رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الأسئلة «الممنوعة» فى قضية إطلاق «اللحية»

الضباط الملتحون -
الضباط الملتحون - أرشيفية


شهدت الفترة الماضية جدلًا كبيرًا؛ بعد حكم المحكمة الإدارية العليا، القاضي بعودة ضباط الشرطة «الملتحين» للخِدمة الفعلية العاملة بهيئة الشُّرطة، بذات أقدميتهم السابقة، مثلما كانوا بين أقرانهم، وإلغاء قرار وزير الداخلية بعزلهم من وظيفتهم.

ولم يكن هذا الحكم هو الأول لصالح «الضباط الملتحين»؛ ففي عام 2013 قضت المحكمة بأحقية الضابط الملتحي في العودة إلى عمله، وعدم جواز نقله للاحتياط أو وقفه عن العمل، واعتبرت وجوده في جهاز الشرطة لا يمثل خطرًا على الجهاز، ولا يؤثر في كفاءة عمله.

بدورها، تفتح «النبأ» ملف «اللحية» الطويلة أو الكثيفة، بعد أن صارت «موضة» لدى الكثير من الشباب ونجوم الفن والرياضة والمشاهير، وتحاول الإجابة على الأسئلة التالية:

السؤال الأول: ما الحكم الشرعي في موضوع إطلاق اللحية؟

السؤال الثاني: لماذا أصبح المجتمع ينظر لأصحاب اللحية بتوجس وعدم ثقة، ولماذا أصبحت اللحية سيئة السمعة في مصر والكثير من دول العالم؟

السؤال الثالث: هل بالفعل هؤلاء يمثلون خطرًا على المجتمع وعلى الأمن القومي المصري؟

السؤال الرابع: أليس إطلاق اللحية حقًا من حقوق الإنسان، كفله الدستور والقانون، ويدخل في إطار الحرية الشخصية للفرد؟

السؤال الخامس: هل من حق مؤسسات الدولة حظر اللحية إذا كان ذلك يدخل في إطار الأمن القومي للدولة؟

السؤال السادس: هل اللحية أصبحت رمزا للتطرف والتشدد والإرهاب كما يعتقد البعض؟

الرأي الشرعي
وأبدت دار الإفتاء المصرية الحكم الشرعي في موضوع «اللحية»، من خلال الفتوى رقم 2316 بتاريخ 03-06-2012، على موقع دار الإفتاء المصرية، بعنوان: «إطلاق اللحية وحكم الوجوب فيها»، ردًا على سؤال: «ما حكم إطلاق اللحية وحكم الوجوب فيها؟»، وأجاب عن هذا السؤال فضيلة الدكتور على جمعة محمد، حيث قال: من المقرر شرعًا أن إعفاء اللحية مأثورٌ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان يهذبها ويأخذ من أطرافها وأعلاها بما يحسنها بحيث تكون متناسبة مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة، كما كان صلى الله عليه وآله وسلم يعتني بتنظيفها بغسلها بالماء وتخليلها وتمشيطها، وقد تابع الصحابة رضوان الله عليهم الرسول عليه الصلاة والسلام فيما كان يفعله وما يختاره، وقد وردت أحاديث نبوية شريفة ترغب في الإبقاء على اللحية والعناية بنظافتها، ومنها ما رواه البخاري ومسلم - واللفظ له - عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ؛ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى».

وروى مسلم أيضًا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ» أي: الاستنجاء، قال مصعب -أحد رواة الحديث-: "وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ".

واختلف الفقهاء في حكم إطلاق اللحية للرجال قديمًا وحديثًا؛ بناءً على اختلافهم في المراد من الأمر النبوي في هذه الأحاديث: فذهب فريقٌ مِن الفقهاء؛ إلى حمل الأمرِ في هذه الأحاديث على الوجوب؛ بناءً على أن الأصل في الأمر الوجوب، ولأن الأمر معلَّل بمخالفة المشركين، والتشبه بهم حرام؛ لما رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» رواه أبو داود وغيره، وذلك على اختلافٍ بينهم في تفصيل ذلك.

