خالد الصاوي.. «الصعلوك العاشق»
زاوية جديدة يمكن أن نرى بها خالد الصاوي؛ التفاصيل مهمة، وإذا دققنا، فسوف نكتشف أننا أمام ممثل مخيف ومفترس أمام الشاشة؛ يعرف متى يبكيك بدمع واقعي جدًا، ويعرف أيضًا كيف يشهر في وجهك سلاح الكوميديا فيضحكك. باختصار، يعرف كيف يبهرك، يدهشك، يأسرك؛ كأنه يدير موهبته بأسلحة وذخائر.
تصدّقه إذا كان ضابطًا أو مهرجًا، شاذًا أو طبيبًا نفسيًا، إذا كان شريرًا أو صعلوكًا على باب الله. قال عنه الراحل الكبير رجاء النقّاش: «فنان موهوب يستحق الاحتضان، صاحب جاذبية كبيرة تفتح له القلوب، تساعده على أن يصدقه كل من يشاهده. ومن المواهب المتعددة لهذا الفنان؛ موبته في القيادة الفنية والفكرية».
خالد الصاوي ممثل غير عادي؛ يقدّم أي دور وأي شخصية. هو مجموعة من الفنانين في فنان واحد. لقّبه الكاتب الكبير صلاح منتصر بـ«الفنانون خالد الصاوي»؛ لأنه يُخرج ويُمثل ويؤلف في المسرح والسينما.. ويكتب الشعر.
هو مغامر جريء، يكسر كل التابوهات، وفوق كل ذلك شخصية مدهشة، والدهشة هي أول التنبه إلى أي معنى جميل. فلما رفض الجميع دور الصحفي الشاذ جنسيًا في «عمارة يعقوبيان»، وافق خالد الصاوي، كسر كل القواعد، لم يخف من تبعات الصورة الذهنية عنه فيما بعد، لم يلتفت إلى النقد، استطاع أن يقدّم الشخصية بشكل مذهل، جعل الجميع يتعاطفون مع شخصية «حاتم رشيد» الصحفي الشاذ؛ الذي وقع ضحية لظروف مجتمعية قاسية.
لكن عندما قدّم شخصية «بلعوم» في فيلم «كباريه» كانت الأكثر إدهاشًا، أدى هذه الشخصية بطريقة مستفزة فنيًا، في حركاته، ملامحه، اندماجه، كأنه يقول لنا: «أنا حوت تمثيل»؛ ربما لأنه ابن خشبة المسرح التي لا يخرج منها إلا حيتان وجبابرة تمثيل مثله.
قدّم «الصاوي» العديد من البطولات المنفردة في حياته، لكن هذا العام، يعزف منفردًا في مسلسل «الصعلوك»، بعيدًا عن صراع الدعاية والإعلانات. يجسّد دورًا ثقيلًا لا يلعبه ولا يتقنه إلا من له خبرة كبيرة في هذه المهنة، لا يقوى أي ممثل أن يصل إلى أعماق شخصية «محروس أبو خطوة».
«محروس أبو خطوة»، هو «الصعلوك»، رجل زاهد، لا يريد شيئًا من الحياة، يكتفي بالقليل، يخدم أهل منطقته. هي شخصية لها تركيبة معقدة، مختلفة، يلعبها «الصاوي» بحرفنة، كل شيء في الشخصية له مدلول؛ «طريقة الكلام» تنم عن فطرة، «حركة المشي» تدل على شقاء الزمن الذي استقوى على «أبو خطوة». أداء حِرفي مذهل ممزوج بدموع حارة، تكلل في العديد من مشاهد مسلسل «الصعلوك»، دخل «الصاوي» إلى أعماق الشخصية، تألق في نبرة المحبة والمناجاة في ضريح «العدوي»، أدهشنا، وأبكانا، وأضحكنا أيضًا.
إن خالد الصاوي، بعيدًا عن حسابات المكسب والخسارة، ونجوم «الشباك الأول»، استطاع أن يخلق لنفسه تربة يلعب عليها، يعرض عليها موهبته وتألقه، ويثبت للجميع أنه الفنان الأقوى والأمهر والأثقل.