رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

قصة مشروع توطين الفلسطينيين في سيناء.. (تقرير)

توطين الفلسطينيين
توطين الفلسطينيين في سيناء - أرشيفية


عادت قضية تنازل مصر عن مساحة 185 كيلو مترًا في سيناء، تستخدم لإقامة دولة فلسطينية تضم أيضًا قطاع غزة «وطن بديل للفلسطينيين» عن الضفة الغربية والقدس الشرقية التي قررت إسرائيل ضمهما رسميًا لها، لواجهة الأحداث مرة أخرى، بعد تصريحات للوزير الإسرائيلي بلا وزارة الدرزي «أيوب قرا».

وكشف الوزير الإسرائيلي، أن الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» ورئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» ناقشا، ما وصفها بخطة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء، وكشف أيضًا عن وجود توجه لتبني أمريكي إسرائيلي لهذه الخطة.


الحديث عن وطن بديل للشعب الفلسطيني عبر اقتطاع جزء من سيناء ليس جديدًا، إذ تم طرحه في مناسبات عديدة، ولكن ما يتخوف منه أهالي سيناء، هي الصداقة التي تجمع بين النظام المصري ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، فضلًا على سَقطة النظام، بحسب وصف منظمات حقوقية، بتنازله عن جزيرتي «تيران وصنافير» للسعودية، تحت دعاوى ترسيم الحدود البحرية.


الشيخ خالد عرفات، أحد أعيان مدينة العريش ومنسق حزب «الكرامة» بسيناء، يقول إن إسرائيل دائمًا ما كانت ترى سيناء كوطن لهم، منذ حقبة الحكم التركي في مصر، لكن لأن ظروف الحياة في «أرض الفيروز» كانت صعبة، فلا ماء ولا زراعة إلا فيما ندر، جعل المشروع يتوقف.


ويتابع، لكن إسرائيل لم تتوقف، إذ أجبرت مصر من خلال اتفاقية "كامب ديفيد" 1979 على تفريغ سيناء من الجيش والسكان، لتكون "أرض حرب" وحتى تكون "الدرع الحامي لإسرائيل من الكتلة السكانية في الوادي والدلتا.


ويضيف، أن سيناء تمثل تاريخًا لإسرائيل فهي أرض التيه وأرض جبل الطور الذي نزلت فيه التوراة، وهي أرض موسى عليه السلام، والذي دُفن بها، ولعل ما يشير إلى ذلك أنها احتلت سيناء أكثر من مرة أولها في 1956، و1967.


ويكشف «عرفات» عن أحاديث يتم تداولها حاليًا في دروب العريش، عن رسالة «موشى ديان»، وزير دفاع إسرائيل الأسبق، وبعض قياداته، إبان حرب 1956 التي نقلها عمدة العريش في ذلك الوقت لـ«جمال عبد الناصر»، ومفادها: «إحنا هنمشي من سيناء كمان شهرين.. بس توصل رسالة لجمال عبد الناصر، أننا سنتنازل عن فلسطين مقابل سيناء، لأنها ضعف مساحة فلسطين 4 مرات».


لكن مع استحالة الأمر على ما يبدو، اتخذت إسرائيل مشروعًا لتكون سيناء «الوطن البديل للفلسطينيين»، خاصة أن حكومة «نتنياهو» حاليًا تفكر في تنفيذ فكرة القومية الواحدة اليهودية، وبذلك تقطع السبيل عن أي حلول ومشروعات سلام تقول بثنائية القومية أو أن تكون فلسطين وطنًا للفلسطينيين واليهود.


ويؤكد أحد مشايخ سيناء، رفض ذكر اسمه، أنه في عام 2009، عرض مبعوث الشرق الأوسط للسلام «دينيس روس»، خطة «"جيورا إيلند» على الرئيس الأسبق مبارك، وتقضي بإقامة دولة فلسطينية على جزء مُستقطع من سيناء، لكن «مبارك» رفض.


