رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أتون القدر «23»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب




في الوقت الذي كان يهود العالم يحاولون استدرار العطف على ما كان يفعله هتلر نحوهم من اضطهاد ومطاردة كانت بريطانيا تحاول إرضاء جميع الأطراف وخداعهم في نفس الوقت، فقامت سنة 1939 قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بقليل بإصدار ما عرف بـ«الكتاب الأبيض» وهو وثيقة رسمية تتعهد فيها الحكومة البريطانية بألا يزيد عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين عن خمسة وسبعين ألف مهاجر خلال السنوات التالية.


وثارت الوكالة اليهودية وهي الممثل الرسمي عندئذ للشعب اليهودي في فلسطين وكان رئيسها هو دافيد بن جوريون الذي أصبح أول رئيس لوزراء إسرائيل فيما بعد عند قيام الدولة في مايو سنة 1948 وكان بن جوريون بدوره في مأزق شديد فهو لا يجرؤ أن يرفع السلاح ضد بريطانيا في الوقت الذي تفنى فيه ألمانيا عدو بريطانيا في الحرب المقبلة آلاف اليهود في البلاد الواقعة تحت سيطرة هتلر، وفي نفس الوقت لا يمكنه كزعيم للمجتمع اليهودي قبول الكتاب البريطاني الأبيض الذي يحدد هجرة اليهود إلى فلسطين وأطلق يومها قولته الشهيرة: «سنحارب الكتاب الأبيض وبريطانيا كما لو لم يكن هناك خطر جسيم ضدنا من ألمانيا النازية وحلفائها وسنحارب في صف بريطانيا ضد ألمانيا وحلفائها كما لم يكن هناك كتاب أبيض».



كان واضحًا للعالم أن بريطانيا العظمى الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ستخرج من هذه الحرب دولة درجة ثانية وأن القوة العالمية الجديدة التي ستحل محلها ستكون أمريكا التي ستصبح أقوى دول العالم.



وبعد أن دخلت أمريكا الحرب في 7 ديمسبر سنة 1941 إثر هجوم الطيران الياباني على أسطولها فجأة في اليوم السابق في ميناء بيرل هاربر الأمريكي وإغراق أو إعطاب ثلثي الأسطول الأمريكي في المحيط الهادي كان واضحًا أن أمريكا ستكون زعيمة العالم الغربي الذي يتصدى لألمانيا واليابان وحلفائها وأنها ستصبح بعد الحرب القطب الدولي الأول الذي يتحكم في مصير العالم.



أدرك اليهود هذه الحقيقة وأدركوا أن الدور الذي رسمته لهم بريطانيا بإصدار وعد بلفور سنة 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود بفلسطين لم يكن حبًا في إسرائيل وسلالته الأرضية الواقعة بين نهري النيل والفرات بل كان الهدف الأوحد لبريطانيا هو أن يكون هذا الكيان الصهيوني المزمع إنشاءه هو كلب حراسة للمصالح البريطانية في المنطقة وعلى رأسها خطوط مواصلات الإمبراطورية عبر قناة السويس.


ولما رأي اليهود أن بريطانيا في طريقها لفقدان وضعها العالمي المسيطر عند انتهاء الحرب، وأن السيد الجديد للعالم وللمنطقة يكون أمريكا سارع اليهود بنقل مركز الثقل لنشاطهم من بريطانيا إلى أمريكا والارتماء فوق قدمي السيد الجديد، والوعد بأن يكونوا الحارس الأمين على مصالحه في المنطقة عندما يصل إليها ويسيطر عليها.



بدأ الصهيونيون حملة مكثفة لاكتساب الأنصار من كلا الحزبين الرئيسين في أمريكا الجمهوري والديمقراطي، ومن أعضاء الكونجرس وحكام الولايات وكل من يستطيعون حشد تأييده من الشخصيات العامة في كل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وساعدهم المال اليهودي الهائل الذي كان يملك أهم الصحف ووسائل الإعلام وكان يسيطر ضمن ما يسيطر عليه على صناعة السينما التي كانت من أهم وسائل التأثير في الرأي العام عندئذ.



