رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

سر إصرار الغرب على «حشر مناخيره» في شئون الدول العربية

الحروب في الدول العربية
الحروب في الدول العربية - أرشيفية


ترفع الدول العربية الآن شعار «لا للتدخلات الخارجية في شئوننا»، خاصة بعد الأزمة الدبلوماسية الأخيرة التي نشبت بين السعودية وكندا، بسبب انتقاد الأخيرة لأوضاع حقوق الإنسان في المملكة، ومطالبة الرياض بالإفراج الفورى عن المعتقلين السياسيين، وما اتخذته المملكة من إجراءات عقابية غير مسبوقة على كندا، والتي وصلت إلى حد طرد السفير الكندي من السعودية وسحب السفير السعودى من أوتاوا، وتصفية كل العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين.

هذا الموقف السعودي المتشدد وغير المسبوق في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، وتأكيد الدول العربية في قممها العربية على رفض التدخل الخارجي في شئون الدول العربية، أثار الكثير من علامات الاستفهام في ظل ما يحدث في الدول العربية، كما طرح الكثير من الأسئلة مثل:


هل انتقاد أوضاع حقوق الإنسان في الدول العربية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية والمنظمات الدولية يعتبر تدخلا في شئونها الداخلية وانتهاكا لسيادتها، وماذا يسمى ما يحدث من تدخلات من قبل الدول الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها ومن قبل الدول الإقليمية مثل تركيا وإيران وإسرائيل في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وهل القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في الدول العربية تعتبر تدخلا في الشئون الخارجية وانتهاكًا للسيادة، وهل تدخل دولة عربية في الشئون الداخلية لدولة عربية أخرى يعتبر تدخلا في الشئون الداخلية لتلك الدولة، فمثلا هل تدخل الإمارات والسعودية والتحالف العربي في اليمن يعتبر تدخلا في شئون اليمن الداخلية وانتهاكا لسيادتها.


ومن الأسئلة الأخرى: هل دعم السعودية والإمارات لمصر في ثورة 30 يونيو وإسقاط حكم جماعة الإخوان يعتبر تدخلا في الشئون الداخلية لمصر، وهل التدخل الخليجي في الأزمة السورية يعتبر تدخلا في الشأن السوري الداخلي، وهل تدخل الإمارات وقطر وبعض الدول العربية في الأزمة الليبية ودعم بعض الأطراف هناك يعتبر تدخلا في الشأن الليبي الداخلي، وهل ما تقوم به إيران في المنطقة يعتبر تدخلا في الشئون الداخلية للدول العربية، وهل ما تقوم به إسرائيل في فلسطين وسوريا ولبنان وغيرها يعتبر تدخلا في الشئون الداخلية للدول العربية، وهل هناك فرق بين التدخلات السياسية والدبلوماسية والتدخلات العسكرية، وما الفرق بين التدخل المشروع والتدخل غير المشروع؟.  


في بحث تحت عنوان «مفهوم التدخل الدولي وصوره ومدى مشروعيته»، للمؤلف موسى سليمان موسى، تحدث فيه عن مفهوم التدخل الخارجي ومدى مشروعيته.


وأورد الباحث عدة تعريفات للتدخل الخارجي، منها تعريف الدكتور محمد طلعت الغنيمي من الفقه المصري الذى عرف التدخل الخارجي، بأنه  تعرض دولة لشئون دولة أخرى بطريقة استبدادية بقصد الإبقاء على الأمور الراهنة للأشياء أو تغييرها، ومثل هذا التدخل قد يحصل بحق أو بدون حق، ولكنه - في كافة الحالات- يمس الاستقلال الخارجي أو السيادة الإقليمية للدولة المعنية ولذلك فإنه يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للوضع الدولي للدولة.


وعن أشكال التدخل قال إن الفقهاء يقسمون التدخل إلى أشكال متعددة، فالدكتور على صادق أبو هيف يقسم التدخل إلى السياسي والعسكري والفردي والجماعي والصريح والمباشر، التدخل السياسي هو ذلك التدخل الذي يحصل بطريق رسمي وبصفة علنية، أو بطريق غير رسمي ودون علانية، ويكون التدخل بطلب كتابي أو شفوي من الدولة المتدخلة الذي قد يتحول إلى تدخل عسكري أو التهديد به إذا لم تجب الدولة المتدخل في أمرها لطلبات الدولة المتدخلة.



ويقول الدكتور حازم عتلم، أستاذ القانون الدولي بجامعة عين شمس، إن هناك قضايا داخلية يجوز للدول التدخل فيها ولا تعتبر تدخلا في شئون الدول الأخرى أو انتهاكا لسيادتها، ولكن التدخل يكون بالطرق السلمية وليس بالقوة العسكرية كما يحدث في سوريا، مثل أوضاع حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات، والديمقراطية، وعدم الاعتداء على دولة أخرى، وتهديد السلم والأمن الدوليين، كلها مسائل من حق الدول الأخرى والمنظمات الدولية التدخل فيها، ولكن بالطرق السلمية، ولا تعتبر تدخلا في الشئون الداخلية.


