رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

السيسي و«الحيتان».. من يكسب معركة «الأراضي المنهوبة»؟

عبد الفتاح السيسي
عبد الفتاح السيسي - أرشيفية


في فبراير 2016، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، قرارا جمهوريا بتشكيل لجنة لحصر أراضى الدولة التى تم الاستيلاء عليها دون وجه حق، وتم تشكيل اللجنة برئاسة المهندس إبراهيم محلب، مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والإستراتيجية.


وفي مايو 2017، أمر الرئيس السيسي، بتشكيل لجنة لاسترداد أراضي الدولة، تضم ممثلين من الرقابة الإدارية والمحافظين ومديري الأمن وقادة الجيوش والمناطق، وقال الرئيس أثناء افتتاح عدد من المشروعات الخدمية بمحافظتي قنا وسوهاج: «خلال آخر الشهر أخد تمام إن الوضع ده خلص.. وأى حد يقف أمام القانون والدولة يبقى مش واخد باله»، وأضاف الرئيس: «أنتم يا مصريين ما تقبلوش حد ياخد حاجة من غير وجه حق، واللي هيضع إيده على ألف فدان مش الغلبان اللى مش معاه، لكن حد تانى"، وأثناء افتتاحه عدد من المشروعات بمحافظة دمياط كرر الرئيس مطالبته باسترداد أراضي الدولة قائلا: "مفيش حد فوق القانون وفوق الحق، وبأكد للمصريين إنهم قادرين على استعادة أرضهم، لأن دى أرض الناس وأرض مصر وأرض القادمين من أبنائنا، ولا يمكن أن نفرط فى متر أرض واحد".


وأضاف الرئيس "دى أرض مصر واللى ياخدها بدون حق هو لص ومغتصب وحرامى أيا كان هو مين"، وتوعد كل شخص يحصل على أموال المواطنين بالنفوذ أو غيره قائلا: "طول ما أنا عايش على وش الدنيا وفى مكانى ده مش هسيب حد ياخد حاجة، واللى عايز يتحدانى فهو بيتحدى حق من حقوق ربنا فى الأرض".


وبعد ذلك نفذت الأجهزة المعنية توجيهات الرئيس، ولكن بطريقة أثارت كثيرًا من علامات الاستفهام، ويقول كثير من المواطنين إن الدولة كشرت عن أنيابها على الفقراء، وتركت حيتان وأباطرة الأراضي.


فمثلا في صعيد مصر وبالتحديد في محافظة سوهاج قامت الأجهزة المعنية بهدم غرفة للمواطن عبد القادر على مقامة من «الخوص والطوب اللبن» ولا تتعدى مساحتها 15م2، بدعوى أنها مبنية على أراضي الدولة، وتابعة للآثار.


يقول المواطن عبد القادر علي لـ«النبأ»: «أنا مواطن مصري كل ما أمتلكه من الدنيا هو دكان صغير ملحق بدوار العائلة القديم، أعيش عليه أنا وأسرتي، وبعد قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي باسترداد أراضي الدولة، فوجئت أثناء وجودي في الدكان بقوة من الشرطة ومجلس المدينة تطالبني بإخلاء المبنى لهدمه بدعوى أنه من أملاك الدولة وتابع للآثار، وقاموا بهدم الغرفة اللي في الخارج المقامة من البوص والتي لا تعد مساحتها 15م2".


وأضاف عبد القادر، أنه ورث هذا المكان عن والده، الذي ورثه عن جده منذ عشرات السنين، متسائلا: "الرئيس بيقول حق الشعب، طيب أنا فين حقي، ليه تترك الدولة حيتان الأراضي اللي يمتلكوا آلاف الأفدنة وتيجي على الفقراء اللي زينا؟"، متهما الأجهزة المعنية بعدم تنفيذ تعليمات الرئيس فيما يخص الأغنياء وأصحاب الأملاك، مشيرا إلى أن هذه الأجهزة لا تطبق القانون إلا على الفقراء فقط، مؤكدا أن ذلك لن يرضى الرئيس، الذي يحرص دائما على حقوق الفقراء.