كانت الخطة تقضي بالتنازل عن مساحة 600 كم2 لإقامة الدولة الفلسطينية، وهذا على حساب حصول مصر على أرض بديلة في صحراء النقب المحتلة، عن طريق إنشاء ممر بين يصل مصر بأراضي النقب، يكون منفذًا بريًا لـ«قارة آسيا» وطريقًا لدولة الأردن، بالإضافة لحصول مصر على 12 مليار دولار.



الشيخ علي فريج، رئيس جمعية القبائل العربية في سيناء، والنائب البرلماني السابق، ينتمي لقبيلة «الأحيوات»، يؤكد وجود مشروع آخر باسم «ألون» وهو لرئيس جهاز المخابرات الموساد الإسرائيلي، وهو المشروع المعروف إعلاميًا باسم «غزة الكبرى».


ويقضي المشروع باقتطاع 30 كيلو مترا داخل أعماق سيناء، على أن تأخذ مصر أرضًا بديلة عبر أراضي النقب، يربط مصر بالأردن، ويكون تحت سيطرة مصر، وهذه حوافز اقتصادية حتى تقبل مصر، ولكن الرئيس الأسبق مبارك رفض.


ويضيف، أنه أعُيد طرحه على الرئيس الأسبق محمد مرسي، والذي اتخذ خطوات جدية في المشروع، حيث أقام الإخوان وبعض معاونيهم 10 آلاف خيمة في سيناء لتكون نواة للدولة الفلسطينية البديلة في سيناء؛ وعندما تساءل شيوخ سيناء عن هذه الخيام، أجاب الإخوان، بأن إسرائيل ستقصف قطاع غزة، وهذه احتياطات لاستضافة أهل غزة، وبالتالي بداية "التوطين".


ويتابع، لكن شيوخ سيناء رفضوا المشروع وقالوا نصًا: "لو لم تُهدم هذه الخيام.. هنولع فيها".


ويدلل الشيخ السيناوي على كلامه، بأنه عقب أحداث «فض رابعة»، أشارت بعض التقارير إلى وجود خطة إسرائيلية لتوطين الفلسطينيين، لافتًا إلى انتشار هذه الوقائع بشدة خلال العام 2013 و2014، حيث أثبتت نية الإخوان في إقامة دولة فلسطينية بسيناء.


وفي أغسطس 2014، دفعت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بوثيقة سرية، تقضي بوجود مقترح إسرائيلي بإنشاء مطار دولي ومركز بحري لمدينة غزة على أرض مدينة العريش، وتحديدًا على بعد 45 كيلو مترا من رفح.


وفي سبتمبر من نفس العام، ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قال في لقاء مع محمود عباس: أقبل بسيناء كوطن بديل عن فلسطين.. أنت حاليًا عمرك 80 سنة، لو لم تقبل.. فاللي هيجي بعدك سيقبل به»، لكن السيسي نفى الأمر في حينه، إلا أن رئيس الأمن الداخلي الإسرائيلي «يعقوب بيري» ذكر قائلًا: كرم السيسي في هذا الاقتراح أذهلنا».


وفي نفس الشهر من العام 2014، أكد محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية المقترح من السيسي، لكنه برر رفضه للمقترح بأن قطعة الأرض ستنضم لقطاع غزة، وستكون الكلمة العليا فيها لحكومة حماس وليست لـ«حركة فتح» التي ينتمي لها «عباس».


وفي أكتوبر من العام نفسه، بدأت الحكومة المصرية في إنشاء ما سُمي بـ"المنطقة العازلة" على حدود رفح، حيث هُدم 680 منزلًا، ونُقل المئات من أهالي رفح إلى الإسماعيلية والعريش، تحت دعاوى محاربة الإرهاب والقضاء عليه، وبالتالي أصبحت «رفح» مدينة خالية من المزروعات والناس.


وبعد نحو عام، في نوفمبر 2015، وفي مؤتمر لحركة فتح، نفى محمود عباس عرض السيسي وقال إن الرئيس الأسبق محمد مرسي هو صاحب المقترح.


وتلقى «عباس» هجومًا شديدًا من جانب حركة «حماس» واتهموه بالبحث عن مصالحه مع النظام المصري بتوريط حماس والإخوان فيما ليس لهم به شأن.


