الذهب يقفز 63% محليًا و73% عالميًا في 2025 ويختتم عامًا استثنائيًا بأداء تاريخي
سجّلت أسعار الذهب في الأسواق المحلية ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 5% خلال تعاملات الأسبوع الماضي، بالتزامن مع صعود سعر الأوقية في البورصة العالمية بنحو 4.5%، مدفوعة بزيادة الطلب العالمي على المعدن النفيس، وتراجع الدولار الأمريكي، وانخفاض مستويات السيولة مع اقتراب نهاية تعاملات عام 2025، حسب تقرير صادر عن منصة «آي صاغة» المتخصصة في تداول الذهب والمجوهرات.
وقال سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة»، إن أسعار الذهب في السوق المحلية حققت قفزة قوية خلال الأسبوع الماضي بلغت نحو 285 جنيهًا للجرام، حيث افتتح جرام الذهب عيار 21، الأكثر تداولًا في السوق المصرية، التعاملات عند مستوى 5790 جنيهًا، قبل أن يختتم الأسبوع عند مستوى 6075 جنيهًا.
وعلى المستوى العالمي، أوضح إمبابي أن سعر أوقية الذهب ارتفع بنحو 194 دولارًا خلال الأسبوع، إذ بدأت التداولات عند مستوى 4339 دولارًا للأوقية، قبل أن تنهي التعاملات عند 4533 دولارًا، بعدما لامست مستوى قياسيًا جديدًا بلغ 4555 دولارًا للأوقية، في واحدة من أقوى موجات الصعود التي يشهدها المعدن الأصفر.
وأضاف أن أسعار الذهب لمختلف الأعيرة في السوق المحلية جاءت على النحو التالي، حيث سجل جرام الذهب عيار 24 نحو 6943 جنيهًا، بينما بلغ سعر جرام الذهب عيار 18 حوالي 5207 جنيهات، في حين وصل سعر الجنيه الذهب إلى نحو 48600 جنيه.
وأشار تقرير «آي صاغة» إلى أن أسعار الذهب في السوق المحلية حققت مكاسب إجمالية منذ بداية عام 2025 بلغت نحو 2335 جنيهًا للجرام، بنسبة نمو تقارب 63%، في حين ارتفعت الأوقية في البورصة العالمية بنحو 1909 دولارات، بما يعادل زيادة قدرها 73%، ليحقق الذهب بذلك أفضل أداء سنوي له منذ عام 1979.
وأرجع التقرير هذا الأداء الاستثنائي للذهب إلى عدة عوامل رئيسية، في مقدمتها الارتفاع الكبير في مشتريات البنوك المركزية العالمية، في إطار سعيها لتقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي وتنويع الاحتياطيات، إلى جانب تصاعد معدلات التضخم على المستوى العالمي، وتوجه البنوك المركزية الكبرى، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، نحو خفض أسعار الفائدة.
وذكر التقرير أن أسعار الذهب سجلت مستويات تاريخية غير مسبوقة خلال الأيام الأخيرة من عام 2025، مدعومة باستمرار الطلب القوي على المعادن النفيسة، وتزايد التوقعات باتجاه تخفيف السياسة النقدية من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فضلًا عن ضعف الدولار وتصاعد التوترات الجيوسياسية عالميًا، إلى جانب تدفقات استثمارية قوية، وهي عوامل دفعت الذهب والفضة لتحقيق مكاسب لافتة خلال الأسبوع الأخير من العام.
وأوضح التقرير أن تراجع الدولار الأمريكي ساهم في تقليص تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب، في وقت حافظت فيه المخاطر الجيوسياسية على قوة الطلب الاستثماري، بينما أدت انخفاضات أحجام التداول خلال عطلات نهاية العام، لا سيما في أسواق آسيا والمحيط الهادئ، إلى تضخيم حدة التقلبات السعرية ودعم الاتجاه الصاعد.