ليس «عبد القادر» فقط الذي تضرر من قرارات الرئيس، لكن هناك مئات الأسر الفقيرة والمعدومة التي تسكن سفوح الجبال في منازل قديمة مبنية من الطوب اللبن، تعيش في رعب الآن خوفا من هدم منازلهم التي ورثوها عن أجدادهم في أي لحظة، وبالتالي يجدون أنفسهم بدون مأوى، هؤلاء الأهالي يشعرون بالمرارة من تجاهل الدولة لهم، فالكثير منهم لا يمتلكون أي مصدر للرزق، ولا يستطيعون شراء مساكن بديلة بعد أن وصل قيراط المباني في القرية إلى أكثر من 200 ألف جنيه، وهم يرون أن قرار الرئيس باسترداد أراضي الدولة جاء ليزيد من معاناتهم، في الوقت الذي تترك فيه الدولة حيتان الأراضي الذين يمتلكون آلاف الأفدنة ولا تستطيع الاقتراب منهم.


ويقول المواطن «عبد العاطي»، إنه يقوم هو وأخوته باستصلاح حوالى 10 أفدنة، أنفق عليها كل ما يملك، وقد سمع أن الدولة تريد أخذها فشعر بالخوف على مستقبل أسرته، وطالب عبد العاطي الرئيس عبد الفتاح السيسي بتقنين وضع هذه الأراضي.


وفي الوقت الذي تلاحق فيه الدولة وأجهزتها الفقراء والبسطاء، ويطالب رئيس الجمهورية باسترداد حق الشعب الفقير، نجد أنه لم يتم فتح ملفات حيتان وأباطرة الأراضي الذين حصلوا على آلاف الأفدنة في عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وأغلبهم من رموز نظام مبارك وجنرالات وإعلاميين ورجال أعمال موالون للنظام الحالي.


لذا تقدم النائب رضا البلتاجى، عضو لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب، ببيان عاجل للدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، مستندا إلى حكم المادة 134 من الدستور، والمادة 215 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب، بشأن إعلان الحكومة عن أسماء وصفات حيتان الأراضى الذين استولوا على أراضي الدولة بدون وجه حق.


وأكد «البلتاجي»، فى بيانه العاجل، أن الإعلان عن هذه الأسماء سيحمي الشارع المصرى من تعرضه للشائعات التى أطلقت على العديد من رجال الأعمال دون إعلان حقيقى من الدولة، وعليها نشرها فورا.


رجال أعمال وجنرالات وإعلاميون

ونشر الرائد خالد أبو بكر؛ قائد ما يسمى الجيش المصرى الإلكترونى؛ كشفًا بأسماء الأشخاص المتهمين بالاستيلاء على أملاك الدولة، مشيرًا إلى أن تلك الأراضى المستولى عليها، تقدر بمبلغ 700 مليار جنيه.


ويأتي على رأس القائمة التي قام بنشرها الرائد خالد أبو بكر، أحمد أبو هشيمة، صاحب حديد المصريين، ومالك العديد من وسائل الإعلام والقنوات الفضائية الموالية للنظام، أحمد المغربي وزير الإسكان في عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، أحمد بهجت، رجل الأعمال المعروف وصاحب قنوات دريم، أحمد عز رجل الأعمال المعروف وصاحب مصانع حديد عز، أشرف السعد رجل الأعمال الهارب في بريطانيا، أكمل قرطام رجل الأعمال المعروف، أنسى ساويرس رجل الأعمال المعروف، أيمن السويدي رجل الأعمال المعروف وعضو مجلس النواب، إبراهيم المعلم صاحب دار نشر ومالك صحيفة الشروق، إبراهيم نافع، الصحفى ورئيس مجلس إدارة وتحرير الأهرام الأسبق، إبراهيم كامل رجل الأعمال السعودي المعروف، والذي يمتلك عددًا من القنوات الفضائية، السيد البدوي، صاحب قنوات الحياة ورئيس حزب الوفد، حاتم الجبلي، وزير الصحة الأسبق في عهد مبارك، حسن راتب رجل الأعمال المعروف ومالك قنوات المحور، حسن حمدي، رئيس النادي الاهلى السابق، حسن مالك رجل الأعمال الإخواني المحبوس حاليا.


