رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

سيناريوهات إسقاط «البشير» على طريقة مبارك

عمر البشير
عمر البشير


بعد ما يقرب من ثلاثين عاما من وصول الرئيس السوداني عمر البشير إلى السلطة، إثر انقلاب عسكري دعمه الجيش السوداني عام 1989، انتفض الشعب السوداني ضد توريث الحكم والاستبداد والفقر، ويشهد السودان احتجاجات شعبية عارمة على غرار ثورات الربيع العربي التي اندلعت منذ 8 سنوات في عدد من الدول العربية، ورفع المحتجون شعارات مستوحاة من ثورات الربيع العربي، مثل، «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«عيش- حرية- عدالة اجتماعية- كرامة إنسانية».


وفي الوقت الذي يجرى فيه «البشير» جولة خارجية، شملت مصر وقطر والكويت، للبحث عن الدعم السياسي والاقتصادي، في مواجهة الانتفاضة الشعبية التي يواجهها منذ أسابيع، نجد قيام رموز مصرية بارزة من تيارات فكرية وثقافية وسياسية مختلفة، بالتوقيع على نداء لدعم حراك الشعب السوداني وحقه في تحقيق مطالبه المشروعة من حرية وسلام وعدالة، تحت مسمى «نداء التضامن مع انتفاضة الشعب السوداني».


ودعا الموقعون على البيان، وعددهم 47 شخصًا، جميع القوى الشعبية والديموقراطية في مصر إلى التعبير عن تضامنها مع حركة الشعب السوداني.


ويقول خبراء ومحللون، إن الرئيس السوداني يبحث عن طوق النجاة، من خلال جولته الخارجية، رغم تزايد حدة المظاهرات والاحتجاجات، المطالبة بتنحيه عن السلطة، فقد أعلن الصادق المهدي أبرز زعيم معارض في السودان، أنه يؤيد “الحراك الشعبي” في البلاد مؤكدا أن نظام البشير “يجب أن يرحل”.


هذه الاحتجاجات الشعبية في السودان أثارت الكثير من الأسئلة حول مصير الرئيس السوداني، وإلى أي مدى سوف يؤثر رحيله على العلاقات المصرية السودانية، ومدى إمكانية انتقال هذه الاحتجاجات إلى دول عربية أخرى كما حدث في ثورات الربيع العربي، وما  مصير الإخوان في السودان بعد رحيل البشير، وكيف ستتأثر "الجماعة" في مصر ؟


قطر وتركيا من دعم الثورات إلى إجهاضها                    

الغريب أن قطر وتركيا اللتين دعمتا ثورات الربيع العربي، تحت شعارات حرية وحقوق الشعوب العربية، وعلى رأسها ثورة 25 يناير، هي نفسها التي تحاول إنقاذ «البشير»، وتقدم له الدعم المادي والسياسي لإجهاض الثورة، وقتل حلم الشعب في العيش والحرية والكرامة، لذلك كانت قطر هي المحطة الأولى من الجولة الخارجية لـ«الرئيس السوداني».


وأعلنت الحكومة السودانية، تلقيها مساعدات من ست دول، لتجاوز الأزمة التي تعيشها البلاد.


وبحسب وزير الدولة في وزارة الخارجية فإن الدول التي قدمت مساعدات للسودان مؤخرا هي: "قطر، والكويت، ومصر، وتركيا، والصين، وروسيا".


وليست المرة التي تحاول فيها قطر إنقاذ نظام عمر البشير، ففي شهر أكتوبر 2013، قالت مجلة "نيوستيتس مان" البريطانية، إن دولة قطر تحاول إنقاذ البشير، عبر تقديمها دعمًا ماليًا يساعده على تخطي المشاكل الاقتصادية التي ساهمت في تزايد حدة الاحتجاجات ضده.


البشير في القاهرة

وأثناء زيارته الأخيرة لمصر، اتهم البشير العديد من المنظمات بالعمل على زعزعة الأوضاع فى دول المنطقة، مشيرًا إلى وجود أطراف تهول مما يحدث فى السودان عن طريق وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعى، مشددًا على أنه لا يدعى عدم وجود مشكلة فى السودان، ولكن الأمور ليست كما يصورها الإعلام، مشيرًا إلى أن هناك محاولة لاستنساخ قضية الربيع العربى فى السودان بنفس الشعارات والبرامج والنداءات، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعى، مضيفا على أن الشعب السودانى شعب واعٍ وسيفوت الفرصة على المتربصين.


