رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

لغز عودة الهجوم المشبوه على «الشعراوى» بعد 21 عامًا من وفاته

الشعراوي - أرشيفية
الشعراوي - أرشيفية


شاء الجميع أم أبوا، فإنّ محمد متولى الشعراوي هو «إمام العصر»، ولا تصلح كلمة «الإعجاب» للتعبير عن مشاعر ملايين في مصر والوطن العربي نحوه؛ فعلاقتهم به اقتربت من «التقديس»، ولولا أن الإسلام لا يعرف قديسين، لأصبح هو قديسًا في نظرهم.


ولكن لكل شخص محبين وأعداء، والشعراوي الذي حاز على إعجاب الملايين، له أعداء في الأوساط الليبرالية واليسارية، بسبب عدد من الآراء التي اعتبروها شاذة، وكشفت عن تشدد الرجل الذي ارتبط اسمه منذ ظهوره حتى الآن بـ«الوسطية».


وتحل هذه الأيام الذكرى الحادية والعشرين على وفاة إمام الدعاة الشيخ محمد متولى الشعراوى فى 17 يونيو 1998، إلا أنها أبت أن تمر دون تجد الهجوم عليه من قبل البعض، وجدد الكاتب إبراهيم عيسى هجومه الضاري على الشيخ الأشهر محمد متولي الشعراوي، جاء ذلك في تغريدة لعيسى بحسابه على تويتر.


وكان الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، قد أعاد نشر صورة غلاف لكتاب له صدر عام 1994 تحت عنوان «أفكار مهددة بالقتل: من الشعراوي إلى سلمان رشدي»، معلقًا عليها عبر حسابه على موقع التدوينات القصيرة «تويتر».


وقال: «إنكم تصدقونه، فحين أراه مخطئًا، أسارع وأفند وأناقش وأحيانًا أهاجم، بل والحق يقال، إن الرجل يدفعني دفعًا إلى الخلاف معه، فلم أر شيخًا يمثل مجموعة من الأفكار الرجعية المناهضة للعلم والتقدم إلا الشعراوي، ولم أصادف رجلًا مثله يستخدم كل المنح الربانية التي أنعم بها عليه، فيما يخدم التطرف».


وفي كتابه «أفكار مهددة بالقتل: من الشعراوي إلى سلمان رشدي»، نشر «عيسى»، قصيدة كتبها «الشعراوي» يمدح فيها الملك فهد بن عبد العزيز، رفعته إلى مصاف الآلهة، حيث يقول «الشيخ»:


يا ابن عبد العزيز.. يا فهد شكرًا، دمت للدين فخرًا، أنت ظل الله في الأرض، تحيا بك البلاد أمنًا وسرًا.


«ظل الله في الأرض»، هذا الشطر من القصيدة أثار جدلًا، حيث رفع فيه «الشعراوي» الملك فهد إلى مصاف الآلهة، بل دافع بعض العلماء عن «الشعراوي»، مستندين إلى حديث «السلطان ظل الله في الأرض، يأوي إليه الضعيف وبه ينتصر المظلوم ومن أكرم سلطان الله في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة».


يقول إبراهيم عيسى تعقيبًا على ذلك: «الشعراوي تحدث عن هذا الحديث في صحيفة الأخبار بتاريخ 13 أغسطس 1993، وقال فيه (على العلماء أن يتبينوا)، أي تساءل هو الآخر عن صحة الحديث، الذي لجأ العلماء إليه للدفاع به عنه».


ويضيف «عيسى»: «لم يكتف الشيخ بذلك، بل قال في القصيدة أيضًا (أنت زدت المقدسات شموخًا)، لا أعلم كيف سيزيدها شموخًا، فلن يزيد أي شخص مقدسات الله شموخًا، فهي يا شيخنا شامخة مقدسة ليست في حاجة إلى لا ملك، ولا خادم، ولا لك، ولا أنا».


لم يكن هذا الموقف فقط هو الذي رفع فيه «الشعراوي» أشخاصًا إلى مصاف الآلهة، بل فعل نفس الموقف مع الرئيس الراحل أنور السادات، حينما كان «الشيخ» وزيرًا للأوقاف.


الهجوم على الشعراوى سبقه هجوم فريدة الشوباشي، حيث قالت فى حوار لها مع اليوم السابع "الله لا يسامح السادات الذى جاب لنا محمد متولى الشعراوى الذى سجد لله شكرا على هزيمتنا فى يونيو، وقد كتبت عنه وقلت له - أى الشعراوى- الذى يسجد لله على هزيمتنا فهو يسجد بالضرورة على نصر إسرائيل".


