رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أزمة «جزيرة الوراق» تكشف تنفيذ أحكام القضاء على «مزاج» الحكومة

شريف إسماعيل - رئيس
شريف إسماعيل - رئيس الحكومة


«تطبيق القانون وإعادة هيبة الدولة»، هي الجملة التي كانت أكثر تداولًا في الإعلام المصري الفترة الماضية، بسبب أزمة جزيرة الوراق، حيث طالب الإعلام المصري بتطبيق القانون على أهالي الوراق، ونحن نتفق معهم 100%، فالدستور المصري ينص في المادة 94 على أن «سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات».


كما تنص المادة 100 من الدستور على أن «تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب، وتكفل الدولة وسائل تنفيذها على النحو الذي ينظمه القانون، ويكون الامتناع عن تنفيذها من جانب الموظفين العمومين جريمة يعاقب عليها القانون».


لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يطالب الإعلام المصري بتطبيق القانون، وفرض هيبة الدولة عندما تكون الأحكام القضائية لصالح الحكومة أو السلطة، ولماذا تقوم الحكومة بتنفيذ أحكام القضاء التي تكون في صالحها فقط؟


وعلى سبيل المثال وليس الحصر امتنعت الحكومة المصرية الفترة الماضية عن تنفيذ عدد من الأحكام القضائية، التي تصب في مصلحة الشعب، والتي تكشف ازدواجية المعايير في تطبيق القانون منها:


الحكم الأول الذي لم تقم الحكومة المصرية بتنفيذه حتى الآن، هو الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا، وهو حكم نهائي وبات، والذي ألزمت فيه الحكومة المصرية باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتعويض الأسري المصريين خلال حربي عام 1956 و1967 ومقاضاة إسرائيل دوليا.


حيث أكدت المحكمة الإدارية في حكمها أنه "يتعين علي الحكومة المصرية اتخاذ جميع الإجراءات التي تكفل حماية حقوق أبناء مصر من المواطنين العاديين أو من أفراد القوات المسلحة الذين قٌتلوا في الأسر أو عذبوا أو انتهكت حقوقهم التي كفلتها قواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية بموجب اتفاقية جنيف، وفقًا لأحكام القانون الدولي".


وشددت المحكمة على أن تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم، ولا يسقط حق المواطنين الفرديين والدولة في التعويض، وقالت المحكمة إن اتفاقية جنيف توفر «آلية لإجبار إسرائيل على التحقيق مع مجرمي الحرب الإسرائيلين الذين ارتكبوا جرائم ضد الأسرى والمدنين ومحاكمتهم على تلك الجرائم».         

  

حيث قال الدكتور إبراهيم أحمد، رئيس قسم القانون الدولي السابق بجامعة عين شمس، إن هذا الحكم يعنى أن المحكمة وجدت أن الحكومات المصرية مقصرة في المطالبة بحقوق ضحايا الحروب التي خاضتها مصر ضد إسرائيل عامي 1956 و1967، وأنه بالرغم من مرور الزمن يظل هذا الحق قائما، وأنه يتعين على الحكومة تنفيذا لهذا الحكم أن تبدأ في اتخاذ الاجراءات الكفيلة باسترداد حقوق الأسرى المصريين.


كما أكد اللواء عبد الرافع درويش الخبير العسكري والإستراتيجي أن هذا الحكم تم انتظاره طويلا، مشيرا إلى أن هناك أفلاما إسرائيلية أظهرت الجنود الإسرائيليين وهم يقتلون الأسرى المصريين وهم أحياء، وهذا موجود في أرشيف التليفزيون المصري، وبالتالي كان لابد من الحصول على حقوق هؤلاء الأسرى.


من جانبه يقول حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن الحكومة المصرية تأخرت كثيرا في التحقيق في هذا الموضوع لاسيما وأن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان هي التي أصدرت التقرير الذي تناول قتل الأسرى المصريين في حربي 1956 و1967، وأطلقت عليه "ثمن الدم" وهذا التقرير صدر في عام 1997 وتناول بالتسجيل حالات القتل التي تمت للمصريين في سيناء على يد القوات الإسرائيلية، ويحتوى على اعترافات من أحد القيادات الكبرى في إسرائيل عن طريقة تعاملهم مع الأسرى المصريين في حرب 1967، و1956، الذين تم قتلهم فى مقابر جماعية، وبالتالي هذه الجرائم موثقة، ومن ثم فعلى الحكومة المصرية التحرك لتنفيذ هذا الحكم.


الحكم الثاني يتعلق بحكم جزيرتي تيران وصنافير، ففي شهر يناير 2017 أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما نهائيا وباتا وواجب النفاذ، برفض الطعن المقدم من هيئة قضايا الدولة على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري ببطلان  اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، وقضت بتأييد مصرية جزيرتي تيران وصنافير، لكن الحكومة المصرية ومجلس النواب رفضا تنفيذ الحكم، وتمت الموافقة على الاتفاقية في مجلس النواب، قبل أن توقف المحكمة الدستورية العليا كل الأحكام الصادرة بخصوص هذه الاتفاقية.


