رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

ميزان «أوراق الضغط» بين السعودية ومصر.. من الأقوى؟

السيسي وسلمان - أرشيفية
السيسي وسلمان - أرشيفية

كانت الأزمة السورية دائمًا سببًا للخلاف بين مصر والسعودية، خاصة بعد تصويت القاهرة لصالح القرار الروسي الخاص بمدينة حلب السورية، ولكن تلك الخلافات السياسية كانت في الماضي «مكتومة»، وظهرت في الآونة الأخيرة للعلن، ومن المتوقع أن تتصاعد الخلافات بين الدولتين؛ لاسيما أن الرياض تستخدم العديد من أوراق الضغط في محاولة لإجبار القاهرة على تبني مواقفها من القضايا الخطيرة التي تشغل المنطقة العربية، مثل القضية السورية واليمنية، في حين يؤكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على استقلال «القرار الوطني».



وتشهد الفترة القادمة ما يسمى «حرب أوراق الضغط» بين السعودية ومصر، في محاولة من الجانبين لتحقيق انتصار سياسي على حساب الأخر، لكن من المؤكد أن «ميزان القوى» سيميل إلى إحدى الدولتين اللتين كانتا في الماضي «أقوى حليفين في المنطقة العربية».



أوراق الضغط السعودية

تمتلك السعودية كثيرًا من أوراق الضغط؛ لإجبار القاهرة على العودة لـ«حظيرتها السياسية»، وتبني مواقفها السياسية في المنطقة العربية، ومن أهم تلك الأوراق: العمالة المصرية في المملكة، والاستثمارات السعودية في القاهرة، والدعم السياسي للنظام المصري، إضافة إلى الورقة التركية.



العمالة المصرية في المملكة

يوجد في المملكة العربية السعودية أكثر من مليوني عامل مصري يتوزعون على مختلف المهن، ويمثلون عصب العمالة في المملكة، ولهم دور كبير في تطوير المملكة وتعميرها، لذلك لا يستبعد الخبراء أن تستغني الرياض عن تلك العمالة، مستغلة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر، وارتفاع نسبة البطالة فيها.



في الوقت نفسه، يستبعد البعض قيام الرياض باستخدام هذه الورقة؛ نظرًا لحاجتها الشديدة للعمالة المصرية في تنمية المملكة في الفترة القادمة، كما أن المملكة لا تريد أن يصل الأمر إلى معاقبة الشعب المصري كله بسبب سياسات نظام السيسي، كما أنها لا تريد أن تخسر تعاطف المصريين معها؛ لحاجتها إليهم في الوقوف في وجه «التمدد الشيعي» بالمنطقة.  

  

 

الاستثمارات السعودية

يُقدر الخبراء حجم الاستثمارات السعودية في مصر بأكثر من 6 مليارات دولار، حيث تعد السعودية ثاني أكبر مستثمر في الاقتصاد المصري، بخلاف الاتفاقيات التي تم توقيعها بين البلدين خلال زيارة الملك سلمان الأخيرة لمصر، وعلى رأسها جسر الملك سلمان الذي يربط بين المملكة ومصر، وجامعة الملك سلمان في سيناء بتكلفة 300 مليون دولار، وتطوير مستشفى «قصر العيني» بتكلفة 120 مليون دولار، ومحطة كهرباء غرب القاهرة بتكلفة 700 مليون دولار، ومشروع التجمعات السكنية في سيناء، بالإضافة إلى الصندوق السعودي المصري بقيمة 60 مليار ريال سعودي الذي تم الاتفاق عليه أثناء زيارة الملك «سلمان» للقاهرة.



ويشكك الخبراء في إقدام الرياض على استخدام ورقة الاستثمارات للضغط على مصر؛ لأن هذه الاستثمارات يستفيد منها الطرفان، كما أن ذلك يتنافى مع السياسة الاقتصادية الجديدة للمملكة التي تهدف إلى توسيع الاستثمارات غير النفطية من أجل تقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي من مصادر دخل المملكة، فضلا عن أن استخدام ورقة الاستثمارات يجعل السعودية تخسر نفوذها في المنطقة.



دعم السيسي

كانت المملكة العربية السعودية أكبر الداعمين سياسيًا واقتصاديًا لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ اللحظة الأولى لإسقاط جماعة «الإخوان المسلمين»، لذلك يعتبر سحب المملكة لدعمها السياسي للنظام، أحد أوراق الضغط التي يمكن أن تمارسها الرياض على القاهرة.



الورقة التركية

كانت حرب اليمن، وسعي السعودية للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، سببًا كافيًا لتطور ونمو العلاقات بين الرياض وأنقرة؛ خاصة أن الملك «سلمان» يريد أن يجد له حليفًا قويًا لتعويض الجفاء في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة.



ولي العهد السعودي محمد بن نايف بن عبد العزيز، زار تركيا، وقلده الرئيس «أردوغان» وسام الجمهورية، ووقع الجانبان عددًا من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية والسياسية.



كما وقعت شركة «أرامكو» السعودية اتفاقيات لتصدير البترول لتركيا عقب إعلانها وقف إمداد مصر بـ«شحنات النفط» عن شهر أكتوبر، وما تبع ذلك من قيام الرياض باستضافة اجتماع بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووزير الخارجية التركي؛ لبحث تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين الجانبين.



ويرى البعض أن هذه التطورات في العلاقات «التركية - الخليجية»، رسالة تهديد للقاهرة التي ترتبط بعلاقات متوترة مع النظام التركي.