نفس الأمر صرح به الإعلامي عمرو أديب مؤخرا وقال،إنه لا يعرف السبب وراء الهجوم على إمام الدعاة محمد متولي الشعراوي الآن.


وأشار عمرو أديب خلال برنامج "الحكاية"، المذاع على قناة "إم بي سي مصر" إلى أن الشيخ الشعراوي له فتاوى أصاب فيها واستخلاصات واجتهادات أخرى، لم يكن صائبا فيها.


وقال: "أي حد يؤخذ منه ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم". وتابع أديب أن رأي الشيخ الشعراوي في تارك الصلاة هناك من يتفق معه والآخر يعترض عليه، بأنه يحمل نوعًا من التشدد.


وتابع: "حالة الهستيريا بين المؤيدين والمعارضين للشيخ الشعراوي ليست مفهومة، والجميع متطرف بقدر كبير جدًا".


في السياق نفسه كانت الصدمة من تصريح الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقة بجامعة الأزهر، عندما علق على الهجوم على الشعراوى، وأكد أن الشيخ محمد متولي الشعراوي لم يقدم نفسه على أنه معصوم أو ولي، وعندما فسر القرآن أطلق عليه خواطر، تعبر عن اجتهاده.


وأضاف "الهلالي"، خلال اتصال هاتفي مع الإعلامي عمرو أديب ببرنامج "الحكاية" بأن كل الفتاوى التي قالها الشيخ الشعراوي مستمدة من رأي الجمهور، مثل فتواه في حكم تارك الصلاة، فهو مستمد من رأي الجمهور.


وتابع أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أنه يجب أن نرفع ولاية المشايخ من على الناس، ونعرض كل الآراء الفقهية، ونترك الاختيار لعقل الإنسان.


على الجانب الآخر، رد معارضو عيسى عليه، وكتب المفكر الإسلامي د.محمد عباس قائلا: “‏كتبت ضد العلامة العبقري الموسوعي الفذ الشيخ شعراوي بسبب موقفه من الشيخ عاشور واقترابه من السادات بعد التطبيع، وكان ذلك من أجل الإسلام، أما الآن فيبدو أن الدولة العميقة أعطت الضوء الأخضر لكلابها للهجوم عليه هدما للإسلام يا كلاب: حذاؤه أنظف من رؤوسكم وأطهر من قلوبكم”.


وكشف الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، عن أن الهجوم المشبوه على الشيخ الراحل محمد متولى الشعراوى، وراءه خطة ممنهجة لضرب الثوابت الدينية والرموز الإسلامية، حتى يخرج الأجيال القادمة لايعرفون شيئًا عن الدين.


وحذر «الجندي»، من الانسياق وراء هذه الدعوات، قائلًا: «لابد أن يعلم الناس الهدف من الهجوم على الرموز وعلماء المسلمين، وأحذر من الانسياق وراء هذه الخطط والترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعي، فالشيخ الشعراوي يعتبر إمامًا مجددًا».


قال الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، إن الجماعات الإرهابية والمثقفين، قد اشتركوا معًا في حملة الهجوم على الشيخ محمد متولي الشعراوي.


وأضاف: «العلمانيين دايمًا بيلتقوا مع قوى الشر في خندق واحد في نقاط معينة، وكلهم حصل بينهم اتفاق على مهاجمة الشيخ الشعراوي مرة واحدة».


وتابع: «قالوا الشيخ الشعرواي غلط ووحش وضللنا وهو اللي جاب لنا الفساد، قطعت ألسنتكم وشلت أيديكم وكبت الله مكائدكم وردكم الله على أعقابكم خاسرين».


وعقب أن الشيخ الشعرواي يعد رمزًا من رموز هذا الوطن بقوله: «الشعرواي من أهرامات العالم وليس من أهرامات مصر فقط، وهو رمز من رموز الوطن، ولا أقول رمز ديني، لأنه لا يوجد رمز ديني بعد رسول الله».


وهناك عدد من الفتاوى والآراء لـ«الشعرواى» يعتبرها الليبراليون والعلمانيون «شاذة»، وصلت إلى حد وصفه بـ«التشدد والعداء للفقراء».


في شهر رمضان عام 1984، عرض «الشعراوي» خلال حديث تليفزيوني رأيه في أخلاق المرأة، والعلاقة بينها وبين الذي ترتديه، فيقول: «المرأة يجب أن تكون مستورة حتى لا يشك الرجل في بنوّة أبنائه منها»، أي أن المرأة المستورة أو المحجبة هي وحدها التي تنجب لزوجها أبناء يكون واثقًا من أنهم أبناؤه، على حد قوله.


