رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

ثورة الفكر بين التطور والتطرف

عمر حبيب
عمر حبيب


تحدثنا في المقالات السابقة عن أثر الدين و الثقافة في تلوين وتكوين شخصية وحياة المواطن المصري، واستعرضنا بالأمثلة والنماذج الاختلاف و التباين الذي طرأ على حياة المواطن المصري من خلال اختلاف نظرته للدين والتجديد الذي طرأ عليه، وأيضا الحِراك الثقافي لدى المصريين سواء بالسلب أو بالإيجاب ، كل ذلك كان له بالغ الأثر في التغييرات الحياتية الملحوظة في وقتنا الحالي.

ولعلنا جميعاً على علم واسع و إدراك كبير بأن التطورات المستمرة في الأحداث السياسية والاجتماعية بالإضافة إلى التجديد في الوعي الديني و اختلاف ثقافة الحاضر عن الماضي كما ذكرنا ، كل ذلك جعل الشعب المصري للأسف منقسماً إلى عدة فرق و كتل متشعبة متنوعة الثقافات و الميول و الانتماءات، وأصبح هدف كل فريق هو الهجوم و النيل من الفريق الآخر و محاولة إثبات خطئه بأي طريقة، حتى نمت لدينا ثقافة الخلاف بدلاً من ثقافة الاختلاف.

وسوف نتحدث هنا عن ما يسمى بثورة الفكر، و هي عبارة عن مزيج من اختلاط الدين بالثقافة و تأثيرهما على حياة المواطن المصري في العصر الحاضر.

وانتشر في الآونة الأخيرة (وخصوصا في السنوات القليلة الماضية ) مصطلح " ثورة " ... نعم ، فقد أصبح لفظ ثورة يُطلق على أي شئ نتحدث عنه حتى و لو لم يكن يحمل أي معنى .. ثورة الجياع .. ثورة الخلاص .. ثورة إسلامية .. ثورة تحديد المصير .. ثورة الفيسبوك .. و غيرها.

أصبح مفهوم كلمة ثورة لدى الناس بشكل عام ، و لدى الشباب بشكل خاص هو ما يرادف الهياج و رفع حالة الإستنفار القصوى ، و الخروج إلى الميادين و الشوارع و قطع الطرق و نشر حالة من الفزع بين الآمنين و التوتر بين فئات الشعب ، حمل اللافتات مكتوباً عليها العبارات الضخمة الرنانة و التي بالطبع لا تخلو من سب الحكومة و التنديد بالفساد في كل مكان .. كل ذلك مصحوباً بأعمال العنف و التخريب من العناصر المستفيدة التي تندس بين المتظاهرين .. ليصبح الشكل النهائي لتلك " الثورة " غير مفهوم و غير واضح المعالم ، و كل ما تراه أمامك على شاشة التلفاز هو دمار في دمار في دمار.

كل هذا كوم ، و تقسيم فئات الشعب إلى تقسيمات أكثر فئوية كوم آخر .. فنحن على مدى السنوات الأخيرة أصبح لكل شخص منا مسمى جديد لم يكن على علم به من قبل .. ما بين فلول ، يساري ، ليبرالي ، علماني ، حزب كنبة ، و غيرهم .. و أصبح كل شخص منا فاسداً في نظر الشخص الآخر طالما إختلف معه في الرأي و المذهب ، و أصبح الإتهام بالخيانة العظمي هو حكم هين يصدره عليك الطرف الآخر وقتما يشاء.

عزيزى الشاب .. عزيزتي الشابة .. إذا أردت أن تثور ، فهذا من حقك ، و لكن إسأل نفسك أولا : على ماذا أنت تثور ؟.. و هل هذه الثورة من وجهة نظرك و في شكلها المعروف في الوقت الحاضر هي أفضل وسيلة للتعبير عن رفضك أو التنفيس عن غضبك ؟ وهل إذا كانت كذلك ، فهل تُؤتي ثمارها و تحقق أهدافها بالعنف و التخريب و الدمار ؟؟ . 