ومن الأسماء الأخرى: حسين سالم، رجل الأعمال المعروف، وصاحب صفقات بيع الغاز لإسرائيل، حسام أبو الفتوح، رجل الأعمال المعروف، خيرت الشاطر قيادي في جماعة الإخوان المسلمين ومحبوس حاليا بتهم الإرهاب، رامي لكح، رجل الأعمال المعروف، رشيد محمد رشيد وزير الصناعة السابق في عهد مبارك والهارب حاليا في الإمارات، زهير جرانة، وزير السياحة السابق في عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، سميح ساويرس، رجل الأعمال المعروف، سمير رجب، رئيس مجلس إدارة دار التحرير الأسبق، صلاح دياب، رجل الأعمال وصاحب صحيفة المصري اليوم، طارق نور، صاحب مجموعة نور للإعلان وقنوات القاهرة والناس، طلعت مصطفى، رجل الأعمال المعروف، علاء مبارك، نجل الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، فرج عامر، عضو مجلس النواب، عماد الدين أديب، الإعلامي والصحفي الشهير، ممدوح حمزة، محمد أبو العينين صاحب سيراميك كليوباترا وقنوات صدى البلد، محمد الأمين، رجل الأعمال المعروف وصاحب قنوات النهار، محمد فريد خميس، صاحب النساجون الشرقيون، مدحت الحداد القيادي الإخواني، منير فخرى عبد النور، وزير السياحة الأسبق والقيادي في حزب الوفد، منير ثابت، ناصف ساويرس، نجيب ساويرس، المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، يوسف ندا رجل الأعمال الإخواني المقيم في لندن.


جمعية أحمد عرابي

قال وزير الزراعة الأسبق، صلاح هلال، في اجتماع مجلس الوزراء برئاسة المهندس إبراهيم محلب: حصرنا أراضى جمعية أحمد عرابى واتخذنا الإجراءات اللازمة لتنفيذ الحجز الإدارى على الأراضى التابعة لها والأراضى التابعة لشركات أخرى ونتوقع تحصيل حوالى 13 مليار جنيه من جمعية أحمد عرابى و14 مليار جنيه من شركة القادسية ومليار و350 مليون جنيه من شركة وادى النخيل و17 من شركة التنمية الزراعية (السليمانية) وستوجه الدعوة إلى أصحاب هذه الشركات للقاء المهندس رئيس مجلس الوزراء.

 

وجمعية أحمد عرابي يساهم فيها جمال وعلاء مبارك، وهناك تقارير تشير إلى أنهما مازالا يمتلكان قصورًا مغلقة هناك، وحتى الآن لم يتم إعلان أي شيء عن مصير هذه الأراضي مما يثير الكثير من علامات الاستفهام.

 

تقارير

ووفق تقرير لهيئة التعمير والتنمية الزراعية بوزارة الزراعة، فإن هناك 810 شركة استولت على مساحة من الأراضى الصحراوية تبلغ 2.8 مليون فدان فى 30 منطقة.

 

وكشف التقرير عن استحواذ 4 شركات على مساحة من الأراضى تصل إلى 500 ألف فدان فى 3 محافظات صحراوية أو ذات ظهير صحراوى، بينما بلغت أعداد الشركات التى استحوذت على مساحات تقل عن 25 ألف فدان وحتى 10 آلاف فدان، 44 شركة بإجمالى مساحة تصل إلى 360 ألف فدان، فى حين استحوذت 592 شركة على مساحة تصل إلى مليون و839 ألف فدان بمختلف المناطق الصحراوية.

 

وقدرت مصادر رسمية، مستحقات الدولة بأكثر من 300 مليار جنيه، مقابل تثمين الأراضى لأغراض الاستصلاح الزراعى، أو مقابل توفيق أوضاع المساحات التى تم التعدى عليها.

