رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

عفوًا.. «العدادات الكودية» غير متوفرة.. والكهرباء «ضاربها السلك»

الدكتور محمد شاكر
الدكتور محمد شاكر - أرشيفية

خلال الفترة التي تلت ثورة يناير2011، تزايدت المباني المخالفة والعشوائية، بصورة كبيرة، والتي تساهم في التعدي على مرافق الكهرباء، واستعمال «التوصيلات» المخالفة.



وأثرت هذه المباني على الشبكة القومية للكهرباء، وتسببت في حدوث مشاكل كثيرة مثل انقطاع التيار لفترات عن مناطق عدة بالجمهورية، ولذلك سعت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، بالتواصل مع مجلس الوزراء؛ لإيجاد حلول جدية ووضع  شروط وقوانين تساهم في التصدي لسرقة التيار المتزايدة.



ولم تجد وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، مفرًا لحل هذه الأزمة، سوى التعاون مع مجلس الوزراء وبالأخص وزارة الإسكان، لإصدار قرار بمخاطبة شركات توزيع الكهرباء، على مستوى المحافظات، لبدء تركيب «العدادات الكودية»، والحد من سرقة التيار الكهربي التي تكلف الدولة خسائر فادحة.



وبالفعل أصبحت منظومة تركيب العدادات الكودية، للمباني المخالفة متاحة على أرض الواقع، وأكد محمد اليماني، المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أن هذه المنظومة لها العديد من الشروط التي تحدد الموافقة على تركيب العدادات، والتي تتمثل في أن يكون المبنى غير متواجد على أرض ملك للدولة، أو أرض آثرية، وليست أرضًا بحرم الطريق، وكذلك عدم مخالفته لشروط الطيران المدني، ومطابقته للمسافات الآمنة، كما أن العداد من شروط تركيبه أن يكون كوديًا، بحيث يحمل رقما مسلسلا وليس اسم صاحب العقار، وأن يتميز بخاصية الدفع مقدمًا.



كما نفت وزارة الكهرباء والطاقة، أن يكون تركيب العدادات الكودية للحالات المخالفة، له أى سند قانوني للمستهلك، في حال صدور قرار إزالة للعقار، ولا يعد إثباتًا للمواطن بعدم مخالفته قوانين البناء أو في الأدوار، حيث أن العداد لا يحمل اسم صاحب العقار، وإنما يحمل «رقمًا كوديًا مسلسلًا»، وبذلك يصبح وسيلة مؤقتة لحين تصحيح أوتقنين أوضاع المباني المخالفة.



وكشف المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء والطاقة، أن منظومة تركيب «العدادات الكودية» للمباني المخالفة، تعد حماية للمواطن من المساءلة القانونية والغرامات والحبس من جهة، وكذلك تصب فى مصلحة الوزارة، من جهة أخري، حيث أنها تساعد على إعادة الأموال المهدرة لشركات الكهرباء التي يتم سرقتها من خلال «التوصيلات» العشوائية.



وبعد أن توجهت الحكومة الحالية إلى تطبيق منظومة العدادات الكودية، اتضحت حقائق الخسائر التى واجهها قطاع الكهرباء؛ بسبب تجاهل تطبيقها منذ فترة طويلة، وكشف رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك سابقا، الدكتور حافظ سلماوي، أن وزارة الكهرباء تعرضت لخسائر فادحة؛ بسب التعرض المتزايد لسرقة التيار، مؤكدا أن إجمالي الخسائر تصل إلى 4% من إجمالي حسابات الكهرباء سنويًا، في حدود 500 مليون جنيه تقريبا، مضيفا أن الدولة أصبحت تتعامل مع المشكلة على أنها أمر واقع ووضع قائم ومرغمة على تقنين تلك المنظومة ومواجهتها.



وعلى صعيد متصل، أكد محمد السيد، رئيس شركة القناة لتوزيع الكهرباء، أن نسبة الطاقة المهدرة بدون تحصيل من مدن القناة على سبيل التحديد يصل قدرها إلى حوالي 15% وتقدر بحوالي 35 مليون جنيه في الشهر الواحد.



وشدد «السيد» على أن شرطة الكهرباء لم تستطع حصر وضبط كل المخالفات والسرقات، وخاصة بعد التزايد المستمر في المباني المخالفة، مشيرا إلى أن المنظومة ستركب «عدادًا» لكل وحدة سكنية «شقة»، وليس كل عقار بأكمله.



وأوضح محمود رحيم، رئيس شركة شمال القاهرة لتوزيع الكهرباء سابقا، أن تحصيل مبالغ التيار المسروق كانت تأتى عن طريق شرطة الكهرباء التي كانت تحصلها عن طريق عمل محضر مخالفة ويتم تحصيل المبلغ بطريقة «التقدير» تقديرا، مشيرا إلى أن هذه التقديرات من المؤكد أنها لن تكون على قدر كبير من الدقة، وأن شرطة الكهرباء تحصل على نسبة 15% من قيمة المبلغ المحصل.