أوراق البشير لإفشال «المخطط»

منذ اندلاع المظاهرات في السودان في شهر ديسمبر 2018، بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار، وجه «البشير» الكثير من الاتهامات للمتظاهرين، الذين خرجوا للمطالبة بتحسين ظروفهم الاقتصادية، منها: التآمر والعمالة والخيانة.


كما لعب البشير على ورقة «اللاجئين وثورات الربيع العربي والشباب»، وأكد عدم السماح بتحويل الشعب السوداني للاجئين، وذكّر عمر البشير بأن شعوب "الربيع العربي" يعيش جزء كبير منهم الآن في السودان وأن أعداء الوطن يريدون تشتيت السودان وشعبه كما شتتوا شعوب اليمن وسوريا.


كما لعب البشير على ورقة «الابتزاز الاقتصادي والدين»، وقال إن السودان يتعرض، ودولا عربية، لمحاولات الابتزاز الاقتصادي والسياسي من الدول الكبرى، موضحا أن تلك الدول تسعى "لفرض التبعية على الشعوب والذات الوطنية وتركيع الأنظمة ودفعها تجاه تحقيق مصالحها في السيطرة على موارد الشعوب".


كما لعب الرئيس السوداني على ورقة «المخربين»، وتوعد بقطع أيادي من وصفهم بـ"المخربين"، كما هدد من وصفهم بالمتمردين والخونة أنه سيقوم "بجزهم".


ولم يفت البشير ورقة «المخابرات الأجنبية»، حيث قال الرئيس السوداني "لن نلعب بأمن بالبلاد مع ناس يدوهم (يعطوهم) تعليمات من مخابرات وسفارات".


ولم ينس الرئيس السوداني ورقة «التمويلات خارجية»، حيث اتهم المتظاهرين في بلاده بتلقي تمويلات من الخارج، وتعليمات من بعض السفارات الخارجية.


كما كانت ورقة «سوريا واليمن والعراق وليبيا» حاضرة في خطابات الرئيس السوداني، وقال إن بلاده تعرضت لمثل ما تعرضت له سوريا واليمن والعراق وليبيا واليمن ومصر وتونس.


كما لعب البشير بورقة «دغدغة العواطف»، عندما تطرق إلى معاناته كعامل صغير، وعلق: "كنت عاملا بسيطا في بداية حياتي وأثناء الإجازات المدرسية". وأوضح أنه لا يريد للجميع أن يمر بالمعاناة التي تعرض لها خلال مراحل حياته. وفي نهاية كلمته، وجه تحية إلى المرأة العاملة، مشيدا بالإنجازات التي حققتها.


البشير والإخوان

بعد اتهامه من جانب مصر بإيواء أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين الفارين من مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013، تبرأ الرئيس السوداني من الانتماء للإخوان، وقال في تصريحات لافتة وغير مسبوقة، إن علاقة بلاده بمصر جيدة جدًا على كل المستويات، مشيرًا إلى أن الإخوان في السودان ليسوا أعضاءً في التنظيم الدولي.


وأضاف البشير: "تجريم الإخوان شأن داخلي لأي دولة، لا يحق لنا التدخل فيها، وعلاقتي بالرئيس عبد الفتاح السيسى علاقة أخوة.. وعلاقتنا بمصر طبيعية جدًا على المستوى التجاري والثقافي، وليس لدينا علاقة تنظيمية مع جماعة الإخوان، ولا تؤثر علينا ولا نؤثر عليها".


إحياء جديد لثورات الربيع العربي

عن هذا الموضوع يقول الدكتور مختار غباشي خبير العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن هناك علاقة بين زيارة "البشير" لسوريا على طائرة روسية وبين الاحتجاجات الشعبية التي يشهدها السودان، لاسيما وأن هذه الزيارة نقلته من المحور التركي القطري إلى المحور الروسي الإيراني، وإن كان السبب الظاهر هو الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الشعب السوداني منذ فترة.


وأضاف «غباشي»، أن نجاح هذه المظاهرات فى إسقاط البشير يتوقف على قدرة الشارع السوداني، وكذلك على مدى قدرة الحكومة السودانية على مواجهة هذه الاحتجاجات والاستجابة لمطالب الشعب، مشيرا إلى أن تأييد الجيش السوداني للبشير يعني وقوفه بجانب السلطة الشرعية، لكن هذا الوقوف لن يصل إلى حد التصادم مع الشعب.