حيث لم يكن التلفزيون إلا في بدايات حياته، واستمر هذا النشاط اليهودي المحموم طوال سنوات الحرب العالمية الثانية، وكانت من أهم الشخصيات المتفانية في تأييد اليهود عندئذ سيدة أمريكا الأولى إليانور روزفلت زوجة الرئيس الأمريكي المعبود عندئذ فرانكلين روزفلت الذي كان يقود أمريكا وحلفائها عندئذ نحو النصر العسكري الحاسم على ألمانيا ودول المحور إلى أن مات فجأة سنة 1944 قبل نهاية الحرب بحوالي العام، وخلفه نائبه هاري ترومان كرئيس جديد لأمريكا وزعيم للحلف العسكري ضد ألمانيا وشركائها ولك يكن ترومان أقل حماسًا من سلفه في تأييد اليهود، بل كان يزايد على سلفه أحيانًا في هذا المجال لحاجته الأكبر لتأييد اليهود عندما يحين موعد إنتخاب رئيس جديد لأمريكا.



ومن الطريف أنه كانت هناك شائعات كثيرة تترد وربما كان مصدرها اليهود أنفسهم بأن فرانكلين وزوجته إليانور من أصل يهودي وأن اسم عائلة روزفلت الأصلي هو روزنفلت وهو اسم يهودي ألماني.


وبمجرد أن انتهت الحرب في مايو سنة 1945 تعالت صيحات اليهود ومناصريهم حول العالم بضرورة السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين دون قيود، وإرغام سلطة الانتداب البريطاني على فلسطين بقبول ذلك والبدء بتنفيذ وعد بلفور البريطاني أصلًا بإنشاء وطن قومي لليهود بفلسطين.


واستغلبت الدعاية اليهودية والصهيونية الصارخة كل ما أتيح لها من حقائق عن تعذيب ألمانيا النازية اليهود ضمن من عذبت من الشعوب التي أخضعتها ونسجت هذه الدعاية شبكة هائلة من أنصاف الحقائق والأكاذيب حول ما فعله هتلر باليهود دون سواهم لاستدرار عطف العالم عليهم.


ويقف على رأس هذه الأساطير التي برع اليهود جدًا في ترديدها أسطورة المحرقة اليهودية، التي يتعين أن نفرد لها بندًا خاصًا بها ليرى القارئ كيف نشأت الأسطورة وكيف أصبحت حقيقة لا تقبل المناقشة في عالم السياسة الغربية لدرجة تجريم من ينكر المحرقة مجرد العدد المزعوم لضحاياها ويعرض للسجن في عدة دول في أوروبا، كما سنرى والآن إلى أسطورة المحرقة.


المحرقة اليهودية:


تقول الأسطور أن النازيون أبادوا فيها ستة ملايين يهودي:


عندما اجتاحت جيوش ألمانيا النازية شرق أوروبا وفرنسا وجزءًا من اسكندنافيا والبلقان عند بدايات الحرب هرب الملايين من يهود هذه الدول إلى بريطانيا وأمريكا حتى لا يقعوا في قبضة هتلر الذي اقنع الألمان أن هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى لم تكن نتيجة عجز عسكري بل خيانة من يهود ألمانيا جواسيس بريطانيا وحلفائها عندئذ.


وقد أقامت الجيوش النازية معسكرات اعتقال عديدة في الدول التي اجتاحتها وحولتها إلى معامل بالسخرة لحساب المجهود الحربي الألماني وقد فني في هذه المعسكرات مئات الألوف من المعتقلين نتيجة سوء التغذية وسوء المعاملة، وكان ضمن هؤلاء الضحايا في شرق أوروبا خصوصًا مئات الألوف من اليهود والبولنديين والاوكرانيين ولكن الدعاية اليهوديشة الفذة بأجهزتها الدعائية الهائلة ركزت على آلام اليهود وما حدث لهم ولم تكترث بباقي الأجناس من ضحايا النازية.