وفي أبريل العام الماضي، نشر "ماتي ديفيد" يهودي ضابط سلاح في الاستخبارات الأمريكية، مقالًا على موقع «نيوز ون» الإخباري الإسرائيلي، أكد خلاله مبادرة السيسي وعباس، وسرد تفاصيل عن خطة "جيور إيلند".


وفي مطلع العام الحالي، قام وفد من حركة حماس، والتي تصنفها مصر "منظمة إرهابية" بحكم محكمة مصرية، وبدعوى قضائية رفعها أحد المحامين المقربين من النظام الحاكم، دون الإعلان عن أسباب للزيارة، إلا أنه تم الاحتفاء به.


وخلال يناير الماضي أيضًا، ذكر عضو المكتب السياسي لحركة حماس الدكتور موسى أبو مرزوق ورئيس مكتب حماس بالقاهرة، في حوار له، أنه تمت الموافقة من قبّل الحركة على مقترح ضم أجزاء من سيناء لقطاع غزة، وإقامة حكم فيدرالي.


وعقب حوار موسى أبو مرزوق، بيوم واحد، في 3 يناير الماضي، نشرت حركة «فتح» عبر موقعها الرسمي، مقالًا استنكرت فيه إقامة دولة غزة الكبرى، واتهمت حماس بالتخلي عن الأرض الفلسطينية لصالح المحتل الإسرائيلي.


في الـ 13 من فبراير الحالي، رفض مجلس النواب، طلب إحاطة قُدم لمناقشة تسريب لمكالمة بين وزير الخارجية سامح شكري وبين محام إسرائيلي مقرب من نتنياهو للاتفاق على خط سير التنازل عن جزيرتي «تيران وصنافير» للسعودية.


ويقضى تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، بعض الترتيبات، خاصة وأن الجزيرتين يقعان في المنطقة "ج" ضمن اتفاقية كامب ديفيد.


أعقب هذا تغريدة الوزير الإسرائيلي أيوب قرا عن خطة السيسي ونتنياهو لتوطين الفلسطينيين في سيناء، وفي نفس اليوم 14 فبراير، سحبت إسرائيل سفيرها من مصر بدعاوى أمنية.


وبعد يوم واحد، في الـ 15 من فبراير الجاري، عٌقد مؤتمر صحفي بين ترامب ونتنياهو، تحدثا خلاله عن حل للقضية الفلسطينية عبر اقتطاع جزء من أرض عربية، وبالتعاون مع دول عربية أخرى.


ويُعّقب الشيخ خالد عرفات على ذلك، بأنه مع إزالة مدينة رفح عن بكرة أبيها، وتجريف أرضها، فضلًا عن تجريف قرى الشيخ زويد، وشرق العريش تمامًا، ليس له مبرر إلا إعادة اقتطاع أجزاء من سيناء لتوطين الفلسطينيين، خاصة أن النظام الحالي لم يتوان عن التنازل عن جزء من سيناء لصالح دولة أخرى.


ويخشى «عرفات»، أن يَطال التدمير العريش نفسها في ظل السياسة التي تتبعها الدولة في تدمير كل شيء بدعوى القضاء على الإرهاب، لافتًا إلى امتعاض أهل سيناء من الحرب الدائرة التي تسببت في موت المئات منهم، وتدمير سُبل رزقهم.


ويتابع، أن أهالي العريش والشيخ زويد ورفح، يموتون أسبوعيًا جراء "الرصاصات الطائشة التي لا يُعرف مصدرها حتى الآن، متسائلًا هل ستكون خطة لتفريغ الأرض من أهلها؟.


ويكشف عرفات، عن توقف خطط التنمية للدولة عند مدينة "بير العبد" والتي تقع على بعد 70 كيلو مترا شرق قناة السويس، و80 كيلو مترا غرب مدينة العريش، لافتًا إلى توقف إنشاء الطرق والمشروعات والإنشاءات عند ما يُطلق عليه "محور قناة السويس".


ويقول، إن أغلب أهالي سيناء هربوا جراء الرصاصات الطائشة والموت إلى مدن الصلاحية والإسماعيلية، لافتًا إلى رغبة الأهالي في العودة مرة أخرى، وأنهم لم ينسوا مصريتهم ووطنهم سيناء.