ولفت خبير العلاقات الدولية، إلى أن ما يحدث في السودان مختلف بعض الشيء عن ثورات الربيع العربي، رغم أن ثوار السودان يرفعون نفس الشعارات التي رفعها المحتجون في ثورات الربيع العربي، لكن ما يحدث هو إحياء جديد لثورات الربيع العربي، ويمكن أن ينتشر في دول عربية أخرى مثل مظاهرات السترات الصفراء في أوربا، رغم أن دول ثورات الربيع العربي تعيش واقع سياسي واقتصادي وأمني صعب، واصفا علاقة الرئيس السوداني بالإخوان بالكلام الإعلامي، مشيرا إلى أن مشاكل النظام السوداني مع مصر غير مرتبطة بالإخوان، لكنها مرتبطة بأمور سياسية وفنية وتقنية مثل حلايب وشلاتين، والدليل الزيارات المتكررة من الرئيس السوداني لمصر، والزيارات المتكررة من الرئيس عبد الفتاح السيسي للسودان، مؤكدا أن علاقة نظام البشير بقطر وتركيا قائمة على المصالح وليس على علاقة البشير بجماعة الإخوان المسلمين، منوها إلى أن العلاقات المصرية السودانية لن تتأثر كثيرا برحيل عمر البشير.


أيديهم على قلوبهم

ويقول الدكتور سعيد اللاوندي خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن ما يحدث في السودان له علاقة بما يحدث في الأردن وبعض دول العالم مثل فرنسا، وهو مرتبط بمشكلة الجياع وارتفاع الأسعار وتدني المرتبات وانخفاض القوة الشرائية، والأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم، مشيرا إلى أن الأمر في السودان يختلف بسبب محدودية الدخل وارتفاع الأسعار بشكل جنوني وانتشار الفقر والفساد.


وأضاف «اللاوندي»، أن نجاح الثورة السودانية سيكون له تأثير المنطقة العربية بأكملها ويمكن انتقالها إلى دول أخرى، مشيرا إلى أن مصر من أكثر الدول تأثرا مما يحدث في السودان بسبب تشابه الظروف الاقتصادية والعامل الجغرافي، لذلك يضع المسئولون في مصر أيديهم على قلوبهم مما يحدث في السودان، كما أن رحيل النظام السوداني سيكون له تأثير كبير جدا على العلاقات المصرية السودانية، لاسيما وأن توجه النظام السوداني الحالي هو توجه إسلامي محسوب على جماعة الإخوان المسلمين، وهذا يختلف تماما عن توجه النظام المصري، الذي يعتبر الإخوان جماعة إرهابية.


وتابع: كما أن النظام السوداني كان منحازا لصالح إثيوبيا في موضوع مياه النيل، مؤكدا أن رحيل البشير سيكون له تأثير مباشر على علاقة السودان مع كل من قطر وتركيا، كما سيكون له تأثير على تيار الإخوان المسلمين في كل من السودان ومصر، لاسيما وأن النظام القادم لن تكون له علاقة بالإخوان المسلمين.


الخيانة والعمالة والتآمر

من جانبه يقول الدكتور كمال مغيث الخبير والباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية، وأحد الموقعين على بيان «دعم الثورة السودانية»، إن ما يحدث في السودان هو ثورة شعبية، مثل ثورة 25 يناير، مطالبا السودانيين بالاستفادة من الأخطاء التي وقعت فيها الثورة المصرية، والتي أدت إلى وصول الإسلاميين للسلطة، مستنكرا ما قاله الرئيس السوداني، من أن ثورات الربيع العربي هي التي أدت إلى دمار الدول العربية، قائلا: «ثورات الربيع العربي كانت أحلام من أجل الحرية والعدل والكرامة الإنسانية».


وأشار إلى أن الحكام العرب هم السبب في الكوارث التي يعاني منها العالم العربي، لأن كل رئيس يأتي يريد أن يبقى في الحكم مدى الحياة، ويعمل على تجريف الحياة السياسية، بحيث لم يبقى إلا الإسلام السياسي، لافتا إلى أن الاتهامات التي يوجهها الرئيس السوداني للمتظاهرين، مثل الخيانة والعمالة والتآمر، اتهامات مكررة، وجهها الحكام العرب السابقين الذين قامت عليهم ثورات الربيع العربي للمتظاهرين، مستبعدا أي تأثير لجولة البشير الخارجية على ما يحدث في الداخل السوداني، متهما نظام البشير بالفساد والاستبداد وتقسيم السودان وإفقار الشعب السوداني، مؤكدا أن الثورة السودانية ستنجح، وسيتم خلع البشير ومحاكمته.