رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

العالم السري لحفلات الـ«أكسسة» داخل فيلات الأثرياء

حفلة - أرشيفية
حفلة - أرشيفية

من منا لم يضحك عند سماع مقولة أحمد مكي للزعيم عادل إمام، في أحد الأفلام التي اشتركا فيها سويا «صباح الفجولة اضرب دي وأكسس، هاتخليك زي الضفدع الدكر في موسم التزاوج»، لكن هل سأل أحدنا نفسه، هل لهذا المشهد أساس في الحياة الحقيقية بمصر؟!


الواقعة التي سنقتحم تفاصيلها بعد قليل، تؤكد أن إجابة السؤال السابق هي "نعم"، فهذا المشهد يتكرر يوميا تقريبا، بين شباب، وفتيات الطبقة الراقية، وأبناء كبار المسئولين، الذين اعتادوا على تنظيم حفلات الـ«أكسسة»، التي يتعرى فيها الشباب بعد تناولهم أقراص مخدر «اكستاسي» الشهير، بحبوب «السعادة القاتلة»، صاحبة مفعول النشوة والطاقة والسعادة، وهم يرقصون على نغمات الموسيقى الصاخبة.


مع دخول منتصف الليل، يبدأ مجموعات من الشباب المصري، في التجمع داخل فيلات الأثرياء بالمدن الجديدة؛ للاستعداد لحفلات الـ«أكسسة»، وسط سرية تامة، فلا يتواجد فيها غير شباب الطبقة الراقية، ويتم تشغيل الموسيقى الصاخبة، وتوزع حبوب «إكستاسي» المخدرة خلالها، مع شرب الخمور، لتصل بالحضور إلى النشوة المصحوبة بالطاقة، التي لا يتحملها الكثير من هؤلاء الشباب، وتكون نهايتهم الموت؛ لذلك تسمى حفلات «السعادة القاتلة».  


بداية حفلات الـ«أكسسة»
مع ظهور مخدر «إكستاسي» في أمريكا وأوروبا، بدأ يدمنه شريحة كبيرة من الشباب، خاصة أن مفعول المخدر يعطي مدمنه طاقة مفعمة بالحيوية، تتجاوز جميع المنشطات الكيميائية الأخرى سواء حقن «الماكس»، أو مسحوق «الهيروين» أو «الكوكايين»، فهو يجعل متعاطيه في نشاط مستمر لـ10 ساعات متواصلة، بالإضافة إلى مده بطاقة خارقة، وبعد فترة زمنية قليلة بدأ الشباب الأمريكي والأوروبي من المتعاطين لهذا المخدر، يوظفون طاقاتهم في حفلات الرقص بالملاهي الليلية المليئة بالموسيقى الصاخبة من «الهاوس» و«الترانس»، والتي أصبح لها أيضا انتشار واسع في البلدان المختلفة منها البلدان العربية.


نصيب مصر من الـ«أكسسة»
وخلال السنوات الأخيرة بدأ شباب الطبقة الراقية في مصر، ينظم مثل هذه الحفلات؛ تطبيقًا لمثيلتها في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، خاصة بعد تهريب كميات كبيرة من مخدر«اكستاسي» إلى البلاد، وأطلق عليها الشباب حفلات «الأكسسة»، نظرًا لاسم المخدر الذي يتم تداوله بسهولة كبيرة وسط الحفلات، لكن كانت المشكلة الأكبر لهؤلاء الشباب أن المجتمع المصري المتدين لن يتقبل هذا الأمر، لذلك حرص شباب الطبقة الراقية على أن تكون هذه الحفلات في سرية تامة، تتم داخل فيلات الأثرياء في المدن الجديدة. 


ويتم التسويق لهذه الحفلات بين شباب الطبقة الراقية على جروبات سرية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أو «واتس آب»، للاتفاق على الأماكن الذي سوف تدشن بها هذه الحفلات، ثم يحضر الشباب والفتيات إلى هناك وتبدأ الحفلات بالرقص على الموسيقى الصاخبة، ثم شرب الخمور، وتعاطي مخدر«الإكستاسي» للحصول على الطاقة والحيوية، حتى الوصول إلى النشوة والسعادة، لكن المأساة الكبرى تكون فى أن الكثير من هؤلاء الشباب لا يمتلكون القدرة على تحمل نتائج هذا المخدر، والذي تسبب توقف القلب في الحال نتيجة تعرضه لطاقة كبيرة لا يتقبلها؛ لذلك بدأ يطلق عليها الشباب في مصر حفلات السعادة المميتة.


خريطة حفلات التعري بمصر
هذه الحفلات لها أماكن محددة، فتعتبر المدن الجديدة، خاصة في القاهرة الجديدة والعبور والمنصورية والمعادى والمريوطية، هي الأكثر استقبالا للحفلات، كما أن لها منظمين متخصصين. 