بينما ذهب الفريق الآخر مِن العلماء إلى أن الأمر في هذه الأحاديث ليس للإيجاب، بل هو إما للإرشاد وإما للاستحباب؛ وعليه فلا يكون هناك إثمٌ في حلق اللحية، وهو مذهب أكثر العلماء كما يقول العلامة محمد رشيد رضا.

والحق الذي ترشد إليه السنة الشريفة وآداب الإسلام في الجملة أن أمر الملبس والمأكل وهيئة الإنسان الشخصية لا تدخل في العبادات التي يجب على المسلم وجوبًا شرعيًّا الالتزامُ بما ورد في شأنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، بل للمسلم أن يتبع فيها ما تستحسنه بيئته ويألفه الناس ويعتادونه، ما لم يخالف نصًّا أو حكمًا غير مختلف فيه، وإعفاء اللحية أو حلقها من الأمور المختلف على حكم الأمر الوارد فيها بالإعفاء على ما تقدم.

أما الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق، فقال عن اللحية: «من المسائل الفقهية الفرعيَّة، موضوع اللحية، حيث تَكاثر الخلاف حولها بين الإعْفاء والحلْق، حتى اتَّخذ بعض الناس إعفاء اللحية شعارًا يُعرف به المؤمن من غيره».

وأضاف: «والحق أن الفقهاء اتفقوا على أن إعفاء اللحية، وعدم حلْقها مأثور عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد كانت له لِحيةٌ يُعنَى بتنظيفها وتخليلها، وتمشيطها، وتهذيبها لتكون متناسبة مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة، وقد تابع الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما كان يفعله وما يختاره».

وتابع: «وقد وردت أحاديثُ نبوية شريفة تُرغِّب في الإبقاء على اللحية، والعناية بنظافتها، وعدم حلْقها، كالأحاديث المُرغِّبة في السواك، وقصِّ الأظافر، واستنشاق الماء».

وانتهى إلى القول: «لمَّا كان ذلك كان القول بأن إعفاء اللحية أمر مَرغوب فيه، وأنه من سُنَن الإسلام التي ينبغي المحافظة عليها مقبولًا، وكان مَن أعفَى لحْيته مُثابًا، ويُؤجَر على ذلك، ومَن حلَقها، فقد فعل مَكروهًا، لا يأثَمُ بفِعله هذا اعتبارًا لأدلة هذا الفريق».

ويقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ معقبا على اختلاف الفقهاء في هذه المسألة: «هذه هي الآراء ولكل مسلم أن يختار منها ما يطمئن إليه قلبه، وإن كنت أرى أن أدلة الطلب قوية وأن القول بالوجوب هو قول جمهور الفقهاء فهو أرجح، وعليه فمن أعفى لحيته يطمئن إلى ثوابه، ومن حلقها لا يجزم بعقابه». 

ويقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق: «تكلم الفقهاء على حلْق اللحى، فرأى بعضهم أنه مُحرَّم، ورأى آخرون أنه مكروه، ومنهم من شدَّد فوصفه بأنه من المنكرات، وبأنه سَفَهٌ وضلالة أو فِسْقٌ وجهالة، ونحن لا نشكُّ في أن إبقاءها وعدم حلْقها كان شأن النبي ـ صلى الله عليه».

وانتهى إلى القول: «والحقُّ أن أمر اللباس والهيئات الشخصية ومنها حلْق اللحية من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة؛ فمَن درجت بيئته على استحسان شيء منها كان عليه أن يُساير بيئته، وكان خُروجه عمَّا ألِفَ الناس فيها شذوذًا عن البيئة».