وبالرغم من أن وزارة الكهرباء والطاقة، أعلنت أخذ موافقة من مجلس الوزراء على بدء منظومة «العدادات الكودية» مسبوقة الدفع، إلا أن العقبة الكبرى جاءت في عدم توافر العدادات بصورة تتناسب مع الطلبات المقدمة من المواطنين والتي تجاوزت 3 ملايين طلب على مستوى الجمهورية، ولم يتم تنفيذ نصف هذه الطلبات على الأقل.



وجاءت تصريحات الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء، عكس الواقع، حيث أكد أن الوزارة لديها أى مشاكل متعلقة بأعداد العدادات الكودية الموجودة بمخازن شركات التوزيع مقارنة بطلبات المواطنين، مشيرا إلى أن الوزارة ليست فى حاجة إلى الاستيراد من الخارج، وتهدف إلى تشجيع المنتج المحلي، مؤكدًا وقف الاستيراد نهائيًا من الخارج.



وفى نفس السياق، التقى وزير الكهرباء، بممثلي الشركات المتخصصة في صناعة العدادات مسبوقة الدفع، والتي يبلغ عددها 3 شركات مصرية، حيث أكد خلال لقائه بهم، أنه يعطى أولوية للمنتج المصري لاعتبارات هامة، منها توفير العملة الصعبة، وفتح فرص عمل جديدة، موضحا أن الوزارة تسعى للتعاقد على 10 ملايين عداد خلال 5 سنوات، ومع ذلك لم يتم حسم مناقصة توريد العدادات والإعلان عن الشركة الفائزة بالمناقصة.



وأكد مصدر بإحدى شركات توزيع الكهرباء، فى تصريح خاص لـ«النبأ»، أن العدادات غير متوفرة بالقدر المطلوب، ويوجد عجز شديد بسبب تزايد طلبات المواطنين عليها، في مقابل عدم وجود صفقات للحصول على العدادات مسبوقة الدفع، باستثناء المناقصات الداخلية التي أبرمها وزير الكهرباء مع المصانع المحلية.



ولم تكن مشكلة نقص «العدادات الكودية»، هي المشكلة الوحيدة التي يعاني منها المواطنون؛ ولكن ظهرت أزمة جديدة تؤرق وزارة الكهرباء، بعد الاعتماد على المنتج المحلي الموجود به بعض العيوب الفنية، ولم يجد وزير الكهرباء حلًا سوى عقد اجتماع برؤساء شركات توزيع الكهرباء، والاستماع لشكواهم، حول جودة العدادات المصنعة محليا، والشكوي من وجود عيوب فى تلك العدادات، وجاء رد الوزير قائلا: «لا أقبل وجود عدادات بمواصفات غير جيدة، مع الالتزام بالتوقيت والفترة المحددة للتوريد».



كما أعلنت «وزارة الكهرباء»، تركيب «عدادات كودية» مسبوقة الدفع في المساجد والكنائس؛ لضبط استهلاك الكهرباء بها، والذي جاء بعد أيام من قرار الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، بعدم ضم أي مسجد للوزارة، إلا بعد إضافة بند ينص على ألا تتحمل الوزارة دفع أي فواتير للكهرباء والمياه، ويلتزم الأهالي بدفع هذه الفواتير، بحسب قرار الضم الصادر من الوزارة بالقرار الوزاري رقم 152، والذي ينص على التزام الأهالي بتوصيل المرافق للمسجد، ودفع فواتير الكهرباء والمياه وغيرها.



وجاءت مبررات وزارة الكهرباء، على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء والطاقة، الدكتور محمد اليماني، الذي أكد أن وزارة الأوقاف لها النصيب الكبير في صدارة الوزارات المديونة لوزارة الكهرباء، وتجاوزت مديونيتها مبلغ مليار جنيه؛ بسبب زيادة الاستهلاك بدور العبادة والمباني التابعة لها.



وأشار «اليماني»، إلى أن نسبة استهلاك التيار الكهربائي المخالف العشوائي تخطت 15% من نسبة الاستهلاك الكلي للشبكة القومية للكهرباء، إضافة إلى خسارة ما يعادل 8 مليارات جنيه سنويًا.



وأضاف محمد اليماني، أن الوزارة لا يمكن أن تتحمل تكاليف التكييفات والسخانات الموجودة بالمساجد، مشددًا على أنه لم يتم دفع أية فواتير من جانب وزارة الأوقاف، رغم استهلاكها كميات ضخمة من الكهرباء.



وشدد «اليماني» على أن الوزارة لم تقم حتى الآن بقطع الكهرباء عن المساجد والكنائس، مشيرا إلى أن الوزارة ستحل الأزمة بتركيب «العدادات مسبوقة الدفع»؛ لتحدد بذلك كميات الكهرباء لكل دار عبادة.



وأوضح محمد اليماني، أن العداد الكودي يتميز بأنه يقلل التيار المستخدم، مشيرًا إلى أن العديد من مساجد القاهرة تشغل أكثر من عشرة أجهزة تكييف فى وقت واحد، موضحًا أن النظام الجديد يساهم فى خفض الأحمال بالمسجد ويلزم القائمين عليه بترشيد الاستهلاك بالدفع المسبق، و به أيضًا جهاز إنذار للتحذير قبل انتهاء الشحن بعدة أيام تجنبًا لانقطاع التيار حال نفاد الرصيد.