المساعدات المالية

تعد الودائع السعودية، أحد أدوات الضغط التي يمكن للمملكة استخدامها ضد مصر، حيث تمتلك المملكة مليارات الدولارات على شكل ودائع واستثمارات وقروض، وتمثل ودائع المملكة نسبة كبيرة من الاحتياطي النقدي المصري، كما أن مصر تعتمد على المملكة في تزويدها بستة مليارات دولار حتى يمكنها تلبية شروط صندوق النقد الدولي للحصول على القرض البالغ قيمته 12 مليار دولار.



الإخوان المسلمين

رغم إدراج السعودية لـ«الإخوان المسلمين» في «قائمة أولى» للتنظيمات الإرهابية بعد الإطاحة بهم من الحكم في مصر، إلا أن تقارير صحفية كشفت عن وجود تغيير في موقف المملكة من الجماعة منذ وصول الملك «سلمان» للحكم، وظهر ذلك من خلال تعاونها مع «إخوان اليمن» في حربها ضد الحوثيين وصالح، وفي سوريا في حربها ضد نظام الأسد وإيران، كما أن المملكة أصبحت تدرك أن الإخوان يمثلون «حائط صد» قوي أمام النفوذ الشيعي الإيراني في المنطقة.



كما استقبل الملك «سلمان»، الشيخ يوسف القرضاوي في الرياض، ما يثير حفيظة النظام في مصر التي تعتبر الإخوان «العدو اللدود» له.



أوراق الضغط المصرية

تمتلك القاهرة عددًا من «أوراق الضغط»؛ لمقاومة الضغوط السعودية، أهم هذه الأوراق، جزيرتا تيران وصنافير، الورقة الإيرانية، الورقة الروسية، ورقة الحج والعمرة.



تيران وصنافير

تعد جزيرتا «تيران وصنافير»، من أهم أوراق الضغط في يد القاهرة، لاسيما وأن موضوع الجزيرتين ما زال معلقًا حتى الآن؛ خاصة أن مصر لم تسلمهما «رسميًا» للقاهرة؛ بسبب اختلاف الأحكام القضائية حول تبعية الجزيرتين.



ورقة إيران

بعد الأزمة الخاصة بوقف الإمدادات النفطية الخاصة بمصر عم شهر أكتوبر، عرضت إيران مساعدة مصر في المجال النفطي، ما يؤكد التقارير التي تشير إلى وجود تقارب بين مصر وإيران.



وتعد إيران من «أوراق الضغط» المصرية، خاصة أن أنقرة هي «العدو اللدود» للملكة العربية السعودية.



ورقة الحج والعمرة

طالب عدد من الإعلاميين المصريين بمعاقبة المملكة العربية السعودية على وقف إمداد القاهرة بالمواد البترولية عن طريق منع المصريين من الذهاب إلى الأراضي المقدسة؛ لأداء فريضة الحج والعمرة، لتوفير العملة الصعبة لمصر وفي نفس الوقت معاقبة المملكة اقتصاديًا على موقفها.



وطالب أخرون بفتح الباب أمام السياحة الإيرانية في مصر من أجل تعويض وقف المساعدات السعودية والخليجية للقاهرة، إلا أن الكثير من الخبراء يستبعدون استخدام القاهرة لهذه الأوراق لعدة أسباب منها: مخالفتها للشريعة الإسلامية، وأضرارها الكبيرة على الأمن القومي المصري، فالسماح بدخول الشيعة لمصر سيواجه برفض شعبي كبير، إضافة إلى أنه سيئودي لنشوب حرب طائفية في المنطقة، كما أن موقف الأزهر الشريف معروف وثابت وهو رفض فتح الباب للسياحة الإيرانية.  



الورقة الروسية

لاشك أن التقارب العسكري والاقتصادي الروسي المصري في الفترة الأخيرة، يثير  قلق دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، نظرًا للدور الروسي المعادي للمصالح العربية في سوريا واليمن وليبيا، والمساند لسياسات إيران التوسعية في المنطقة.



ويرى خبراء أن التقارب في العلاقات «الروسية - المصرية»، يمثل ورقة ضغط لدى مصر؛ للتخفيف من ضغوط الرياض عليها، خاصة أن تلك العلاقات أصبحت «إستراتيجية»، وبالتالي فمن الصعب أن تتخلى مصر عن تعاونها العسكري والاقتصادي مع روسيا.



ورقة الأسد

تتخذ مصر موقفًا مخالفًا للسعودية فيما يخص الأزمة السورية؛ حيث ترى القاهرة ضرورة الحل السياسي للأزمة في دمشق؛ حفاظًا على مؤسسات سوريا؛ ومنع انهيار الدولة السورية، في حين ترى السعودية ضرورة رحيل «الأسد» بالقوة العسكرية.



ويرى البعض، أن «الأسد» من الممكن أن يكون «ورقة ضغط» مصرية على النظام السعودي؛ خاصة أن الرياض ترى أن الأزمة السورية قد تغير شكل التحالفات السياسية في منطقة الشرق الأوسط.



ويقول السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن الأزمة بين السعودية و مصر ناتجة عن سوء فهم بين الجانبين.



وأضاف «مرزوق»، أن السعودية فهمت خطأ ما ورد على لسان الرئيس السيسي من عبارات مثل «مسافة السكة» و«أمن السعودية هو أمن مصر»، ولم تفهم أن ما يقوله الرئيس هو مجرد مجاملات دبلوماسية.



واستبعد «مرزوق»، إقدام المملكة على القيام بطرد العمالة المصرية، أو سحب الاستثمارات السعودية من مصر، مشيرًا إلى أن العمالة المصرية في السعودية لا «تتسول»، ولكنها تساهم بشكل كبير في بناء الاقتصاد.



وختم «السعودية تتعامل مع مصر بمنطق الكفيل».