نجوم الرياضة
إطلاق «اللحية» لم يعد قاصرًا على المتدينين فقط؛ لكنه تحول إلى «موضة» عند الكثير من نجوم الرياضة والفن، وقلدهم في ذلك الكثير من الشباب.

فاللاعب محمد صلاح نجم مصر ونادي ليفربول الإنجليزي من أشهر نجوم كرة القدم المصريين والعرب الذي أطلقوا لحيتهم الفترة الماضية، وكتبت فيها مقالات في الصحف المصرية.

ومن المقالات التي أثارت جدلا كبيرا عن لحية محمد صلاح، مقال للكاتب الكبير صلاح منتصر في جريدة الأهرام  – والذي قال إنه خاص بالكاتب محمد بركات -، حيث طالب فيه محمد صلاح بحلق لحيته قائلا: «لم يعد محمد صلاح مجرد لاعب كرة، لكنه أصبح نجما تتابع الملايين أخباره، وهى نجومية لها تبعاتها التى تبدأ بضرورة أن يحافظ على موهبته وصحته وضرورة حاجته إلى «نيولوك» يتغير به شكله أمام محبيه، فهو يجب أولا أن يحلق لحيته الكثيفة التى لا تتناسب مع سنه أو نجوميته، والتى تكاد تضعه ـ من حيث الشكل على الأقل ـ فى سلة واحدة مع المتطرفين المتزمتين إن لم تضعه مع الإرهابيين أو المتعاطفين معهم على الأقل. وبعد هذا فإن عليه أن يعيد النظر تماما فى تسريحة شعره الكثيف الذى يبدو مهوشا ومنفوشا وكأن الحلاق لم يعرف طريق شعره منذ سنوات».  

وأثارت هذه المقالة الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والشعبية، كما أثار المقال غضب بعض جمهور اللاعب، واعتبروه إهانة لنجمهم ومحاولة لتشبيه "صلاح" بالمتطرفين.​  

ورد عليها الدكتور أسامة الغزالى حرب بمقال في جريدة الأهرام تحت عنوان: «لحية محمد صلاح!»، قال فيه: «إن مقال الأستاذ صلاح منتصر وفقا لما أكدته أسوشيتد برس أثار انتقادات كثيرة أتفهمها، فنسبة كبيرة من تلك الانتقادات تلخصت فى مبدأ احترام الحرية الشخصية، أى ضرورة احترام حرية محمد صلاح فى اختيار الشكل الذى يريده لنفسه، ولاشك أن الانتصار لمبدأ الحرية الشخصية هو أمر طيب للغاية، وبالذات عندما يصدر عن رأى جماهيرى عام. غير أن الملحوظة الأهم على نصائح الأستاذ صلاح منتصر لمحمد صلاح هى الربط بين اللحية وشبهة الانتماء للإخوان المسلمين، خاصة فى السياق الأوروبى الذى يلعب فيه صلاح، صحيح أن كثيرا من قيادات وأعضاء الإخوان يطلقون لحاهم، ولكن ليس لذلك أى دلالة إخوانية! واللحية ليست مقصورة على رجال الدين، فضلا عن أنها تكاد تصبح اليوم وكأنها «موضة» للكثير من الشباب! وما الرأى فى لحية كارل ماركس، ولحية تشارلز داروين، ولحية سيجموند فرويد......وكذلك لحى كثيرة لنجوم السينما الكبار مثل راينر ويس، وبارى باريش اللذين حصلا على جوائز الأوسكار فى العام الماضى (2017). 

وفى النهاية، لا شك أن محمد صلاح كسب حب واحترام الملايين من مشجعى وعشاق كرة القدم فى أوروبا وفى العالم كله ليس فقط لحرفيته ومهارته، وإنما أيضا لسلوكه الراقى المشرف، وذلك هو المهم!».

