رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

عيد الشرطة.. أم ثورة يناير؟!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

صباح الأربعاء الماضى، كان هناك أكثر من عشرين رئيس تحرير وكاتبا صحفيا فى إحدى قاعات الاستقبال بمقر أكاديمية الشرطة فى القاهرة الجديدة. كانوا مدعوين لحضور الاحتفال السنوى رقم ٦٧ بعيد الشرطة، الذى حضره رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى ووزير الداخلية اللواء محمود توفيق، وكبار المسئولين فى الدولة.
أحد لواءات الشرطة دخل للسلام على الحاضرين. زميل سأله مازحا: «هل نحن نحتفل اليوم بعيد الشرطة أم بعيد ثورة يناير؟!».
السؤال فعلا كان مازحا، ولذلك فإن اللواء ابتسم ولم يجب.
ورغم هذا المزاح، فإن السؤال يتردد فى أماكن كثيرة، ويثير حيرة بعض الناس هنا وهناك. هو سؤال مطروح منذ فترة، خصوصا من أصحاب الاستقطاب والثنائيات المتناقضة، وبعض جمهور الترسو!!
فى تقديرى المتواضع أن الإصرار على صيغة «إما.. أو» ستؤدى إلى مزيد من الاستقطاب، وبالتالى فالأفضل أن نبحث عن أكبر قدر من التوافق، لكى ننطلق للأمام، ولا نظل متعلقين بأسئلة جدلية سيحسمها التاريخ.
فى السطور التالية سأطرح وجهة نظرى فى هذه الثنائية الممقوتة.
لماذا لا نحتفل بالحدثين معا؟! ولماذا لا نبحث عن أفضل الموجود هنا وهناك، ولماذا الإصرار على صيغة الأهلى أم الزمالك؟!
هذا السؤال كان يمكن أن يكون مقبولا فى الأيام والأسابيع والشهور الأولى من ثورة يناير، لكن استمرار طرحه، بنفس الصيغة حتى الان، يعنى أن عقليتنا ما تزال تعشق المعارك الدونكيشوتية، أو «طواحين الهواء».
نحتفل فى ٢٥ يناير بعيد الشرطة، حتى نحيى التضحيات العظيمة لضباط وصف وجنود الشرطة الذين تصدوا ببسالة لجنود الاحتلال الإنجليزى، فى مثل هذا اليوم من عام ١٩٥٢، واستشهد منهم العشرات، دفاعا عن الكرامة المصرية. نحتفل بقيمة التضحية والشهادة دفاعا عن الاستقلال وعدم قبول التبعية والاحتلال.
حينما نحتفل بعيد الشرطة، فنحن نحتفل بكل جندى أو ضابط أو أمين شرطة يمارس عمله بما يرضى الله والقانون، بحيث يوفرون لنا الأمن والأمان.
نحتفل بعيد الشرطة لنحيى كل شهيد قدم روحه، خصوصا فى سيناء، حتى لا تتمكن قوى الشر والظلام من تغيير نمط حياتنا.
فى نفس اليوم، ينبغى أن نحتفل بذكرى ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١. نحتفل بمحاولة غالبية المصريين، الذين حلموا بدولة القانون العصرية المدنية، التى ترفع شعار «عيش ــ حرية ــ عدالة اجتماعية».
هذه الثورة النبيلة، كانت تعبيرا عن آمال وأشواق غالبية المصريين فى حياة عصرية محترمة. ثورة ساندها الجيش المصرى وحماها، حتى نجحت جزئيا.
هذه الثورة أيضا اعترضت واحتجت على ممارسات سلبية، ارتكبتها مجموعة داخل وزارة الداخلية، وهى سلبيات لا ينبغى لأى شخص أن يدافع عنها تحت أى مسمى.
من يعترض على كلامى السابق، عليه أن يقرأ بإمعان ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكاديمية الشرطة ظهر الأربعاء الماضى، حيث قال نصا: «إن ثورة يناير، عبرت عن تطلع المصريين لبناء مستقبل جديد لهذا الوطن، ينعم فيه جميع أبناء الشعب بحياة كريمة».
سيسأل البعض ويعترض قائلا: لكن جماعة الإخوان وسائر القوى المتطرفة، استولت وهيمنت وسرقت الثورة؟!
نعم هذا صحيح تماما من وجهة نظرى.. لكن لماذا لا نكمل السؤال إلى نهايته، وهو: ما الذى سمح لهؤلاء المتطرفين بأن يسرقوا الثورة النبيلة، ويحولوها إلى كابوس كاد أن يغير هوية مصر، أو يغرقها فى صراع أهلى وبدعم اجنبى، كما حدث فى العراق وسوريا واليمن وليبيا؟!
الإجابة هى أن غالبية سياسات عهد مبارك، حاصرت الأحزاب والقوى الأهلية والمدنية، وتركت الأرض ممهدة فقط أمام المتطرفين، فحصلوا على الأغلبية بصناديق الانتخابات.
الحمد لله أن ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، صححت هذا الخطأ الكارثى. لكن يظل الدرس قائما وهو: كيف نمنع عودة المتطرفين مرة أخرى بالسياسة، وليس فقط بالإجراءات الأمنية فقط؟
علينا أن نتصالح مع أنفسنا، وأن نتوقف عن هذا الاستقطاب الكارثى، ونبحث عما يجعلنا نتقدم للأمام. علينا أن نفخر بما فعلته الشرطة دفاعا عن الشعب فى 1952 وفى أى وقت، وأن نرفض ونستنكر فى الوقت نفسه أى ممارسات سلبية داخلها. علينا أن نفخر بالشباب البرىء الذى بحث عن الدولة العصرية فى ٢٥ يناير، وأن نتعلم أن الفراغ والشلل والموات السياسى، هو الذى يغرى المتطرفين دائما بالعودة من الشباك بعد أن طردهم الشعب من الباب!

نقلًا عن "الشروق"