رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

كارثة السندات الدولارية

ممدوح الولي
ممدوح الولي


رغم إعلان وزير المالية فى مؤتمره الصحفى الأخير عن السعى لبيع سندات بالخارج بقيمة تتراوح ما بين 2 إلى 2.5 مليار دولار فإذا هو يبيع سندات بنحو 4 مليار دولار ثم يعلن أن حصيلتها ستتوجه لسد عجز الموازنة أى لن تحقق عائد يمكن من خلاله سداد الفوائد، وكان السبب الرئيسى فى تغطية السندات هو الفائدة العالية لها، والتى قال عنها أحد الخبراء الخليجيين أن عوائدها سخية سواء بالمقارنة للسندات المصرية السابقة، أو بالمقارنة مع عوائد سندات سيادية مماثلة من باكستان أو سيرلانكا، وكذلك بالمقارنة لمتوسط عائد السندات السيادية بالأسواق الناشئة.


وكانت مصر قد طرحت سندات مدتها عشر سنوات فى يونيو 2015 بفائدة تقل عن 6 %، بينما كانت فائدة سندات العشر سنوات  فى يناير الحالى 7.6 %، رغم الاتفاق مع صندوق النقد الدولى فى نوفمبر الماضى، والذى قيل ضمن مسوغات تبريره أنه سيعطينا شهادة ثقة يمكن أن نقترض على أساسها من الأسواق الدولية، فكيف تزيد الفائدة بعد شهادة الثقة المزعومة؟


أيضا كان تصنيف مصر حسب وكالة فيتش فى يونيو 2015 B سالب، بينما فى يناير الحالى أصبح التصنيف لنفس الوكالة   B  مستقرة، فكيف تزيد الفائدة مع تحسن التصنيف عند نفس الوكالة؟ بل لقد طرحنا سندات مصرية ببورصة أيرلندا فى نوفمبر الماضى وقبل الحصول على قرض صندوق النقد، بمدد مختلفة منها شريحة مدتها 12 عاما بفائدة 7 %، فكيف تزيد فائدة السندات الأخيرة البالغة 7.6 % و مدتها عشر سندات، عن فائدة السندات المباعة قبلها بشهرين ولمدة زمنية أكبر؟


الفائدة المتحركة كانت أفضل ولأن السندات الجديدة البالغ قيمتها 4 مليار دولار  مقسمة إلى 3 شرائح، إحداها لمدة خمس سنوات وأخرى لمدة عشر سنوات والثالثة ثلاثين عاما، فقد كانت فائدة سندات الخمس سنوات 6.1 %، أى أعلى من فائدة سندات يونيو 2015، ولعل هذا يذكرنا بودائع السعودية بمصر البالغ فائدتها حوالى  2.5% والتى كان كثير من الخبراء يرى فائدتها مرتفعة بالمقارنة لفائدة قروض مؤسسات التمويل الدولية.


أما الشريحة الثالثة ذات الثلاثين عاما فهى تمثل الكارثة الأكبر حيث بلغت فائدتها 8.4 %، أى أن الفائدة ستبلغ 252 % من قيمة السندات البالغة 1.250مليار دولار أى ستصل إلى حوالى 3 مليار دولار.


وعندما يشير مؤشر بلومبرج إلى أن فائدة السندات السيادية بالأسواق الناشئة 9ر4 %، نعرف مدى الغبن الذى تعرضنا له، ومدى المخاطر الموجودة بالاقتصاد المصرى حتى يتم تسعير سنداته بتلك الفائدة المرتفعة.


وهنا تثور تساؤلات عديدة.. لماذا يتم طرح سندات مدتها 30 عاما وبفائدة ثابتة عالية، أليس من المتوقع تحسن الاقتصاد بعد عدد قليل من السنوات بحيث يمكنه الاقتراض وقتها بفائدة أقل؟ ولن نقول تحسنه بعد ستة أشهر باعتباره موعدا مشكوكا فى صحته تماما.


وتزداد الغرابة حين نسمع عن إقلال وزارة المالية مؤخرا من أطروحات سندات الخزانة، وتوسعها فى طرح أذون الخزانة حتى لا تورط نفسها فى عوائد عالية لسنوات طويلة، بعكس الأذون الأقل عمرا والتى لا تزيد مدتها عن السنة، فلماذا تجاهلنا ذلك الأمر البديهى؟


والغريب أن من ضمن السناريوهات التى توقعها صندوق النقد الدولى بتقريره الأخير عن مصر، تراجع نسبة الفائدة إلى 8.5 % بالعام المالى 2021، أى بعد خمس سنوات، فكيف نرتبط بفائدة  8.4 % على قرض دولارى بنفس الفائدة لمدة 30 عاما؟


فلماذا إصدار فائدة مرتفعة ثابتة خلال 30 عاما؟ وكان لدينا تجربة السعودية التى وضعت هامشا يزيد عن فائدة أذون الخزانة الأمريكية، عند إصدار سنداتها فى شهر أكتوبر الماضى، والذى بلغ 1.4% لسندات الخمس سنوات، و1.7 % لسندات العشر سنوات، وهامش 2.15 % لسندات الثلاثين عاما، بحيث تكون الفائدة متحركة وليست ثابتة.