كما رد عليه محمد الدسوقي رشدي بمقال في جريدة اليوم السابع، تحت عنوان: «أستاذ صلاح سيب صلاح فى حاله»، قال في نهايته: «عموما يبدو الأستاذ صلاح منتصر حسن النية بكل تأكيد، ولكنه بما كتبه ضرب معول هدم فى بناء محمد صلاح الضخم الذى نجح ولأول مرة منذ بدء لعبة الإرهاب أن يصدر للعالم صورة شاب مسلم ناجح يحبه الصغار قبل الكبار، ولا يرى أحد فى لحيته سببا للخوف أو حجة لاتهامه بالإرهاب، بل على العكس تماما دفعتهم محبتهم لصلاح لأن يتغنوا بمصر والعرب والفراعنة والإسلام».

كما رد الكاتب محمد بركات على الجدل الذي ثار حول هذا المقال، وقال في نهاية رده: «والخلاصة أنني أريد مصر المتحررة من اللحى، ومن النقاب، مصر المتحضرة.. مصر الشعر والأدب.. مصر الثقافة.. أما مصر هذه التى يردعنا فيها ذوو اللحى والذقون والجلابيب القصار فأنا لا أعرفها ولا أحبها ولا أريدها.. نعم إننى أريد مصر الشعر والأدب والفن والعلم والرياضة.. مصر الأزهر والكنيسة.. مصر نجيب محفوظ ومجدى يعقوب وفاروق الباز وأحمد زويل.. مصر عبد الفتاح السيسى ومحمد صلاح..فهل من مكابر؟».

ومن أشهر نجوم الرياضة أصحاب اللحي الطويلة، جيرارد بيكيه، نجم برشلونة الإسباني، والذي قال، إنه يتفاءل بشدة عندما يطلق لحيته، ودانيللي دي روسي لاعب وسط روما الإيطالي بلحيته الصفراء، وتيري هنري النجم الفرنسي ونجم الأرسنال الإنكليزي السابق، تيم هاوارد حارس المرمى الأمريكي ولاعب نادي “إيفرتون” الإنكليزي، النجم البرتغالي راؤول ميراليس لاعب نادي فناربخشة التركي والإيسلندي أسجير بوركير لاعب نادي جايس السويدي، وليون ميسي نجم برشلونة الإسباني ومنتخب الارجنتين.

أما أشهر نجوم الرياضة في مصر الذين يطلقون لحاهم فهم، مجدي عبد الغني، باسم مرسي لاعب نادي الزمالك، عبد الله السعيد، اللاعب حمادة السيد، حسام غالي، حارس المرمى على فرج، وغيرهم.

نجوم الفن
والكثير من نجون الفن والمشاهير يطلقون لحاهم، فهم يرون أنها تجعلهم أكثر وسامة وجاذبية ووقارًا، ومن أشهر نجوم الفن الذي أطلقوا لحاهم في مصر، المطرب والفنان تامر حسني، المطرب الكبير سمير الإسكندراني، الفنان حسن يوسف، الفنان محسن محي الدين، الفنان توفيق عبد الحميد، الفنان نبيل الحلفاوي، الفنان سامح الصريطي، محمد رمضان.   

اليوم العالمي للذقن
الذي لا يعرفه الكثيرون هو أن هناك يومًا عالميًا للذقن، يتم الاحتفال به السبت الأول من سبتمبر كل عام. 

وذكر «الموقع الخاص بيوم اللحية العالمى»، الأصل التاريخي للاحتفال بهذا اليوم، وقال: «وفى العصر الحالى يتم الاحتفال بهذا اليوم بهدف الاحتفاء باللحية التى كانت قديمًا رمزًا للرجولة وتشير إلى الحكمة والقوة والمكانة الاجتماعية العالية، ويعتبرها البعض دليلًا على القدرة الجنسية».

