رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«فرمانات» مجلس مكرم.. ضبط لـ«المشهد الإعلامى» أم «تقييد للحريات»؟

مكرم محمد أحمد
مكرم محمد أحمد


أثارت الضوابط الجديدة التى أعلن عنها المجلس الأعلى لـ«تنظيم الإعلام» برئاسة الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد والخاصة بمواصفات العاملين في جميع أنواع البرامج التي تعرض على الفضائيات جدلا واسعا بين المهتمين بالشأن الإعلامى، لاسيما أن هذه الضوابط تتعلق ببرامج تحقق نسب مشاهدة مرتفعة مثل البرامج الرياضية والدينية والطبية وكذلك برامج «التوك شو».

كما توجد حالة غضب «مكتوم» من سيطرة سياسة تحريرية واحدة تقريبا على جميع وسائل الإعلام، سواء كانت مرئية أو مقروءة أو مسموعة، خاصة الفضائيات والصحف، الأمر الذى يراه كثيرون احتكارًا لـ«المشهد الإعلامى»، وتغليبًا لسياسة «الصوت الواحد» والذى يكون فى الغالب «مواليًا» للسلطة.

فى هذا السياق، يقول جمال فهمى، عضو مجلس نقابة الصحفيين الأسبق، إنه لا توجد ضوابط في العالم كله تخص نوع معين من الفن الإعلامي أو الفن الصحفي، سواء برامج إخبارية أو برامج حوارية أو برامج توك شو، لكن هناك ضوابط عامة مثل التوازن في عرض وجهات النظر وأن تكون المادة الصحفية مستوفاة لوجهات النظر المختلفة حول أي قضية.

وتابع: هذه الضوابط ضد المهنية المتعارف عليها في العالم كله، لا يوجد شئ في العالم كله اسمه ضوابط عمل البرامج، وبالتالي الموضوع لا يتعلق بعمل ضوابط، لكنه نوع من فرض الرقابة القاسية جدا على برامج التوك شو وتقييد حريتها، هذه السياسة لا مثيل لها في أي بلد في العالم، المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تحول إلى جهة رقابية بالغة القسوة، دوره هو ضمان الحريات الإعلامية وليس الرقابة.

وعن وضع الإعلام المرئي تحت إدارة واحدة وسياسة تحريرية واحدة، أكد «فهمي» أن الاحتكار في أي مجال مكروه ومحرم وكل الدول تحرمه وتحظره، أما الاحتكار في مجال الإعلام فسيؤدي إلى كارثة، مصادرة الحكومة لكل وسائل الإعلام أمر خطير ومضر بالمجتمع وبالدولة المصرية، الواقع أن مساحة الحرية في الإعلام المصري تقلصت جدا بدرجة موجعة. 

ويرى عضو مجلس نقابة الصحفيين الأسبق، أنه لا مستقبل للإعلام المصري في ظل هذه الإجراءات، مؤكدا أن الإعلام المصري كصناعة يموت، وهذا يتطلب من المسئولين في الدولة أن يدركوا هذه الحقيقة ويدركوا أن ذلك مؤذٍ للدولة وللمجتمع وللحكومة، وعليهم أن يدركوا أن الحريات كما هي حق للمجتمع فهي ميزة للحكومة تعطيها قوة كبيرة جدا في الخارج وفي الداخل. 

وأضاف «فهمى» أنّ مصادرة الإعلام وتحويله لصوت واحد ونغمة واحدة لا يفيد في أي معركة تخوضها الدولة المصرية، والدليل أن الجمهور المصري هجر وسائل الإعلام المصرية واتجه إلى وسائل الإعلام المعادية للدولة ومنها وسائل إعلام الإخوان، ليس حبا في الإخوان ولكن لأنه يريد أن يسمع نغمة أخرى، وبالتالي التنوع في الإعلام يقوى الدولة والحكومة.

ويقول الدكتور سامى عبد العزيز، الخبير الإعلامي وأستاذ الإعلام بـ«جامعة القاهرة»، إن هذه الضوابط جادة ومطلوبة ولكن العبرة بالتنفيذ والمتابعة، مشيرا إلى أن هذه الضوابط موجودة في العالم كله، وخاصة فيما يتعلق بالجزء الطبي، ففي أي دولة ممنوع على أي طبيب يخرج على شاشة التليفزيون إلا إذا كان معتمدا إما من النقابة أو من الجهة التي ينتمى إليها، وبأنه متخصص، معبرا عن احترامه لهذه الضوابط. 