ونظرًا لدرجة السرية يمنع فيها التصوير أو التحدث عنها خارج المجموعات المغلقة للشباب الذي يحضر هذه الحفلات، ومع انتشارها داخل مصر، بدأت تقام داخل اليخوت على ضفاف نهر النيل، بل أن هناك ياختا شهيرا ينظم هذه الحفلات، والتي كانت سوف تحدث فيه كارثة بعد وفاة أحد الشباب بسبب توقف قلبه.


الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فمع انتشار حفلات «السعادة المميتة» أصبح هناك مطربون متخصصون لها، وتحولت إلى حفلات عراة للشباب والفتيات بعد الوصول إلى مرحلة النشوة، كان آخرها الحفلة التي تمت في التجمع الخامس، والمعروفة بحفلة العراة، كما أن هناك «جاردات» للحماية ومنع دخول الغرباء، المفاجأة الأكبر أن بعض هذه الحفلات تتم تحت نظر وسمع رجال الشرطة، الذين يتجاهلون مداهمتهما، نظرًا لتواجد أبناء مسئولين كبار في الدولة بها.


وحسب الإحصائيات الصادرة عن منظمي هذه الحفلات، فهناك أكثر من 50 ألف شاب وفتاة يحضرون هذه الحفلات، من بينهم عدد من الممثلين والمطربين، وتتم النسبة الأكبر بها داخل فيلات بالتجمع الخامس، وتترواح التكلفة ما بين 500 إلى 3000 جنيه للفرد الواحد حسب تكلفة الحفلة، فيما يصل سعر قرص «الإكستاسي» إلى 500 جنيه، وتصل نسبة من يروح ضحيته إلى 64% من مدمني المخدر؛ لذلك يعتبر أخطر أنواع المخدرات جميعها. 


القبض على نجل قيادي بشركة بترول يكشف الأسرار
ونجحت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بفرع ميناء القاهرة الجوى، في القبض على نجل مدير العلاقات العامة بشركة جنوب الوادي للبترول، تخصص في جلب مخدر «اكستاسى» والمعروف بعقار «النشوة» أو «حبوب السعادة القاتلة»، والذي كان يقوم بإدخاله إلى البلاد عن طريق الطرود البريدية ثم ترويجها على الشباب من أبناء الطبقات الاجتماعية الميسورة، مستخدمًا سيارته ماركة مرسيدس "250"، موديل 2012.


بدأت تنكشف الواقعة، عندما وردت معلومات إلى الرائد المدثر خالد، بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات، فرع ميناء القاهرة الجوي، مفادها احتواء طرد بريدي مرسل من دولة بلجيكا عبر البريد المصري إلى أحمد حازم محمد البدري، 24 سنة، طالب، المقيم بمدينة نصر، على كمية من المواد المخدرة التي تم جلبها إلى داخل البلاد؛ لبيعها في سوق الاتجار غير المشروع، فتوجه إلى السلطات الجمركية وقام بتفتيش مشمول الطرد بمعرفة المسئولين بالجمارك، فتبين أنه عبارة عن "لعب أطفال، وكتاب تعليمي، و3 علب حلوى، تحوى بداخلها 1325 قرصا لمخدر«الاكستاسي» المدرج بالجدول الأول لقانون المخدرات".


عقب تقنين الإجراءات، توجه على رأس قوة أمنية إلى العنوان المدون على الطرد للقبض على المذكور، ولكنه لم يستدل عليه، فتتبع حركة الطرد منسقًا مع المسئولين بمكتب البريد الرئيسي المختص بتسليم تلك الطرود، وما أن أخبروه بموعد حضور المتهم؛ لاستلام الطرد عقب استعلامه عنه هاتفيًا حتى ترصده، وما أن حضر وسأل عن الطرد مدليا بتفاصيل بياناته، وحقيقة محل سكنه، فتم ضبطه، وبمواجهته أقر أن ذلك الطرد خاص به، وأنه يحتوي على الأقراص المخدرة، وأنه قصد الخطأ في بيانات اسمه وعنوانه حتى يصعب الاستدلال عليه في حالة ضبط الطرد، وأنه سبق له استقدام طرود مماثلة بذات الطريقة، تحوي كمية من أقراص لمخدر «اكستازي»، و«دي إم دي إيه»، بمسكنه وسيارته، وذلك بقصد الاتجار فيه، وقدم له المتهم آنذاك الهاتف المحمول، ومبلغ مالي 1145 دولارا أمريكيا.


بإجراء التحريات تأكدت صحة ما اعترف به المذكور، فصدر إذن من النيابة العامة لتفتيش سيارته، والتي عثر داخلها على ما يزيد عن 1000 قرص مخدر داخل سيارته، وباصطحاب المتهم إلى مسكنه وتفتيشه عثر بدولاب غرفة نومه على عبوتين من النايلون الشفاف يحويان 410 جرامات من مادة «دي إم دي إيه».