لحية الجماعات الإسلامية
ويختلف شكل الذقن أو اللحية من جماعة إلى أخرى، فذقن المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، تتسم بذقن قصيرة مشذبة ومتساوية ويصاحبها شارب بنفس طولها أو بمستوى أقصر قليلًا، أما ذقن السلفيين والجهاديين فيتسمون بذقن طويلة للغاية يصعب تشذيبها وتسويتها، وعادة ما يطلقونها بدون شارب تطبيقًا لسنة الرسول الكريم، أما الجماعات الباكستانية فلهم لحية شديدة السواد وعادة ما تكون قصيرة وبدون شارب.

عن هذا الموضوع يقول اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز أمن الدولة الأسبق، حكم عودة الضباط الملتحين يدل على أن هناك ثغرة في القانون يجب سدها، ويجب معرفة تصرفات هؤلاء الضباط التي يمكن على أساسها اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة حيالهم، ولابد من معرفة المخالفات التي يرتكبونها، ولابد من إدارة حوار فقهي معهم لتصحيح مفاهيمهم، ومعرفة من قام بتجنيدهم، مؤكدًا أن هؤلاء لا يمثلون أي خطر على الأمن القومي المصري كما يزعم البعض.

ويقول الشيخ على أبو الحسن، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بـ«الأزهر الشريف»، إن اللحية كانت موجودة وتمثل سمة من سمات الرجال قبل الإسلام ومن بدء الخليقة، وكانوا يعتبرونها جزءًا من جمال الرجل، وصورة من صور الجمال، لهذا أيدها الإسلام، وتقول السيدة عائشة رضى الله عنها: «سبحان من زين الرجال باللحية»، وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبرت سنة من سنن الفطرة، ولم ينزل أمر من الله بتحريمها أو إلغائها،.

وتابع «أبو الحسن»: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول «اعفوا اللحية وحفوا الشارب، وخالفوا سنة اليهود»، وبالتالي أعدها من سنن المخالفة، وسنن المخالفة وعدم التشبه بالآخرين في الإسلام كثيرة، من أجل التمسك بشخصية وسمات المسلم، ومن هنا قال بعض الفقهاء إنها واجبة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رضيها، وبعضهم قال إن الأمر فيها إرشادي فقط، لتمييز الرجال عن النساء، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال»، وبالتالي اللحية أصبحت ميزة من ميزات الرجال، ولكن حينما احتكم الفقهاء بشأنها، قال بعضهم إنها كلحية عمر بن الخطاب، كان يمسك بأربعة أصابع يده منها ويقص الباقي، والإمام مالك قال إنها قدر ما يمسك بالأنمل أو طرف الإصبع، والمحرم أن تحلق بالموس، وهذا ما وافق عليه الفقهاء أخيرا، وبعض الفقهاء قال: «إن طالت حتى اغتر بها صاحبها أصبحت مكروهة»، وإذا أراد الشخص أن يتشبه بالصالحين والرجال بها فلا بأس، وبالتالي حلقها لا يعتبر خطيئة، لأن الأمر فيها للإرشاد وليس للوجوب، ولا إثم على الشخص الذي يتركها بسبب عمله أو غيره، لأنها سنة، من فعلها فله أجر ومن لم يفعلها فليس عليه وزر أو اثم.

ويقول الدكتور محمود كبيش، أستاذ القانون الجنائي بـ«جامعة القاهرة»، إن هناك نقطتين أساسيتين في موضوع إطلاق اللحية من الناحية الدستورية والقانونية؛ الأولى: هي أن أي وظيفة وخاصة الانضباطية لها نظام معين وتعليمات وقواعد ينبغي على الموظف أن يحترمها ويتبعها، وهذا لا علاقة له بالقواعد الدستورية أو القانونية، مشيرا إلى أن هذه القواعد تختلف من دولة إلى أخرى، فمثلا في دول الخليج يجوز إطلاق اللحية في المؤسسات العامة.