وتمنى «عبد العزيز» من كل وسائل الإعلام المصرية الالتزام بها وتبنيها بقوة، مشيرا إلى أن قنوات «صدى البلد» كانت أول من بدأ تطبيق هذه الشروط واصفا ذلك ببادرة خير، وأن العالم كله وضع مدة زمنية محددة للفقرات الإعلانية حتى لا تطغى على الفقرات الإعلامية. 

وأشار إلى أن التنسيق مع مصادر الدولة مقصود به عدم تناول أي أخبار تمس الدولة دون التأكد من مصادرها، لأن التناول المبكر أو غير الناضج أو الذي يعتمد على خبر مجزأ وغير موثق يمكن أن يؤدي الى نتائج عكسية ويضع الدولة كلها في موقف دفاعي، مؤكدا أن ذلك ليس معناه الرقابة، ولكن لابد أن يقابل ذلك الإفصاح الإعلامي وحق تداول المعلومات من قبل الدولة، لأنه لا يمكن توجيه اللوم للوسيلة الإعلامية دون أن يكون لديها المعلومة متاحة.

وطالب أن يتم ذلك بأسرع وقت ممكن، مؤكدا أنه مع ضرورة مراعاة علاقة مصر بمحيطها العربي والإقليمي، لاسيما أن هناك برامج تجاوزت الفترة الماضية في حق الدول العربية، مشيرا إلى أن العلاقات العربية لها حساسية خاصة لاسيما في هذه المرحلة، مشددا على ضرورة التزام وسائل الإعلام بتوجهات الدولة السياسية حتى لا تسئ إلى العلاقات مع الدول وهذا لا يمنع تناول الموضوعات لكن مع مراعاة طبيعة خصوصية العلاقات العربية المصرية، أما الاهتمام بالأحداث الجارية فقط فمعناها التعليق على ما تم الإعلان عنه فقط، مع عدم فتح ملفات تحتاج إلى معلومات، لأن التسرع في التناول يؤدي إلى إساءة الفهم، كما أن تحويل قضية فردية الى قضية سياسية بين دولتين خطر، وبالتالي لا يجب تحويل الأحداث الفردية إلى ظواهر عامة.

أما عن موضوع وضع الإعلام المصري تحت إدارة واحدة وسياسة تحريرية واحدة، قال «عبد العزيز»، إن الرئيس السيسي ذكر أنه بعد أحداث 25 يناير حدث نوع من الترهل في أداء المؤسسات، وبالتالي هناك حاجة إلى ضبط الإيقاع في هذه المرحلة وليس تقييده، وهناك فرق بين ضبط الإيقاع وبين تقييده. 

وأشار إلى أن استمرار قناة أو عدم استمرارها واستمرار مذيع أو عدم استمراره أصبح يتوقف على نسب المشاهدة وعلى مدى تأثيره في الرأي العام، وهذه أسس علمية موجودة في العالم كله، مشيرا إلى أن الرئيس قال إن مرحلة التطوير المقبلة ستكون بناء على أسس علمية ومهنية.

وعن هروب المشاهد المصري إلى القنوات المعادية لمصر، قال خبير الإعلام، إنه إذا زادت مساحة الفراغ في الإعلام في أي دولة بحث الناس عن ملئ هذا الفراغ من مصادر أخرى، وبالتالي تقديم وجبة إعلامية مشبعة ومتكاملة وعميقة ومتعددة الزوايا يضمن المشاهدة والاستمرارية، مؤكدا أن أداء الإعلام المصري الآن ينقصه الكثير من المهنية، والتقييم العلمي.

ويقول الدكتور سالم عبد الجليل أحد علماء وزارة الأوقاف، إنه مع الضوابط التي تم وضعها للبرامج الدينية من أجل القضاء على فوضى الفتاوى الدينية التي انتشرت، مشيرا إلى أنه مع هذه الضوابط حتى لو كانت على حساب مصلحته الشخصية.

ويؤكد الدكتور محمود مزروعة، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعتي الأزهر وأم القرى بالمملكة العربية السعودية سابقا، أنه ضد هذه الضوابط الدينية، مشيرا إلى أن الإفتاء لا يتوقف أبدا عند من عنده استطاعة أو على  من هو مسجل عندهم، ولكن الإفتاء يكون لمن لديه القدرة، مشيرا إلى أن الكثير من الأئمة كانوا يجيبون على مسألة أو اثنين من عشرات المسائل التي كانت تعرض عليهم، متابعًا: «الإفتاء قضية ضمير وقضية أخلاق».