وأكد «اليماني» أن النظام الجديد ليس المقصود منه بالفعل قطع التيار الكهربائي عن دور العبادة، ولكن الهدف منه ترشيد الاستهلاك وتخفيض استخدام الأجهزة شديدة الاستهلاك، موضحًا أن «التكييف الواحد» يستخدم طاقة كهربائية بمعدل 4 شقق سكنية متوسطة الاستخدام بها «لمبات» ومروحة وثلاجة وتليفزيون على سبيل المثال.

وأكد مصدر مسئول بوزارة الكهرباء، أنه تم بالفعل تركيب العدادات للمساجد الأهلية، مشيرا إلى أنه لا يستبعد فصل التيار الكهربائي عن المساجد والكنائس بسبب تحفظ الأهالي، وعدم وجود وعي لديهم، لأن ذلك يعد بمثابة سرقة فى نظر وزارة الكهرباء.



وأكدت ميرفت شرف الدين، رئيسة قطاع الخدمات المركزية في وزارة الأوقاف، أن الوزارة وجميع مديرياتها تسدد مستحقات الكهرباء والمياه عن جميع المساجد التابعة للوزارة من خلال الميزانيات المتاحة من وزارة المالية المخصصة لذلك، مشددة على أن الوزارة لم تطلب من الأهالي سداد فواتير المياه والكهرباء عن أي مسجد.



وشددت «شرف الدين» على أنه لم يطرأ أي جديد على نظام سداد الوزارة لمستحقات الكهرباء والمياه الخاصة بالمساجد، لافتة إلى أن جميع الملحقات والسكن الإداري تم التنسيق مع وزارة الكهرباء بسرعة تركيب عدادات مسبقة الدفع لها، حتى لا يتم تحمل استهلاك الأشخاص والجهات المستفيدة بالسكن أو الملحق على المساجد.



ولفتت «شرف الدين» إلى أن عجز وزاة الأوقاف فى تحملها تكاليف منظومة العدادات الكودية يتمثل فى أن عدد مساجد الجمهورية يزيد عن 120 ألف مسجد، الأمر الذي يجعل وزارة الأوقاف عاجزة عن تشغيل هذا القدر من المساجد بالعداد الكودي، موضحة أن الوزارة ليس في ميزانيتها ما يسمح بذلك، الأمر الذى يجعل من تشغيل المساجد بمنظومة العداد الكودي «مستحيلًا».



وأوضحت «شرف الدين» أن ما يثار حول أن الأوقاف لا تلتزم بدفع فواتير كهرباء المساجد لوزارة الكهرباء أمر عار من الصحة، وأن وزارة المالية هي المعنية بإرسال قيمة فواتير كهرباء المساجد إلى وزارة الكهرباء من إجمالى الميزانية الخاصة بالأولى من قبل المالية.



وبعد تزايد تصريحات المسئولين بوزارتي الكهرباء، والأوقاف، التى تؤكد ضرورة تركيب العدادات الكودية للمساجد، والتي أثارت غضب وسخط المواطنين، أكد مجلس الوزراء أن مطالبة الأهالي بدفع فواتير الكهرباء غير صحيحة وتعد شائعة لا أساس لها من الصحة.



وجاء الغريب والمخالف للعادة، دعوات أئمة المساجد والدعاة بضرورة التبرع لصناديق التبرعات المتواجدة بالمساجد، من أجل سداد قيمة استهلاك تيار الكهرباء، وانتشرت تلك الظاهرة فى العديد من المناطق المختلفة.

وتساءل، إمام مسجد فى حوار مع «النبأ» كيف تطالبنا الدولة بدفع فاتورة الكهرباء عن طريق المواطنين، مشيرًا إلى أنه يوجد صندوق تبرعات بالمسجد، ولكن يتم إدخال ما به في الأعمال الخيرية، أو تصليح أعطال المسجد مثل "صنابير المياه، ومكبرات الصوت، والمراوح، وشراء سجاجيد جديدة"، وغيرها من الأمور التى يحتاجها المسجد.



وقال إمام المسجد: العديد من القرى والنجوع بالصعيد وباقي المحافظات المصرية لا يتحصل «صندوق التبرعات» بمساجدها أكثر من 20 جنيهًا في الأسبوع، فكيف يتم دفع فاتورة الكهرباء التي تصل إلى 500 جنيه بتلك المناطق؟.



وبعد اشتعال أزمة فواتير المساجد وتزايد التصريحات المتضاربة، لم تجد وزارة الأوقاف بديلًا عن تهدئة الأوضاع وإصدار تصريحات تساعد على امتصاص غضب الرأي العام، حيث أعلنت الوزارة، أنه لم يصدر أي قرار بصورة رسمية، وأن جميع التصريحات التي تداولتها وسائل الإعلام ليست صادرة بصورة نهائية.