وأضاف «كبيش»، أن حكم المحكمة الصادر بحق الضباط الملتحين، صدر بإلغاء القرار الصادر من وزير الداخلية بعزلهم، لأن المحكمة رأت أن هناك عدم تناسب بين الجزاء وبين المخالفة، لأن العزل يمثل عقوبة إعدام بالنسبة للوظيفة العامة ويمثل العقوبة القصوى، وبالتالي المحكمة رأت أن قرار العزل لا يتناسب مع طبيعة المخالفة، مشيرا إلى أن الحرية الشخصية لها حدود، فمثلا الحرية الشخصية لا تعنى عدم تفتيش الركاب قبل صعودهم إلى الطائرة، لأن الأمر هنا يتعلق بمقتضيات الأمن، مؤكدًا أن ذلك لا يتعارض مع الحرية الشخصية المنصوص عليها في الدستور والقانون.

ويقول أحمد عبد الحفيظ، نائب رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إن إطلاق «اللحية» حرية شخصية ودينية ولا يجوز حرمان الشخص منها، إلا إذا كانت متعلقة بقواعد وظيفة معينة، فيجب على الشخص الالتزام بهذه القواعد.

وأشار «عبد الحفيظ» إلى أنه لا يتفق مع الذين يقولون إن «اللحية» دليل على التطرف والتشدد واعتناق الشخص أفكار إرهابية وتكفيرية، والدليل أنها تحولت إلى «موضة»، مرجعا سبب حساسية البعض من «اللحية» إلى تطرف بعض الجماعات وارتكابها عمليات إرهابية، والحديث عن الخطر الإسلامي الذي يهدد العالم.

بدوره، أكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أن انتشار الإرهاب والتطرف يُعد السبب الرئيسي في توجس الناس من أصحاب «اللحية»، وتحولها إلى سيئة السمعة، مشيرا إلى أن اطلاق اللحية صار من علامات التطرف والتشدد والإرهاب بسبب ما ترتكبه الجماعات الارهابية والمتطرفة من إرهاب، لاسيما وأن الشكل أصبح يعبر عن أفكار الشخص وسلوكه وميوله، وهل هو وسطي أم متطرف أم متسامح، لافتا إلى أن الشكل أصبح مثل كشف الهيئة الذي يخضع له الشخص في أي وظيفة.

وأضاف «صادق»، أن نجون الفن والرياضة معروفون لدى المجتمع، أما المواطن العادي فهو غير معروف وغير مشهور، وبالتالي الناس لا يعرفون ميوله أو أفكاره إلا من خلال «الذقن».

وعن سر الربط بين اللحية عند المسلمين بالتطرف والإرهاب دون غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى قال، إن ذلك يعود إلى أن اليهودي أو المسيحي لا يقوم بتفجير نفسه من أجل قتل غيره، ولا يمارس الإرهاب، لذلك الإرهاب مرتبط بالمسلمين أكثر من الأديان الأخرى، مشيرا إلى أن كل زعماء التنظيمات الجهادية مثل أيمن الظواهري وأسامة بن لادن وعمر عبد الرحمن بذقون وبالتالي الصورة في العالم كله أن المسلمين يميلون للتطرف.

ولفت «صادق» إلى أن توجس المجتمع منهم يعود إلى سلوكهم وعدم أمانتهم، موضحا أن التدين في مصر شكلي وليس تدينًا حقيقيًا، فالمجتمع أصبح يهتم أكثر بالنقاب والحجاب والجلباب الأفغاني، أكثر من اهتمامه بالسلوك والتصرفات، فلا يهتم مثلا بالنظافة أو إتقان العمل، والدليل أن مصر الدولة الثانية على مستوى العالم في التحرش، وشكل الشيوخ في الإعلام أصبح سيئًا جدا بسبب سلوكهم المخالف للدين، لاسيما وأن الكثير منهم أصبح يتخذ الدين ستارا ومطية لتحقيق أهدافه، وهذا يتعارض مع سنة النبي، صلى الله عليه وسلم، الذي كان يشدد على الجوهر وعلى السلوك.