رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

السودان بين الاستقرار والتصعيد.. حسابات الداخل والخارج

جانب من مظاهرات إسقاط
جانب من مظاهرات إسقاط البشير


أعلن الجيش السوداني اقتلاع "رأس النظام" والتحفظ على الرئيس عمر البشير في مكان آمن. 

ومن بين عدة إجراءات أخرى، أعلن الجيش أيضا تشكيل مجلس عسكري برئاسة وزير الدفاع عوض بن عوف لقيادة البلاد لفترة انتقالية لمدة عامين.

لكن لا يبدو أن الأزمة السياسية في البلد الإفريقي، الكبير حجما والمهم استراتيجيا، لم تنته بعد، وسط مخاوف متزايدة من انزلاق البلاد إلى أتون الفوضى.

سقوط نظام أم انقلاب قصر

بعد أربعة أشهر من الاحتجاجات ضد تردى الأحوال الاقتصادية والمعيشية والفساد، سقط حكم البشير يوم الخميس، لكن لم يأت بيان القوات المسلحة السودانية على هوى المحتجين.

ورغم أن البيان تضمن ما يفيد وضع الرئيس الذي دام حكمه ٣٠ عاما تحت الإقامة الجبرية مع عدد من مساعديه، إلا أن البهجة التي سبقت لحظات إعلان البيان سرعان ما تحولت إلى عدم رضا ووجوم على وجوه المحتجين بعد معرفة خلفه.

فالرجل الذي قرأ البيان "عوض بن عوف" هو وزير الدفاع في حكومة البشير وقد اتهم مثله بتنفيذ جرائم حرب في دارفور.

وأعرب البيان عن الأسف لسقوط الشهداء والدعاء لهم بالرحمة والشفاء للجرحى، لكنه لم يتعهد بالقصاص لهم أو محاسبة المسؤولين، على الرغم من الاشتباه بتورط ميليشيات تابعة للبشير وأجهزة تابعة للدولة.

كما لم يشر البيان بأي شكل من الأشكال إلى محاكمة البشير نفسه، المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، عن فترة حكمه.

والأكثر من ذلك، أنه لم يأت متسقا مع توقعات الشارع السواني بأن الجيش سيساعد في تشكيل حكومة مدنية ويتشاور معهم بشأن الخريطة الانتقالية بشكل عام.

وبدلا من ذلك، فوجئ الثوار بفترة انتقالية طويلة لمدة عامين وحل الحكومة ومجالس الولايات وتعطيل العمل بالدستور وفرض قانون الطوارئ لمدة ٣ أشهر وحظر التجوال وغيرها من الإجراءات.

وكانت الإجراءات التي اتخذت أقل من توقعات المحتجين وتركت انطباعا لديهم بأن ما حدث هو "انقلاب وعملية إنتاج للنظام" كما جاء على لسان المتحدث باسم تجمع المهنيين المنظم للاحتجاجات.

وزاد البعض بأن الأمر لا يتجاوز كونه "عملية جراحية" تمت للحفاظ على جسم النظام من خلال التضحية برأسه.

احتمالات المواجهة
بشكل عام، يعتقد معظم السودانيين أن الانتقال يجب أن يتم عبر الجيش، خاصة في بلد مترام ومهم استراتيجيا مثل السودان تبدو أي فوضى تكلفتها باهظة.

واعتقل الجيش العشرات من الإسلاميين ومسئولي حزب المؤتمر الحاكم، الذين ينظر إليهم كمنافسين سياسيين محتملين، في خطوة استباقية لقيت ترحيبا لمنع حرب أهلية.

لكن تستمر التظاهرات وسط رفض البيان العسكري من قبل القوى السياسية، ويرى المنظمون والقوى السياسية الفترة الانتقالية طويلة جدا، ويريدون حكومة مدنية جامعة كمطلب أساسي من أجل تحقيق الديمقراطية.

ومع استمرار الضغوط على الجيش للاستجابة لتلك المطالب، وسط أحاديث عن تناحر داخل المؤسسة الأمنية، ومخاوف من حدوث انقسامات داخل المؤسسة العسكرية، أو بين الجيش والأمن، يصبح السودان أمام مفترق طرق حاسم.

وبين التطلع إلى الاستقرار وتجنب الفوضى، تتجه الأنظار إلى الحراك على الأرض باعتباره العامل الحاسم في تشكيل موقف المجلس العسكري وكذا الموقف الدولي.

وأكد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على ضرورة نقل السلطة إلى المدنيين وضرورة الوقوف مع المطالب الشعبية. 

وانتقد الاتحاد الإفريقي على لسان رئيس مفوضية موسى سيطرة الجيش بأنه " ليس الاستجابة المناسبة للتحديات التي يواجهها السودان وتلبية طموحات شعبه".

ويقف الاتحاد الإفريقي دوما ضد التغيير خارج الإطار الدستوري.

ووسط مشهد معقد، يرى المراقبون أن عبور السودان إلى بر الأمان يتوقف على مدى قدرة جميع الأطراف السودانية على بلورة حلول متوازنة للأزمة السياسية، تأخذ في الاعتبار معا مصالح الداخل وحسابات الخارج، عبر الحوار والتشاور.
حسابات الخارج.

ويتوقع أن تبقى حركات وسلوكيات القيادة العسكرية السودانية في الفترة القادمة محل متابعة خارجية عن كثب لمعرفة توجهاتها الحقيقية.

ومن أسماء المجلس الانتقالي وطريقة تعاملهم مع مطالب المتظاهرين وحسابات الدول الخارجية، سيتم ملء بطاقات هوياتهم وتصنيفهم سياسيا.

واكتنف الغموض هوية نظام البشير وسط تناقضات ميزت علاقاته وسنوات حكمه، ومنذ توليه السلطة عام ١٩٨٩ والاختلاف حول خلفيته وأيدولوجيته لم يحسم بعد. 

وما بين إخواني وانتهازي استخدم الخطاب الإسلامي لدعم سلطته تباين مصنفوه، ويبدو أن نفس الخلاف أيضا على الحكومة الانتقالية، وبينما يقول البعض إنها ليست حكومة إخوانية، يقول آخرون عكس ذلك.

وتلقى الإخوان المسلمون ضربات موجعة في السنوات الأخيرة في دول كثيرة، وترحب بهم حاليا دول محدودة، وفي الحالة السودانية، قد يصبح الدفاع عن السلطة أكثر شراسة في حال كان النظام إخوانيا، ولاسيما بعد سقوط الإخوان في مصر وتونس، وسط تباين في مواقف قوى إقليمية ودولية إزاءهم، وفقا لمحللين.