رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

نائب رئيس مجلس الدولة يفضح عدم دستورية قانون الهيئات القضائية الجديد

المستشار محمد خفاجي
المستشار محمد خفاجي


أعد المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، بحثًا علميًا وثائقيًا عن قانون الهيئات القضائية الجديد، والذي تم إقراره أمس، الجمعة، بعنوان " قانون الجهات والهيئات القضائية بين التشريع والتشريح"، تناول فيه جوانب العلوم الدستورية والقانونية والسياسية والاجتماعية، ويعد البحث وثيقة تثبت عدم دستورية القانون وتجاوزه.

ويقول "خفاجي"، إن نصوص القانون رقم 13 لسنة 2017 تهمش عشرة نصوص دستورية عن استقلال القضاء وتجريدها من آثارها وإيهانها من قوتها عن طريق تحوير مقاصدها لغير ما هدفه المشرع الدستورى والدستور يعلو ولا يُعلى عليه.

كما أن نصوص القانون يتعين بحث دستوريتها عن طريق ردها إلى أحكام الدستور جميعًا تغليبًا لتلك الأحكام على ما دونها وتوكيدًا لسموها على ما عداها لتظل الكلمة العليا للدستور باعتباره القانون الأساسي الأعلى في البلاد الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة الذى حدد للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية صلاحياتها، واضعًا الحدود التي تقيد أنشطتها، وتحول دون تدخل كل منها في أعمال الأخرى، مقررًا الحقوق والحريات العامة مرتبًا ضماناتها.

وأضاف: "ولا يجوز لمجلس النواب وقد أورد الدستور فى عشرة نصوص دستورية مبدأ استقلال السلطة القضائية مخالفتها وفى حدود تلك الدائرة التي لا يجوز اقتحامها، فلا يمكن أن تكون النصوص الدستورية - وتلك غاياتها - مجرد نصوص تصدر لقيم مثالية ترنو الأجيال إليها، وإنما هي قواعد ملزمة لا يجوز للسلطة التشريعية تهميشها أو تجريدها من آثارها أو ايهانها من قوتها عن طريق تحوير مقاصدها لغير ما هدفه المشرع الدستورى منها ورمى إليه , ويجب أن يعلو الدستور ولا يُعلى عليه وأن يسمو ولا يُسمى عليه".

وقال إنه فى مجال الشرعية الدستورية لا تستقيم موطئًا لإبطال نصوص قانونية يحتمل مضمونها تأويلا يجنبها الوقوع في هاوية المخالفة الدستورية، إذ يتعين دوما تفسير النصوص التشريعية محل العدوان بما يوائم بين مضمونها وأحكام الدستور جميعا، بحيث لا يكون وصمها بعدم الدستورية إلا عند تعذر ذلك التفسير وتلك المواءمة، وفي هذه الحالة تكون الرقابة بإنزال حكم الدستور في شأن تلك النصوص المعروضة لقيام شبهة قوية في مخالفتها لقواعده بدءا بالأحكام الواردة بالنصوص ذات الصلة المباشرة وانتهاء بتلك التي تقرر المبادئ العامة التي وضعت لتحقق مبدأ عزيز صار بإجماع المجتمع الدولى من المبادئ العالمية وفقًا لما ورد في الإعلان العالمي لاستقلال العدالة الصادر عن مؤتمر مونتريال في كندا عام 1983، وكذلك في "المبادئ الأساسية بشأن استقلال القضاء" الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1985 والتي تعتبر الميثاق المرجع الدولي بشأن استقلال القضاء.

وتابع "خفاجى"، أن الأصل في النصوص الدستورية أنها تعمل في إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجًا متآلفًا متماسكًا، بما مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالًا لا يعزلها عن بعضها البعض، وإنما يقيم منها في مجموعها ذلك البنيان الذي يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوم لدعم مصالحها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يجوز بالتالي لمجلس النواب أن يفسر أو يفصل النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها، ولا أن ينظر إليها بوصفها هائمة في الفراغ أو باعتبارها قيما مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي.

وقال: أنه إذا كان النصوص الدستورية العشرة عن استقلال القضاء قد تضمنت بيان قيد يتعين على المشرع العادي عندما ينظم أحكام السلطة القضائية الالتزام به، وعدم الخروج عليه فإن المشرع العادى يكون قد استعمل رخصته في التنظيم في غير أغراضها الدستورية، وفاضل بين البدائل المختلفة على نحو يغاير أحد أهم المبادئ الدستورية المتصلة بحقوق وحريات المواطنين وهو مبدأ استقلال القضاء، بعد أن منح السلطة التنفيذية فرص النفاذ إلى هذا الاستقلال بالمخالفة لما تنتهى إليه إرادة جمعياتهم العمومية وعلى نحو يغاير اعلاء إرادة الجمعية العمومية لنظرائهم الأقران باختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا وعلى اعتبار أن استقلال السلطة القضائية في اختيار رؤسائها واحد من أهم الضمانات اللازمة لحماية حقوق وحريات المواطنين وهى من أهم الضمانات المعمول بها في الأنظمة الدستورية المقارنة.

وأكد "خفاجى"، أن القاضى – خاصة قاضى القانون العام بشقيه الدستورى والإدارى - يجب أن يتوافر له من الضمانات ما يكفل استقلاله فى ممارسة الرقابة القضائية على نشاط السلطتين التنفيذية والتشريعية , وهذه الضمانات ليس المقصود بها حماية القاضى نفسه بل من أجل صالح المتقاضين وحسن سير العدالة ويكون ذلك بكفالة استقلال القاضى فى الحيدة والتجرد ليتمكن من مواجهة أية ضغوط أو مؤثرات قد يتعرض لها فلا يخضع لهوى أو يخشى فى الحق جاه أو سلطان.

وأشار إلى أن طريقة اختيار رؤساء السلطة القضائية بيد رئيس الجمهورية وبالطريقة التلاحقية الانتقامية الاقصائية التى صدر بها القانون،لا يتحقق معها أية ضمانات لاستقلال القضاء، لأن مناط الاختيار سيخضع للأهواء السياسية وسيسود العامل السياسى أو بالأدق فقهيًا الهوى السياسى فى الاختيار، مما يؤثر على سير العدالة فلا يستطيع من صدر لصالحه الاختيار وهو الأحدث عن زملائه الخروج على السلطة التى اختارته وستكون قراراته مطابقة لاتجاهات تلك السلطة ولن تكون رقابته على السلطة التنفيذية رقابة فعالة أو منتجة بل سيظل خاضعًا لتلك السلطة التى اختارته.

وأوضح أن اتحاد السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية فى الانتقاص من مبدأ استقلال القضاء وتمكين الأولى للثانية للقيام باختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية مما يضعف استقلالها وينتقص منه يشدها بعيدا عن طبيعتها القضائية.

وتابع: "ويمثل هذا القانون خطرا حقيقيا يؤثر فى استقلال القضاء لأن السلطة التنفيذية تستطيع دوما اختيار رؤساء السلطة القضائية ممن ترى انهم ينتمون لنفس اتجاهاتها السياسية، رغم أن الأصل أنه يجب أن يكون تعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية معقودًا لجمعياتها العمومية بعيدًا عن اختيارات السلطتين التشريعية والتنفيذية حتى تتمكن السلطة القضائية من القيام بدورها الدستورى فى مواجهة أية تجاوزات للدستور من جانب هاتين السلطتين".