الحكم الثالث: منذ أيام أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما قضائيا بأحقية العاطلين عن العمل في الحصول على معاش شهري كضمان اجتماعي.


وأكدت المحكمة، أن البطالة أصبحت من المعايير الأساسية لاستحقاق الضمان الاجتماعي، وفقا لقانون الضمان الاجتماعي المصري، ومن قبله الدستور الذي استفتى عليه الشعب المصري وأقره بجميع نصوصه ومبادئه.


الحكم الرابع: في شهر يونيو 2016 قضت محكمة النقض ببطلان عضوية النائب أحمد مرتضى منصور عضو مجلس النواب عن دائرة الدقي والعجوزة، وتصعيد الدكتور عمرو الشوبكي بدلا منه، حيث جاء منطوق الحكم "قررت المحكمة ببطلان القرار الصادر بتاريخ 31-10-2015، والخاص بعضوية أحمد مرتضى منصور بمجلس النواب، وقضت بصحة عضوية الدكتور عمرو الشوبكي"، وفي شهر سبتمبر 2016 قضت محكمة النقض بعدم قبول الالتماس المقدم من النائب أحمد مرتضى منصور بشأن إعادة النظر في الحكم الصادر ببطلان عضويته بمجلس النواب، وأيدت تصعيد الدكتور عمرو الشوبكي بدلا منه".


ويؤكد المستشار رفعت السيد، رئيس محكمة الجنايات السابق، أن ما يقال عن عدم تنفيذ الحكومة للأحكام القضائية غير صحيح، مشيرا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين هي من تقف وراء هذه الشائعات، مشيرا إلى أن الحكومة والدولة ملتزمة بتنفيذ الأحكام والقانون، وبالتالي هذا الأمر مرفوض.


من جانبه يقول عصام الإسلامبولي، الفقيه الدستوري ومحامي الدكتور عمرو الشوبكي، الذي حصل على حكم نهائي وبات بنجاحه في مجلس النواب بدلا من النائب أحمد مرتضى منصور، إن مسألة عدم تنفيذ الأحكام القضائية من جانب الحكومة هو نوع من البلطجة في عدم الانصياع والخضوع لأحكام القانون، مشيرا إلى امتناع الحكومة عن تنفيذ الأحكام القضائية يفقدها شرعيتها، لأن الدستور ينص على أن الدولة تخضع للقانون وتعلى من سيادة القانون وعلى رأسها تنفيذ الأحكام القضائية.


وأكد «الإسلامبولي»، أن الحكومة التي تنتهج هذا النهج تفقد شرعيتها الدستورية والقانونية، لأن ذلك يعنى أنها لا تحترم القضاء ولا تحترم الأحكام القضائية، وتدعو بطريقة مباشرة إلى عدم احترام الأحكام القضائية، وهذه دعوة إلى الفوضى واستعمال القوة وترسيخ قاعدة البقاء للأقوى، محذرا من أن ذلك سوف يؤدي إلى أن النظام يفقد شرعيته.


ولفت الفقيه الدستوري إلى أن هذا النهج بدأ منذ عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، عندما أصبح هناك أحكام قضائية لا يتم تنفيذها، وهناك التفاف حول الشرعية، وإصدار قوانين مخالفة للدستور، وبدأ هذا النهج يتعمق حتى وصل في عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك إلى حد عدم تنفيذ الأحكام القضائية، وبدأ يرتفع شعار المجلس سيد قراره.


وأضاف «الإسلامبولي»، أن مجلس النواب الحالي عاد إلى هذا النهج بطريقة مختلفة، مشيرا إلى أن ثورتي 25 يناير و30 يونيو أكدتا احترام سيادة القانون وعلى الدستور،  ولكن لأن الثورتين لم يحكما، لذلك الذين يحكمون البلاد الآن هم الذين يعبثون بالدستور ولا يحترمون أحكام القضاء، مؤكدا أن انهيار دولة القانون كان أهم أسباب قيام ثورة 25 يناير، عندما امتنعت الدولة عن تنفيذ أكثر من 1200 حكم ببطلان انتخابات مجلس الشعب 2010، وتم استخدام قاعدة المجلس سيد قراره، وبالتالي انهيار الدولة يبدأ بعدم احترام أحكام القضاء وتنفيذها، مشيرا إلى أن هذا النهج يكرسه الآن رجال قانون يعملون لحساب النظام، وسيؤدي في النهاية إلى انهيار الدولة وانهيار النظام الذي لا يحترم القانون ولا يحترم الدستور.


من جانبه يقول أحمد عبد الحفيظ، نائب رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والقيادي الناصري، إن عدم تنفيذ الأحكام ليس ظاهرة جديدة وهي موجودة منذ عصر الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك وحتى الآن، وهذا ينزع الثقة من مؤسسات الدولة، ويؤدي لإنهاء فكرة المشروعية، ويرسخ لفكرة "كل واحد يعمل اللي عايزه"، مشيرا إلى أن هناك عقوبات، ولكن لا يتم تنفيذها أيضا مثل الأحكام التي لا يتم بتنفيذها، وهذا يؤكد على أنه لم يتغير شئ عصر مبارك.