ويتابع، بأنه إذا ما تم اتخاذ اقتطاع هذا الجزء من سيناء، ستكون مدينة العريش هي الحد الشرقي لمصر، وعليه سوف تُدمر المدينة ولن تكون صالحة للحياة، حيث إن شرق العريش وهي قرى الشيخ زويد وقرى شرق العريش هي الشريان الحياتي للمدينة، وبدونها تصبح «مدينة للموتى».


ويضيف «عرفات»، أن أهل العريش مع الدعاوى القضائية التي رفعها خالد علي ورفقاؤه، فهي جرس إنذار أمام النظام الحالي، أو أي نظام حاكم بأن سيناء «خط أحمر».


ويكشف الشيخ السيناوي، عن امتلاكهم بعض الأراضي في فلسطين نفسها، وأنهم مازالوا يحملون الصكوك والعقود والحجج التي تؤكد ملكيتهم في مناطق نابلس وحيفا وعكا، مشيرًا إلى أنهم سيطالبون بأملاكهم بأي طرق مقبولة، طالما أن النظام الحالي لم يدافع عن الأرض.


ويقول، إن أهالي «أم الرشراش» وهي القرية المصرية التي تنازلت عنها الدولة المصرية، والتي أُقيم عليها ميناء إيلات الإسرائيلي الحالي على خليج العقبة، مازالوا على مصريتهم، وأحفادهم يعيشون على خليج العقبة.


ويشير إلى أن الشعب الفلسطيني غير مستعد بالتنازل عن أراضيهم لأي سبب، فمن غير المعقول أن يترك شعب ما زال يحمل مفتاح البيت القديم في أرضها المحتلة، دولته مهما كانت المغريات والحوافز.


في نفس السياق، يعاود الشيخ علي فريج، قائلًا: "إنهم رافضين للمشروع الحالي المُقترح بإنشاء وطن بديل بسيناء، وأنهم يُجهزون حاليًا لمؤتمر بذلك، خاصة أن أهالي قبائل المنطقة وهم قبائل "الترابين- السواركة- الأخارسة" رافضين للمشروع، ولن يتركوا أراضيهم.


ويوضح فريج، أن الإرهاب يقدم خدمة لهذا المشروع، إذ أنه عمل على تفريغ المنطقة من أهلها بسبب الصدامات التي تحدث بين الأجهزة الأمنية المصرية وبين الإرهابيين، نافيًا أن تكون الدولة تُمهد لإقامة وطن بديل للفلسطينيين، وأن تجريف المنطقة مساعدة للجيش المصري للقضاء على الإرهاب.


كما أنه لا يمكن الربط بين التنازل عن تيران وصنافير وبين الوطن البديل للفلسطينيين، لأن سيناء خط أحمر لأي نظام، فقضية الجزر كانت في إطار تحديد الحدود البحرية، إنما سيناء مصرية ولا يمكن التخلي عنها، بحسب على فريج.


ويضيف، أن الإرهاب سبب توقف مشروعات التنمية في العريش والشيخ زويد، فمن البديهي عدم إقامة مشروعات في قرى ومدن تحت القصف اليومي، والإرهاب سببه إسرائيل وبعض الدول الأخرى التي ساهمت في بذر هذه الفتن داخل الأرض الطيبة. ولكن مدن نخل والحسنة ووسط سيناء وجنوب سيناء تسير فيها معدلات التنمية بشكل كبير.


وهناك في سيناء عدد من مشروعات التنمية، أهمها مشروع جامعة الملك سلمان والذي يُمول من الصندوق السعودي للتنمية، بتكلفة 2،5 مليار دولار، لتكون أكبر جامعة في مصر، إضافة لإنشاء بعض الطرق.


كما يتم تطوير مطار طابا ومطار شرم الشيخ، في إطار خطة الدولة لتنمية سيناء، فضلًا على مشروع محور قناة السويس، لكن كل ذلك مازال في طور "الورق" ولم يخرج إلى النور، كما وأنه في مجمله يصب في جنوب ووسط سيناء، دون الشمال الذي لم يرد ذكره في أي خطط.