ألف حالة، وتأثيرات الإغلاق والحبس والإجراءات المقيدة، بدأت تخيم على التوقعات الاقتصادية. وفي أفريقيا وأمريكا الجنوبية واستراليا، تزيد الأعداد، قلة عدد الاصابات في بلد ما لا يشير الى نجاعة الإجراءات والنظام الصحي في تلك البلد، فالأمر يتعلق بالكشف والاختبار، وكلما توسعت دائرة الاختبارات، زادت الحالات كما هو الحال في الولايات المتحدة وأووبا.
"الوضع خطير"، وفقا لرئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس إدهانوم غيريسوس الذي حذر من "احتمال موت الملايين بسبب كوفيد-19"، وأمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيرش الذي قال أن الأزمة تتجاوز تداعياتها "الحرب العالمية الثانية"، بعد يومين فقط من قوله إنها تتجاوز" أزمة 2008 المالية". تأثيرات فيروس كورونا لن تقف عند البنوك والقطاع المصرفي هذه المرة، بل ستطول الأسر والشركات الصغيرة والكبيرة والأنشطة الاقتصادية وحياة الناس.
الملاحظ أن الدول المختلفة تلجأ الى إجراءات أشد صرامة يوما بعد يوم مع تطور الوباء، حتى الصين التي حاصرت المرض الى حد كبير شددت الاجراءات مؤخرا على الحالات الوافدة ومنعت دخول الأجانب مؤقتا، ولم ترجع الحياة الى طبيعتها بعد. المدارس لا تزال متوقفة في بكين والعديد من المقاطعات، وبدأ التشغيل والانتاج بنسبة كبيرة.
أبرز المعضلات الآن التي تواجه الدول هي نقص المستلزمات الطبية. في أوروبا تقارير كل يوم عن نقص في الكمامات وأجهزة التنفس. وفي الولايات المتحدة، شكاوي مستمرة من نقص المستلزمات، ما حدا بترامب الى رفع تعريفات سابقة على استيراد المنتجات الطبية من الصين. لكن القيود التي فرضها الاتحاد الأوروبي على معدات الوقاية والأجهزة الطبية والضغوط المدفوعة بالطلب عليها، ستحد من وصول هذه المواد الضرورية الى الدول الأخرى. ويحذر خبراء اقتصاديون من تأثر الدول النامية والهشة على الأخص بذلك، مما سيقيد جهودها في مكافحة الوباء.
ولسد النقص في هذا المستلزمات، تحولت شركات التكنولوجيا والسيارات في أوروبا والولايات المتحدة إلى انتاج أجهزة التنفس، وشركات الويسكي الى انتاج المطهرات. ومع استمرار انتشار الوباء بهذه الوتيرة، لا يمكن لأي بلد أن يسد النقص بمفرده مهما كان قوته. حاكم نيويورك طالب سكان المدينة اليوم بتغطية الوجه بأي شئ حتى لو بخرقة قماش في ظل نقص الأقنعة الجراحية، والولايات المتحدة نفسها لو استمر المرض عندها لمدة عام، ستحتاج الى حوالي 4 مليارات كمامة وفقا للتقديرات. وتحتاج الصين أيضا الى استيراد مواد ورقائق من الخارج تدخل في صناعة أجهزة التنفس.
وللأسف التعاون بين القوتين العظمتين في العالم، الصين والولايات المتحدة، ليس على ما يرام وسط الوباء. تم تعليق آمال كبيرة بعد توقيع اتفاق المرحلة الأولى التجاري بينها في منتصف يناير، لكن سرعان ما دخل البلدان في حرب كلامية وشجارات دبلوماسية بدأتها الولايات المتحدة بتسييس الوباء وانتقاد إجراءات الصين وما اعتبرته "تأخر بكين في مشاركة المعلومات" بشأن التفشي في ووهان.
اجتماع مجموعة العشرين جاء بأنباء سارة. المجال الصحي من الممكن أن يأخذ العالم لسكة أفضل من التعاون والتعددية في مواجهة التحديات العالمية وسط إجراءات الحمائية والانعزالية التي سادت المشهد العالمي من جانب بعض الدول. ضخ 5 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي والتفكير في آليات لحماية وتحفيز الدول النامية أمران جيدان، لكن هذا الجهد مهدد بأن يصبح حبرا على ورق، إذا لم تتعاون القوى الكبرى بشكل جيد. وترتقي للمسؤولية الكبرى والمتمثلة الآن في وقف النزيف العالمي في الأرواح، من خلال حشد الجهود العلمية والبحثية معا في سبيل التوصل سريعا إلى علاج أو لقاح للوباء.
واعتقد أن الدوافع ملحة لهذا التعاون. الوباء عدو مشترك للبشرية والعالم متشابك كقرية واحدة. والنجاح في بلد ما لن يعتبر نجاحا طالما ينتشر المرض في دولة أخرى. الرئيس الصيني شي جين بينغ أكد على ذلك في حديثه الهاتفي مع ترامب مؤخرا، مشددا على ضرورة مجابهة الوباء بـ"استجابة جماعية".
لذلك، احتواء انتشار فيروس كورونا الجديد في الولايات المتحدة وأوروبا ليس مهما للصين فقط بل للقضاء العالمي على الوباء. يخدم جهود الوقاية من المرض والسيطرة عليه في الصين، وإلا الوباء المستورد من الخارج سيستنزف فكر وجهد الصينيين لفترة طويلة، وهو ما لا ترغبه بكين، التي تسعى إلى العودة الطبيعية سريعا.
سبب آخر يحتم التعاون هو درء التداعيات الاقتصادية. أكبر 5 دول أوروبية حاليا من ناحية عدد الاصابات والوفيات—إيطاليا واسبانيا والمانيا وفرنسا وبريطانيا، من أكثر الدول مساهمة في الناتج الإجمالي العالمي في 2019 بعد الصين والولايات المتحدة. وفي ظل الشراكات التجارية الوثيقة التي تجمع تلك الدول مع بعضها، تبرز الأهمية الشديدة للحفاظ على التبادلات الاقتصادية والتجارية وسلاسل التوريد. الصين أكبر مصدر للسلع في العالم تحتاج الى تلك الأسواق لشراء سلع ومنتجات لسوقها الداخلية وأجزاء تدخل في صناعتها الداخلية. وينطبق نفس الأمر على هذه الدول الأخرى عندما يتعلق الأمر باحتياجها للسوق الصيني، ناهيك عن بقية الدول التي تعتمد بشكل أساسي على استيراد المنتجات من الخارج لسد احتياجاتها المحلية.
لذلك، فإن استقرار الأسواق والحفاظ على النمو وضمان سلاسل الإمدادات العالمية في هذا الوقت مع تعزيز التعاون العلمي يصب في مصلحة العالم ويخدم جهود التصدي للوباء.