كما عززت مشتريات البنوك المركزية المستمرة، إلى جانب عودة الاهتمام بصناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب (ETFs)، من موجة الصعود الحالية، في ظل اتجاه صناع السياسات النقدية حول العالم إلى تنويع الاحتياطيات، وإقبال المستثمرين على التحوط من المخاطر وتقلبات أسواق الأسهم.
ويستفيد الذهب تقليديًا من تراجع العوائد الحقيقية وضعف الدولار الأمريكي، حيث أسهمت التخفيضات الأخيرة في أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي، إلى جانب إشاراته المستقبلية، في خفض توقعات الفائدة، وتقليص تكلفة الاحتفاظ بالذهب كأصل غير مدر للعائد، ما دعم استمرار المكاسب خلال موسم الأعياد ونهاية العام.
وفي هذا السياق، يرى بنك جولدمان ساكس أن الذهب يمثل أفضل رهان استثماري في أسواق السلع خلال عام 2026، مع توقعات بإمكانية تجاوز الأسعار مستوى 4900 دولار للأوقية، خاصة في حال توسع اتجاه تنويع المحافظ الاستثمارية ليشمل المستثمرين الأفراد، إلى جانب استمرار مشتريات البنوك المركزية.
وأوضح البنك أن الطلب القوي من البنوك المركزية سيظل المحرك الرئيسي لارتفاع أسعار الذهب، متوقعًا استمرار عمليات الشراء بمتوسط 70 طنًا شهريًا خلال عام 2026، بدعم من تصاعد المخاطر الجيوسياسية، ورغبة الدول، لا سيما في الأسواق الناشئة، في تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي.
وأشار التقرير إلى أن خفض أسعار الفائدة الأمريكية المتوقع بنحو 50 نقطة أساس، إلى جانب ضعف الدولار وتراجع العوائد الحقيقية، يعزز جاذبية الذهب كأداة تحوط فعالة، في ظل تصاعد المنافسة الجيوسياسية والتكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين.
كما لفت جولدمان ساكس إلى أن مشاركة المستثمرين الأفراد لا تزال محدودة نسبيًا، إذ تمثل صناديق الذهب المتداولة نسبة ضئيلة من المحافظ الاستثمارية، ما يفتح المجال أمام موجة طلب إضافية قد تدفع الأسعار إلى تسجيل مستويات قياسية جديدة خلال الفترة المقبلة.
وبحسب تقديرات البنك، قد يشهد الذهب تراجعًا مؤقتًا إلى قرب مستوى 4200 دولار للأوقية خلال الربع الأول من عام 2026، قبل أن يستأنف مساره الصاعد، مع إمكانية تسجيل قمم تاريخية جديدة والوصول إلى مستوى 4900 دولار للأوقية بنهاية العام.
وعلى صعيد الاقتصاد الكلي، من المتوقع أن يسهم قطاع الذكاء الاصطناعي في تعزيز الإنتاجية ودعم النشاط الاقتصادي العالمي، بما قد يجنب الاقتصاد الأمريكي الدخول في ركود خلال العام المقبل، إلا أن المخاوف المرتبطة بالأوضاع المالية العامة، واستقلالية الاحتياطي الفيدرالي، وتراجع الاعتماد العالمي على الدولار، مرشحة لإضعاف العملة الأمريكية خلال عام 2026.
وفي هذا الإطار، يرى خبراء اقتصاديون في بنك ويلز فارجو أن الاقتصاد الأمريكي سيظل محرك النمو العالمي خلال عام 2026، وهو ما قد يدعم الدولار نسبيًا ويقوده إلى تحقيق ارتفاع طفيف بنهاية العام، مع توقعات بتداول مؤشر الدولار في نطاق يتراوح بين 98 و102 نقطة.