 

كما قدرت بعض التقارير أراضي الدولة المستولى عليها بحوالي 16 مليون فدان "67 ألف كيلو متر مربع"، تم تحويل 3.5 مليون فدان منها إلى منتجعات سياحية وقصور.

 

جمعية النسر الذهبي

وهناك جمعية تسمى "النسر الذهبي" بمحافظة الفيوم، استولت على آلاف الأفدنة مستغلة اسم رجال الأمن والقضاة، حيث كشفت تقارير صحفية عن أن الجمعية التي تغير اسمها من "رجال الأمن" إلى جمعية "النسر الذهبي للقضاة وأسرهم"  تسيطر على مساحة كبيرة من أراضي الدولة، وتقوم بريها من المياه المخصصة لمساحات زراعية أخرى بورت بسبب نقص المياه التي تروى بها الأراضي المسيطر عليها والتي تمتد من طريق أسيوط  الغربي حتى وادي الريان بالفيوم.

 

جمعية أمن المستقبل ببني سويف

وهذه الجمعية تضع يدها على آلاف الأفدنة، وقد طالبت الجمعية وزارة الزراعة بسرعة تقنين الأراضي وتخصيصها لاستكمال استصلاح 50 ألف فدان في الصحراء كمرحلة أولى، خاصة أن الجمعية بدأت في حفر الآبار الخاصة بالمياه الجوفية والري بأحدث الطرق.


أراضي وادي النطرون

استولى رموز نظام مبارك من رجال أعمال ولواءات، على آلاف الأفدنة في وادي النطرون.


أسيوط

يضع ضباط وقضاة سابقون ورموز من نظام مبارك أيديهم على أكثر من 500 ألف فدان في محافظة أسيوط.


الجنرالات

في 2012 نشرت جريدة «الموجز» تحقيقا تحت عنوان «نكشف أكبر قضية: مافيا الأراضي من الجنرالات وضباط الشرطة" كشفت فيه بالمستندات والأسماء عن ما أسمتهم مافيا الأراضي من الجنرالات وضباط الشرطة الذين استولوا علي ثروات مصر وتربحوا منها الملايين".


يقول الخبير الدستوري عصام الإسلامبولي، إن استرداد أراضي الدولة جاء متأخرًا جدًا، مشيرا إلى أن السؤال المهم هو: هل سيتم استرداد الأراضي من المسئولين الكبار في الدولة أم أن الأمر سيقتصر على المواطنين العاديين؟، مشددا على ضرورة وجود شفافية في هذا الملف، وأن يتم الإعلان عن أسماء المسئولين الذين قاموا بالاستيلاء على هذه الأراضي، وكيف سيتم استرداد خيرات الشعب التي نهبوها.


من جانبه يقول الدكتور وائل النحاس الخبير الاقتصادي، إن المشكلة هي في التنفيذ، وفي كيفية تسعير هذه الأراضي، وفي طرق صرف الأموال التي سيتم تحصيلها، متسائلا عن سر فتح الدولة لملف استرداد الأراضي بعد عمليات التصالح التي قامت بها مع بعض المسئولين الكبار خلال السنتين الماضيتين، مشددا على ضرورة قيام الدولة بالكشف عن الطريقة التي تمت بها عملية تقنين هذه الأراضي والأسعار التي بيعت بها، وأسماء المسئولين الذين تم التصالح معهم، والمعايير التي تم على أساسها التنازل عن هذه الأراضي، وإلى أين ذهبت هذه الأموال، وما هو وضع أراضي طريق مصر إسكندرية الصحراوي والتجمع، لافتا على أن الدولة تركز على أراض بالملايين وتترك أراضى بالمليارات.


أما القيادي الناصري أحمد عبد الحفيظ، فقال إن المهم هو أن يتم تطبيق قرار استرداد الأراضي على الكبار وليس على «الغلابة»، مشيرًا إلى أن تطبيق القانون على الكبار أولا سيعطي للدولة مصداقية، مؤكدا أن النظام قادر على أخذ الأراضي من الكبار إذا أراد، لافتا إلى أن هدم منازل المواطنين الغلابة الذين يسكنون بها منذ مئات السنين غير مقبول ويمثل ظلما كبيرا لهم.