و إذا كانت  إجابتك هي نعم – و أنا أشك في ذلك – فدعني أسألك سؤالا أهم : هل تظن أن أعمال العنف و التخريب أو الإضرابات و الاعتصامات ، واستخدام وسائل الضغط على بلدك و حكومتك سوف تنال في النهاية من إقتصادنا و تُنهك قواه ، و بذلك سوف تتسع الفجوة أكثر و أكثر ؟؟ .

بالتأكيد هنا الإجابة نعم .. لأن الثورة كي تكون صحيحة في مسارها ، سليمة في نواياها ، نبيلة في أهدافها ، فعليها أولا أن تكون ثورة في الفكر، ثورة يحكمها العقل و ليس العنف ، ثورة نحو التطور و ليس التطرف .

حقاً .. لأن كل أنواع و أشكال التطرف سواء كان تطرف ديني أو جنسي أو غيره هو في الأساس تطرف فكري ... فالإرهابي المتطرف الذي يحمل السلاح و يقتل و يسفك الدماء تحت شعار نصرة الدين و إعلاء كلمة الله هو متطرف فكرياً قبل أن يكون مجرماً إرهابياً ، ذلك لأنه ينفذ بجريمته ثمرة أفكاره المتطرفة ..و إزدراء الأديان أيضاً هو شكل من أشكال التطرف الديني يجعل الملحد  يجاهر بإلحاده النابع من جهله و عُقم تفكيره .. و التطرف الجنسي بأشكاله المختلفة هو نتيجة إنحراف فكري أولا قبل أن يصبح إنحراف جنسي ، وهو يتدرج من الزنا و العلاقات المتعددة مرورا بالإغتصاب و التحرش ( اللفظي و الفعلي ) وصولا إلى الشذوذ و المثلية الجنسية.

ونحن نذكر جميعا كيف كانت السيدة المصرية في القرن الماضي في فترة الستينات و السبعينات ، كانت ترتدي الفساتين القصيرة و المايوهات وملابس البحر على الشواطئ دون أن يتعرض لها أي شاب قولا أو فعلا .. كان المجتمع المصري على خلق رفيع و مثالا يُحتذى به في التمدن و الرقي ، و كنا رواداً للمعايير الإنسانية ، في حين أننا في وقتنا الحالي ومع الأسف الشديد نرى و نسمع عن التحرشات اللفظية بل و الجسدية أيضاً بالفتيات بغض النظر عما ترتديه قصيراً كان أو طويلا.

لقد حدثت هُوة فكرية و أخلاقية عميقة في قلب المجتمع المصري واختلت الموازين و القيم بدرجة كبيرة .. فالشاب المصري الذي لطالما كان معروفاً عنه الرجولة و الشهامة و يُلقب بابن البلد ، أصبح إبن البلد الآن يتحرش بإبنة هذا البلد و يروِع أمنها  .. أصبحنا نسمع الآن عن جرائم التحرش و الإغتصاب بصفة مستمرة ، أصبحت جرائم إغتصاب الأطفال أمر طبيعي يتكرر مرة من بعد مرة ، أصبحنا نفزع حينما نكتشف أن أعمار المتحرشين  تتراوح بين 13 و 15 عاما ، أصبحت هناك قنوات فضائية متخصصة على مدار الساعة تعرض منتجات لعلاج المشاكل الجنسية و تعرض مشاهد إباحية دون حياء أو خجل.

أصبح السفه و الابتذال و الكلام الرخيص هو التجديد الفكري حالياً .. أصبح هو الثورة .. أصبح هو التطور و ليس التطرف .

عفواً يا سادة .. تلك ليست بثورة .. و إنما هي عورة .. فلا تنجرفوا أيها الشباب خلف الأفكار والشعارات الهدامة، و اجعلوا من حياتكم إضافة للإنسانية، وأطلقوا من عقولكم ثورة فكرية.