في المقابل، يعتقد بعض الاقتصاديين أن قوة الاقتصاد الأمريكي قد لا تكون كافية لدعم الدولار، في ظل خفض أسعار الفائدة واستمرار توجهات التنويع العالمي، مرجحين أن ينهي مؤشر الدولار العام بانخفاض يقارب 9%، دون مستوى 100 نقطة، خاصة بعد خفض الاحتياطي الفيدرالي للفائدة بنحو 75 نقطة أساس في النصف الثاني من عام 2025، مع توقع الأسواق، وفقًا لأداة CME FedWatch، تنفيذ ثلاثة تخفيضات إضافية خلال عام 2026.
وقد شكّل الأداء الضعيف للدولار دعمًا قويًا للمعادن النفيسة، حيث ارتفعت أسعار الذهب بأكثر من 65%، والفضة بأكثر من 100% خلال الاثني عشر شهرًا الماضية، حسب التقرير.
ويرى محللون أن البيئة الحالية، التي تتسم بخفض أسعار الفائدة وارتفاع العجز الحكومي، تحد من قدرة الاقتصاد الأمريكي على تحمل معدلات فائدة مرتفعة، ما يفرض ضغوطًا إضافية على الدولار ويعزز جاذبية الذهب كملاذ آمن.
وفي ظل هذه الظروف، وحتى مع استمرار النمو الاقتصادي، يُرجح أن يواصل الاحتياطي الفيدرالي اتباع سياسة التيسير النقدي، وهو ما قد يبقي الضغوط التضخمية مرتفعة ويؤدي إلى تراجع العوائد الحقيقية، بما يزيد من جاذبية الذهب كأصل نقدي وتحوطي، خاصة مع تنامي المخاوف من أزمة مالية أمريكية محتملة.
كما يتوقع محللو الأسواق تراجعًا إضافيًا في قيمة الدولار، في ظل المخاطر المرتبطة بديون الحكومة الأمريكية غير المستدامة، معتبرين أن العملة الأمريكية لا تزال مقومة بأعلى من قيمتها العادلة، وأن مراجعة الأوضاع المالية للولايات المتحدة قد تؤثر سلبًا على نموها الاقتصادي النسبي.
إلى جانب ذلك، يرى بعض المحللين أن تزايد المخاطر السياسية التي تهدد استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي يمثل عبئًا إضافيًا على الدولار خلال عام 2026، خاصة مع اقتراب انتهاء ولاية رئيس المجلس جيروم باول في مايو، وتوقع تعيين قيادة جديدة قد تميل إلى خفض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع.
وفي المقابل، أكد بنك أوف أمريكا أن استمرار الدعم القوي لخفض الفائدة ليس مضمونًا في حال ظل النشاط الاقتصادي قويًا واستمرت الضغوط التضخمية مرتفعة.
وقال مارك كابانا، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأمريكية في بنك أوف أمريكا، إن التكهنات بشأن تغييرات واسعة في كوادر الاحتياطي الفيدرالي لا تزال قائمة، إلا أن غالبية المستثمرين لا يتوقعون في الوقت الراهن تشكل أغلبية واضحة تدعم خفضًا حادًا وسريعًا لأسعار الفائدة.
وعلى المدى الأوسع، تتزايد التوقعات بأن استمرار اتجاه التنويع العالمي بعيدًا عن الدولار سيؤدي إلى تراجع مكانته كعملة احتياط عالمية، وهو اتجاه استفاد منه الذهب، ومؤخرًا الفضة، منذ عام 2022، مع لجوء العديد من الدول إلى تعزيز حيازاتها من المعادن النفيسة.
ومنذ ذلك الحين، واصلت البنوك المركزية شراء ما يقرب من 1000 طن من الذهب سنويًا، مع توقعات بتباطؤ طفيف في وتيرة الشراء خلال العام الجاري لتتراوح بين 750 و900 طن، على أن تحافظ على مستويات قريبة من ذلك خلال عام 2026، بما يدعم استمرار الطلب القوي على الذهب في الأجل المتوسط.