بمواجهة المتهم بالمضبوطات أقر بحيازتها بقصد الاتجار، وبإحالته إلى النيابة العامة قرر أنه تعرف على شخص يدعى مصطفى نصر في هولندا؛ وكان طالبًا لكمية من الحبوب التي يستخدمها الرجال لبناء العضلات في صالات الجيم، وثبت بفحص هاتفه المحمول بمعرفة النيابة العامة، بوجود مراسلات بين المتهم وآخر عبر تطبيق "واتس آب"، تتضمن عرض الأقراص للبيع واتضح من صورها المرسلة عبر التطبيق، أنها مماثلة للأقراص المخدرة المضبوطة، كما تبين أن العقار المرسل عليه الطرد هو العقار المقابل لمحل سكن المتهم.


وبعد انتهاء التحقيق قرر المستشار محمد عبدالشافي المحامي العام لنيابة شرق القاهرة، بإحالة المتهم إلى محكمة استئناف القاهرة، التي حددت الدائرة الخامسة برئاسة المستشار عبد العليم الجندي وعضوية المستشارين شريف عبدالنبي وأحمد هارون، وبأمانة سر سعيد عبد الستار، وعبدالحميد بيومي، ومجدي شكري، والمقرر أن تكون أولى جلسات محاكمته في شهر يناير المقبل.


ما هو مخدر «الإكستاسي»؟
يعتبر «اكستاسي» أخطر أنواع المخدرات على مستوى العالم؛ ويتم تصنيع هذا العقار من مادة مدرجة في جدول المخدرات وهي المادة الأساسية في صنع عقار النشوة، وهي عبارة عن سائل، يمكن تعاطيه عن طريق الحقن أو تحويله هذا إلى مسحوق ثم أقراص أو كبسولات، وبداية من صنعه كانت شركة «ميراك» الألمانية، عام 1954، وكان يتعاطاه المرضى النفسيون، فهو عقار مثير للمشاعر والنشوة والارتياح ومشاعر الدفء ولكنه تم حظره باعتباره عقارًا غير نقي ومميت، ويستمر مفعوله من 6 إلى 8 ساعات متواصلة، وآثاره الأولية تبدأ بعد مرور 20 إلى 40 دقيقة من تعاطيه.


 التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة في الأعوام العشرة السابقة، كشفت أن أقراص «الإكستاسى»، انتشرت بنسبة كبيرة في المجتمعات العربية، ويدمنه الشباب لأنه يسبب النشاط الهستيري، والنشوة ويمس الإحساس والشعور باليقظة والتنبه ويثير مشاعر الفرحة والسعادة داخل الأفراد، لكنه يسبب اضطرابات قلبية وتشنجات وارتفاعا فى درجة الحرارة وتجلط في الدم والجفاف، تؤدي إلى سكتة قلبية لمتعاطيه، بالإضافة إلى تغيرات خطيرة في كيمياء المخ والهوس السمعية والبصرية والحسية، ويتسبب في تدمير خلايا المخ، وخلل في الذاكرة والتسمم، كما أنه ينزع النزوات العدوانية في متعاطيه التي تصل بهم إلى ارتكاب جرائم القتل.


عصابات إسرائيلية تصنع المخدر وتهربه إلى البلاد العربية
منظمة الصحة العالمية حذرت في تقاريرها من تداول هذا المخدر، بل وألزمت العديد من الدول من حظره نظرًا لخطورته الشديدة على الشباب الذي تؤدي إلى موتهم، وكشفت عن أن هناك مافيا كبرى وراء انتشاره؛ حيث كان يصنع في البداية داخل مختبرات بدائية بالمنازل، لكن خلال آخر عشرين دخلت عصابات مافيا دولية في صناعة هذا المخدر لتصنعه داخل مختبرات كيميائية ويكون له خطوط إنتاج كثيفة. 


وأوضحت التقارير أن مدينة أمستردام في هولندا أشهر الدول في تصنيع هذا العقار، بل إن النسبة الأكبر من إنتاجه يتم بها، من خلال شركات إسرائيلية مسئولة عن تسويقه، والذي افتتحت له خطوط إنتاج أخرى في "إنجلترا، وبلجيكا، وقبرص".


 تقارير أخرى كشفت عن كارثة بأن هناك شركة إسرائيلية كبرى تسيطر على 75% من إنتاج وتسويق مخدر «الإكستاسي»، صاحبها يدعى "زيف روسينستين"، وهو المسئول عن انتشار العقار في إسرائيل وأمريكا؛ ولذلك طالبت الولايات المتحدة من إسرائيل تسليمه إليها بسبب تورط شركته في عمليات تهريب لهذا المخدر تقدر بملايين الدولارات، كان آخرها شحنة كبيرة ضبطتها سلطات الموانئ الأمريكية في نيويورك، تحتوى على 2 مليون قرص من مخدر «الإكستاسي» قادمة من إسرائيل.


كما أعلنت منظمة الصحة العالمية أنه تم ضبط بعض مختبرات سرية تصنع مخدر «الإكستاسى» فى جنوب إفريقيا من أجل تصديره إلى دول الشرق الأوسط ومصر، وأن عمليات تهريب هذا المخدر إلى دول الشرق الأوسط ارتفعت بنسبة 32% خلال العشر سنوات الأخيرة.