رأي «الشعراوي» أثار جدلًا كبيرًا، ما دفع المفكر الراحل فؤاد زكريا للرد عليه، في مقاله: «الشعراوي يقرر ببساطة شديدة أن المرأة المحجبة فقط تُنجب لزوجها أبناء يثق من أنهم أبناؤه، أما إذا لم تكن كذلك، فإن الأمر يظل موضوع شكّ..


ووقف «الشعراوي» أيضًا ضد عمل المرأة، حيث قال في كتاب «الشعراوي بين السياسة والدين»، الصادر عن دار الفتح للإعلام العربي عام 1997، وهو عبارة عن حوار مطول مع الكاتبة سناء السعيد: «خروج المرأة للعمل هو هروب من مهمتها الأصلية، وهي تربية الأبناء، المرأة المصرية تقول إنه يجب أن تخرج لبناء المجتمع، ونسيت أن قولها هذا هو قول مغلوط، لأن العكس هو الصحيح، فالنساء يخرجن لهدم المجتمع لا لبنائه، لأن الرجل مهمته الكفاح والعمل، والمرأة مهمتها تربية أطفالها، وهناك أمر غريب وهو لجوء المرأة للاستعانة بخادمة لتضطلع بمهمتها الموكلة إليها أصلًا».


واستقبل «الشعراوي» هزيمة الجيش المصري عام 1967 بـ«سجدة شكر»، وفرح أن مصر لم تنتصر وهي في «أحضان الشيوعية»، حيث كان الاتحاد السوفيتي يدعم مصر في مواجهة إسرائيل، ويقدم مساعدات عسكرية للجيش المصري.


وعن هذه الواقعة يقول «الشعراوي»، في لقاء تليفزيوني: «استقبلت نكسة 1967، ونصر أكتوبر 1973 استقبالًا واحدًا، سجدت حينما علمت بالنكسة، وسجدت عندما علمت بالنصر، لكن هناك فارق بين دوافع السجدتين، سجدت بعد النكسة، لأني فرحت أننا لم ننتصر ونحن في أحضان الشيوعية، لأننا لو انتصرنا ونحن في أحضان الشيوعية، لأُصيبنا بفتنة في ديننا، وسجدت عندما انتصرنا في أكتوبر بعيدًا عن الشيوعية».


كان لـ«الشعراوي» موقفًا واضحًا من الشيوعية، ولهذا سجد بعد النكسة، فهو يرفضها ويعتبرها ضد الإسلام، لذلك كان يرفض تقارب مصر مع الاتحاد السوفيتي، واتضح ذلك أكثر، في مقال كتبه بتاريخ 12 يونيو عام 1984، في صحيفة «الأخبار» بعنوان «الإسلام يتحدى الشيوعية والرأسمالية»


ووقف «الشعراوي» في مجلس الشعب يوم 20 مارس 1978، ودافع عن الرئيس «السادات» ضد المعارضة التي كانت تهاجمه، قائلًا: «لو كان لي من الأمر شيء، لحكمتُ لهذا الرجل الذي رفعنا تلك الرفعة، وانتشلنا مما كنا فيه إلى قمة»، وزاد على حديثه بالآية القرآنية «ألا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون».


قول «الشعراوي» أثار غضب عدد كبير من المعارضين، ورجال الدين، حيث وصف «السادات» بأنه شخص فوق السؤال، وأنه منزه بما يفعل عن «غوغاء المعارضة».


وانتقد «الشعراوي» مجانية التعليم، مستنكرًا تعليم الأغلبية بالجامعة في دولة مثل مصر، وهي من دول العالم الثالث.


وأضاف: «لو حسبنا ما تدفعه الأسرة على الدروس الخصوصية لأولادها لوجدناه يساوي عشرة أمثال ما كانت تتكلفه الدراسة يوم أن كانت بمصاريف، فدعونا من نفاق الجماهير ولنشرع في علاج مثل هذه القضايا بروح جديدة».


وفي حديث تليفزيوني في رمضان عام 1984، عرض «الشعراوي» تفسيره للآيات المتعلقة بالسماوات والأرض، ووصل إلى نتيجة مفادها أن «علوم الفضاء وتكنولوجيا الأقمار الصناعية كلها لا تساوي شيئًا، وإن الإنسان الذي اخترع ورق الكلينكس أو عود الكبريت أفاد البشرية بأكثر مما أفادها ذلك الذي اخترع صاروخًا يصل إلى القمر».


رأي «الشعراوي» أثار غضب المهتمين بالعلم، على رأسهم فؤاد زكريا، صاحب كتاب «التفكير العلمي»، والذي اتهم «الشيخ» باحتقار العلم والعقل البشري.