فوائد سلبية لسندات عدة دول

وعندما نقارن فائدة السندات المصرية الأخيرة بفائدة السندات بدول العالم لنفس المدة تزداد الحسرة، ففائدة سندات الخمس سنوات البالغة لدينا 6.1 %، تبلغ 0.6% ببريطانيا  و2 % بالولايات المتحدة  بل أنها سلبية فى ألمانيا بنسبة 0.4 % وسلبية باليابان بنسبة  0.12 %.


أيضا عندما نقارن فائدة سندات العشر سنوات البالغة لدينا 6ر7 % بفائدة السندات لنفس المدة بدول أخرى، نجدها فائدة سلبية فى سويسرا ، كما تصل 06ر0 % باليابان أى أقل من واحد بالألف، ونصف بالمائة بألمانيا و6ر0 % بهولندا و1 % بفرنسا ، و 5ر1 % بإنجلترا و7ر1 % بهونج كونج و8ر1 % بكندا و1ر2 % بكوريا الجنوبية ، و3ر2 % بسنغافورة و5ر2 % بالولايات المتحدة ، و9ر3 % بالبرتغال و8ر6 % باليونان .


أما سندات الثلاثين عاما التى بلغت فائدتها لدينا 4ر8 %، فقد بلغت فائدتها لنفس المدة  8ر0 % باليابان أى لم تصل إلى نسبة واحد بالمائة ، و2ر1 % بألمانيا و1ر2 % ببريطانيا و1ر3 % بالولايات المتحدة الأمريكية .


لقد كنا نعترض على  قروض البنك الدولى التى كانوا يبررونها لنا بأن فائدتها حوالى  2ر1 % فقط، وكذلك قروض صندوق النقد الدولى ذات العشر سنوات، التى كانوا يبررونها بكون فائدتها تتراوح بين 5ر1 % الى 7ر1 %، بسبب مخاطر سعر الصرف، وهو ما يوضحه المأزق الذى تعانى منه الشركات المصرية التى اقترضت بدولار يعادل أقل من 9 جنيه مصرى، ومطلوب منها حاليا سداد  القرض  بدولار يعادل حوالى 19 جنيه.


وكنا ومازلنا نقول أن مخاطر سعر الصرف يمكن أن تضاعف تكلفة القرض، بغض النظر عن سعر الفائدة به، فإذا نحن نضيف إلى مخاطر سعر الصرف فائدة عالية سخية لقروضنا عبر السندات  !


المزيد من السندات بالطريق                      

وفى ضوء إعلان صندوق النقد الدولى مؤخرا بلوغ فجوة التمويل المصرية 35 مليار دولارخلال السنوات الثلاثة القادمة ، فإن هذا يعنى الاستمرار فى الاقتراض الخارجى بأشكاله المختلفة  بنحو 12 مليار دولارعلى الأقل سنويا ، بل أن الصندوق يشير الى توقعه زيادة الدين الخارجى لمصر 4ر18 مليار دولاربالعام المالى الحالى ، ثم زيادته بنحو 3ر16 مليار دولاربالعام المالى القادم ، ثم ارتفاعه بنحو 6ر12 مليار دولاربالعام المالى 2018 /2019 .


وهنا يزداد الخطر على الموازنة من تفاقم تكلفة الدين الخارجى والمحلى على حساب الاستثمارات والأجور والدعم  ، ونتذكر عدد من رموز اليساريين الذين  قاموا برفع قضية بمجلس الدولة فى يونيو 2013 ، ضد الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء وعلى وزير المالية ومحافظ البنك المركزى وقتها ، بسبب ودائع قطرية بالبنك المركزى رأوا أنها زادت الدين الخارجى الى  8ر38 مليار دولاروقت القضية.


وطالبوا بوقف قبول تلك الودائع بالبنك المركزى ، فى حين لم يتحركوا مع تخطي الدين الخارجى  الستين مليار دولارفى سبتمبر الماضى ، بل تخطيه السبعين دولارحاليا ، واستمراره فى التزايد خلال الشهور المقبلة.


ومع غياب أى دور للبرلمان الشكلى والإعلام الموالى للنظام الحاكم على طول الخط ، تزداد خطورة إسقاط مصر فى فخ الديون الخارجية ، فى الاقتراض من العديد من الدول والبنوك الدولية والصناديق الاقليمية ، وها هو وزير المالية يعلن عن التخطيط لبيع سندات جديدة بالين اليابانى واليوان الصينى بخلاف السندات الدولارية المقرر بيعها فى يوليو القادم !