وأضاف «عتلم» أن الشئون الداخلية هي الشئون التي لم يتم تنظيمها في القوانين الدولية، مثل شكل نظام الحكم، فمن حق أي دولة أن تختار نظام الحكم الذي يناسبها، ولا يجوز فرضه عليها من قبل أي دولة أو منظمة أخرى، كما من حقها أن تختار تطبيق النظام الاقتصادي الذي يناسبها دون أي تدخل خارجي، مع وجود بعض القيود التي تخضع للقانون الدولي مثل فرض الجمارك، لأن هناك اتفاقيات دولية تنظيم هذه المسائل منها اتفاقية الجات، لافتا إلى أن الأمر في دول العالم الثالث ملتبس، فكل شيء يعتبرونه تدخلا في الشئون الداخلية.


وأضاف«عتلم»، إذا قامت دولة بانتهاك التزاماتها الدولية، فالتدخل في شئونها الداخلية مشروع، ولكن بالوسائل السلمية، مثل قطع العلاقات الدبلوماسية معها، أو عدم التعاون معها في المجالات الاقتصادية، أو يتم سحب السفير منها وطرد سفرائها، لكن لا يجوز أن تشن دولة حرب على دولة أخرى بسبب انتهاكها لالتزاماتها الدولية، مؤكدا أن التدخل الأجنبي في سوريا بذريعة انتهاك حقوق الإنسان غير مشروع، مشيرا إلى أن بعض الدول العربية هي التي فتحت الباب أمام التدخل الأجنبي في سوريا.


ولفت «عتلم» إلى أن التدخل الروسي والإيراني في سوريا مشروع لأنه جاء بطلب من السلطة الشرعية، وجاء من أجل دعم ومساندة النظام القائم، الذي جاء للحكم بطرق شرعية مثل الانتخابات، موضحا أن أي دولة مثلا تتدخل من أجل إعادة نظام الرئيس المعزول محمد مرسي يعد تدخلًا غير مشروع، وأي دولة تتدخل لدعم النظام القائم برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي فتدخلها مشروع، مؤكدا أن أي مساعدة عسكرية لمجموعة من المتمردين لقلب نظام حكم قائم يعتبر تدخلا سافرا في شئون الدولة، مشددا على أن كل تدخلات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة غير مشروعة، حتى لو كانت بتفويض من مجلس الأمن الدولي.


ويضيف الدكتور عبد الله الأشعل، أستاذ العلاقات الدولية، أن موضوع الشئون الداخلية موضوع متطور، بمعنى أن ما كان يعتبر شأنا داخليا عام 1950، لا يعتبر كذلك اليوم، مشيرا إلى أن قضايا حقوق الإنسان أصبحت كلها شأنا دوليا، وبالتالي لا يجوز لأي دولة أن تدعي أن حقوق الإنسان شأن داخلي اليوم، ولا يوجد في القانون الدولي ما يمنع أي دولة من أن تهتم بأوضاع حقوق الإنسان في دول أخرى.


وقال «الأشعل»، إن قضية حقوق الإنسان صنعت خصيصا بعد الحرب العالمية الثانية من أجل أن تستخدم ذريعة من جانب الدول الكبرى للتدخل في شئون الدول الصغرى، وتحقيق مصالح الدول الكبرى في العالم، وأصبحت أداة في العلاقات الدولية من أجل تأثير الدول الكبرى على الدول الصغرى، وإظهار المجتمعات الغربية أكثر إنسانية من المجتمعات الشرقية، وبالتالي هناك طابع سياسي كبير جدا في الموضوع.


وأشار إلى أن هناك نصوصًا في القانون الدولي تمنع التدخل في الشئون الداخلية للدول، ولكن كلمة الشئون الداخلية مرنة ويجب أن يتم بحثها وتطويرها باستمرار، لافتا إلى ان الانتهاكات الشديدة لحقوق الإنسان تجعل التدخل الخارجي من جانب الدول والمنظمات الدولية أمرا ضروريا، لكن الدول الكبرى في أحيانا كثيرة تغض الطرف عن مثل هذه الانتهاكات من أجل الحفاظ على مصالحها، وبالتالي الظروف السياسية هي التي تحدد حدود التدخل وليس القضايا الإنسانية، منوها إلى أن الدول الكبرى تستخدم بعض الجمل والعبارات الفضفاضة مثل «تهديد الأمن والسلم الدوليين» لاحتلال الدول الأخرى، مثلما حدث من الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان والآن مع إيران وكوريا الشمالية، في الوقت الذي تحتفظ فيه بعلاقات ممتازة مع أنظمة تنتهك أوضاع حقوق الإنسان ليل نهار، لأنها تحقق لها مصالحها.


وأكد أن تدخل الدول العربية في شئون بعضها لا يتم إلا بضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية.