رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الأسباب النفسية وراء عدم تحرك العرب والتظاهر للدفاع عن القدس

المسجد الأقصى - أرشيفية
المسجد الأقصى - أرشيفية


تعرض المسجد الأقصى خلال الأسبوعين الماضيين، لاعتداءات سافرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى طرد المقدسين، وموظفي الأوقاف الإسلامية، والسماح للمستوطنين اليهود باقتحام المسجد، والقيام بجولات استفزازية داخل ساحات الأقصى بحماية من جنود الاحتلال.


ورغم فداحة الحدث، إلا أنه لم يلق تفاعلًا كبيرًا في أقطار الوطن العربي المترامية، فلم تقم الدنيا لانتهاك أكثر مقدساتنا «حرمة»، ولم يتحرك ساكن لحكام العرب كالعادة، ولم تتفاعل الشعوب على غير عادتها.


صدمة الربيع العربي

وعن هذا الموضوع، يقول الدكتور حسام عزب، أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس: "إن الشعوب العربية في أسوأ أحوالها النفسية، فالأحداث الأخيرة المتلاحقة كسرتها، خاصة سلسلة الهزائم التي تلت ثورات الربيع العربي، وانتصار الثورات المضادة، وتحول حلم الحرية إلى كابوس، فتعيش الشعوب حالة من الانكسار والانهزام، ولم يعد لديها فائض من الطاقة تعطيه للرموز المقدسة".


أسلمة الحروب

وتابع: «علاوة على ذلك نجد شعوب إسلامية تحارب بعضها البعض، فدول مجلس التعاون الخليجي الذين يعتبرون قبائل واحدة تنتشر في دول الخليج من أقصاها إلى أدناها، يحاصرون بعضهم البعض، ويتنافسون في إدانة بعضهم بتهمة الإرهاب، الذي هو أساسا تهمة مصطنعة، وصناعة أمريكية باعترافات قيادات أمريكا، بداية من تنظيم القاعدة مرورًا بداعش وغيرهما، فيجب ألا يكون لدينا الزهايمر تاريخيا كي لا ننسى الصانعين الحقيقيين للإرهاب، والذين يضربون المسلمين بالمسلمين، ويخرجون هم غانمون، فيما يمكننا تسميته بأسلمة الحرب".


قلة الحيلة

وبشأن أن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى التي طالما التفت حولها الشعوب العربية، فيقول عزب: «الناس حزينة ومتألمة، لكنهم مطحونون، فنحن لا نتحدث عن شعب غريب أو وطن لا نعرفه، بل هو شعب فلسطين الشقيق، والقدس العربية الإسلامية، والأقصى الذي هو أغلى مقدساتنا، جميعنا حزانى ومتألمون، وكنا نتمنى أن يكون في يدنا كشعوب عربية وإسلامية أن نخلص مقدساتنا وأراضينا من المحتلين».


فقدان قيمة الذات

قد لا يحرك البعض ساكنا تجاه القضية الفلسطينية، ويتحدثون بأن الأوضاع الداخلية أكثر مرارًا وبؤسًا، وأولى بالغضب لأجلها، وهذا لا يعني نهائيًا أنهم تخلوا عن القضية، وهذه الردود وصفها عزب بأنها "حيلة العاجز"، فالإنسان أحيانًا يعجز عن الدفاع عن نفسه أمام عدو قوي، فعندما يكون غير قادر على تحمل الإهانات وعاجز عن الرد على الإيذاء نتيجة فقدان الذات، يبرر عجزه بتلك الطريقة، ففقدان قيمة الذات هو النواة الحقيقية لكل اكتئاب، الشعوب مغلوبة على أمرها، موجوعة وتتألم من انتهاك مقدساتها وقتل أشقائها في فلسطين، ولكن الكل غارق في أعبائه وحزنه وألمه وفقدان كل قيمة للذات بعد سلسلة الانتكاسات الأخيرة، وهزائم الثورات التي ضحوا فيها بالدم والشباب وفي النهاية وجدوا أنفسهم في مهب الريح ويحكمون مرة أخرى بالحديد والنار، فأصبح الشعب العربي محبطا فاقدًا لقيمة الذات، يعتصر الألم حين يرى اعتداء المحتل على أشقائه في فلسطين، وانتهاك الجنود لمقدساته الدينية بالأحذية وقتلهم للمصلين واعتدائهم عليهم، لكن في نهاية المطاف علينا ألا نتوقف أمام الأعراض الخارجية، فالشعوب العربية الآن في حالة من الضعف والاستكانة والإحساس بالهزيمة إلا أنها تختزن في أعماقها ثورات أخرى مقبلة ضد الطغاة والمحتلين وكل من قهرها وهزمها في هذه الجولة، فهناك جولات عديدة مقبلة ستنتصر فيها الشعوب مهما طال الزمن، فيجب أن نتوقف عن الترويج لنغمة الهزائم والانكسارات، لأن ما نمر به فترة تاريخية عابرة ستزول ويعود العرب والمسلمين لعزتهم وسيادتهم للعالم.


الظروف الاقتصادية وقلق المستقبل

وأضاف عزب: "أن غلاء الأسعار الرهيب وانهيار قيمة الجنيه، جعل الناس في إحساس مرعب من قلق المستقبل، والموجات المقبلة من الغلاء، فالطبقة المتوسطة تتآكل، وأصبح كثيرون منهمكين في لقمة العيش التي أصبحت صعبة المنال، والأمن والأمان الذي لا يشعرون به، وقلق المستقبل الذي لا يعرفون شيئَا عنه، أصبحت الشعوب العربية تحكم بالدبابات والطائرات والصواريخ والسجون والمعتقلات، هذا المناخ جعل الناس تنشغل بمشاكلها، لدرجة أن حلم البعض أصبح يتمثل في إيجاد قوتهم والشعور بالأمن".


المؤامرة الخارجية والتوجه السياسي العام

في المسرح السياسي والإعلامي في العالم العربي هناك موجة شرسة من المؤامرات لإرهاب وتخويف العرب والمسلمين، فالمخابرات الغربية تسعى لتفتيت العالم العربي، وزرع البغض والكراهية والتخبط بين الحكام والشعوب، ووسائل الإعلام المضللة تكذب وتجبر الناس على تصديقها، وهناك أناس منقادون انقياد أعمى لوسائل الإعلام، يأخذون جميع ثقافتهم منها، بلا وعي ولا تمييز، فجميع الأحداث الإرهابية التي وقعت في أوروبا مؤخرًا صناعة مخابراتية غربية، يلعب فيها المسلمون دور الدمية، كجزء من المؤامرات الغربية ضد العالم الإسلامي، لتفتيته وتقسيمه سيكولوجيًا ولضرب المسلمين ببعضهم البعض.


حلول بديلة

إن لم نكن قادرين على حل المشكلة الفلسطينية في أحيان قوتنا فلن نفعل الآن ونحن منهكو القوى، لكن التهاون مع القضية الفلسطينية نذير شؤم يهدد تماسك الأمة العربية، استعراضنا لأسبابه لا يسلت يدنا من إيجاد حلول له، ويقول عزب في نهاية تصريحاته: "الحل أن ترتفع أصوات الصدق قليلًا عن أصوات الكذب، كل في حدود إمكانياته، حتى ولو كان في نطاق شبكات التواصل، أو مع الرفاق والأقارب، كل ما هو متاح، نستخدمه في توعية بعضنا البعض، وخلق إعلام خاص بنا صادق يوصل رسالته بكل صدق، يجب ألا نتوقف عن التحدث في القضية، فالكلمة الأولى والأخيرة في النهاية للشعوب، والصدق هو الذي سينتصر، وتوعيتنا لبعضنا حتى لا ننقاد كالعميان وراء الأكاذيب والضلالات".