رئيس التحرير
خالد مهران

حسين إسماعيل يكتب: إضاءات فكر شي جين بينغ الاقتصادي في الخطة الخمسية الـ15 للصين

حسين إسماعيل
حسين إسماعيل

عرف التاريخ كثيرا من القادة العظماء، غير أن العالم لم يعرف إلا القليل من القادة الذين يتمتعون برؤية اقتصادية- سياسية ثاقبة ترتقي إلى مرتبة "النظرية".

ويعتبر الرئيس الصيني شي جين بينغ من القادة الذين قدموا مساهمات نفيسة للفكر الاقتصادي العالمي، ويبز السيد شي غيره كون فكره الاقتصادي ليس مجرد نظريات ومفاهيم وإنما أيضا، والأهم، أنه قد ثبتت نجاعته في الممارسة العملية، إن الإنجازات التاريخية والتغيرات المذهلة للاقتصاد الصيني في العصر الجديد هي برهان عملي على نجاعة فكر شي جين بينغ الاقتصادي ومؤشر عميق على القوة العظيمة لهذا الفكر في الممارسة العملية. يتجلى ذلك في مستهدفات خطة الصين الخمسية الخامسة عشرة.

ومن هنا، فإن دراسة وتحليل فكر شي جين بينغ له أهمية بالغة على المستويين الأكاديمي والعملي، سواء داخل الصين أو خارجها.

الخطة الخمسية الخامسة عشرة للصين

عقدت في بكين من العشرين إلى الثالث والعشرين من أكتوبر 2025، الجلسة الكاملة الرابعة للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني (يشار إليها لاحقا بـ "الجلسة الكاملة"، حيث تداول المشاركون مقترحات اللجنة المركزية للحزب بشأن صياغة الخطة الخمسية الخامسة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، واعتمدوها.

وقد ترأس الاجتماع المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وألقى الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ خطابا مهما، واستمع المشاركون إلى تقرير قدمه شي جين بينغ حول عمل المكتب السياسي، وقاموا بمناقشته، كما قدم شي جين بينغ ملاحظات تفسيرية حول مسودة المقترحات، وفقا لوكالة أنباء ((شينخوا)) في 23 أكتوبر 2025. 

خلال الجلسة الكاملة، تم استعراض وتقييم الإنجازات الرئيسية للتنمية في الصين خلال فترة الخطة الخمسية الرابعة عشرة (2021- 2025)، كما تم تحديد ملامح إستراتيجيات الصين خلال السنوات الخمس المقبلة، وفي مقدمتها الخطة الخمسية الخامسة عشرة للصين (2026- 2030) التي ستكون مرحلة حاسمة لتحقيق التحديث الاشتراكي في البلاد بحلول عام 2035.

ويعد البيان الصادر عن "الجلسة الكاملة"، في الثالث والعشرين من أكتوبر (يشار إليه لاحقا بـ "البيان"، وثيقة مهمة لفهم منطق التنمية في الصين واستشراف مسارها المستقبلي. 

ومن خلاله، يمكن لأي مراقب أن يدرك بوضوح فلسفة الصين التوجيهية وأهدافها ونهجها ومسار تنميتها. هذه الفلسفة المتمحورة حول الإنسان تشكل أساس التنمية الصينية، وتضمن أن تتقاسم الغالبية العظمى من الشعب الصيني ثمار التقدم الاقتصادي والاجتماعي، كما توجه جهودها الخارجية لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.

إن مصداقية الصين، التي تصبح جلية يوما بعد يوم بفضل اتساق أقوالها وأفعالها، هي أساس ثقة الصينيين بالحزب الشيوعي وحكومة بلادهم، كما أنها تجعل الصين، في نظر المستثمرين والشركاء العالميين، واحدة من أكثر القوى استقرارا وقابلية للتنبؤ في العالم.

إن النمو المستقر والسياسات المستقرة والتوقعات المستقرة، هي الرسائل الرئيسية التي نقلها "البيان" إلى العالم. وهذا يكتسب أهمية أكبر من أي وقت مضى في ظل تجدد النزعات الحمائية على الصعيد الدولي. ويمثل هذا التزاما رسميا من الصين كقوة عظمى، واستجابة حازمة لدعوات "فك الارتباط وكسر سلاسل التوريد" وإستراتيجية "الساحات الضيقة والأسوار العالية". لا يقتصر نهج الصين في التنمية على "ضمان رفاهها" فحسب، وإنما أيضا يشمل "السعي وراء خير العالم".

منذ بداية الإصلاح والانفتاح، اتسم مسار التنمية في الصين باستقرار ملحوظ، حيث حافظت كل خطة خمسية على درجة عالية من الاتساق مع سابقاتها.

وهذا بدوره، غرس الاستقرار واليقين في التنمية العالمية. وكما قال الرئيس شي جين بينغ، فإن صياغة الخطط الخمسية علميا وتنفيذها على التوالي، تجربة مهمة في حوكمة الحزب وميزة سياسية بارزة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية.

وتجسد هذه الرؤية جوهر نهج التنمية الطويل الأمد في الصين، الذي ضمن الاستمرارية والاتساق في صياغة سياساته.

قبل بضع سنوات، قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني أن الصين ستحقق التحديث الاشتراكي بشكل أساسي بحلول عام 2035.

ومن المتوقع أنه بحلول عام 2035، ستكون القوة الاقتصادية للصين وقدراتها العلمية والتكنولوجية وقدرات الدفاع الوطني والقوة الوطنية المركبة والتأثير الدولي أقوى بشكل ملحوظ؛ وأن يكون متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مساويا لمتوسط نصيب الفرد في الدولة المتقدمة المتوسطة المستوى؛ وأن يعيش شعبها حياة أفضل وأكثر سعادة؛ وأن يتحقق التحديث الاشتراكي بشكل أساسي. ومن منظور التنمية الوطنية، ستكون فترة الخطة الخمسية الخامسة عشرة حاسمة في هذه العملية.

في هذا السياق، لا مندوحة عن تذكر ما قاله الرئيس شي جين بينغ في كلمته بحفل إحياء الذكرى السنوية الثمانين للمسيرة الطويلة، في الحادي والعشرين من أكتوبر عام 2016، حيث أكد أن الصين حددت تحقيق هدف بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل بحلول وقت احتفال الحزب الشيوعي الصيني بمئويته في عام 2021، وهدف بناء الصين لتصبح دولة اشتراكية حديثة عظيمة من جميع النواحي بحلول الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 2049. 

أسس فكر شي جين بينغ الاقتصادي

أشار شي جين بينغ غير مرة إلى أن الفلسفات تنتج أفعالا، وأن التنمية هي فكرة إستراتيجية وبرنامجية ورائدة، تظهر التفكير والتوجيه والتركيز على التنمية. شرح شي جين بينغ بشكل علمي العلاقة المنطقية بين مفاهيم التنمية الخمسة: تركز التنمية المبتكرة على حل مشكلة محركات التنمية؛ تركز التنمية المنسقة على حل مشكلة التنمية غير المتوازنة؛ تركز التنمية الخضراء على حل مشكلة الانسجام بين الإنسان والطبيعة؛ تركز التنمية المفتوحة على حل مشكلة الارتباط الداخلي والخارجي للتنمية؛ وتركز التنمية المشتركة على حل مشكلة العدالة والإنصاف الاجتماعييين.

وفي عدة خطابات، أكد شي جين بينغ على أن فلسفة التنمية الجديدة تمثل تغييرا عميقا فيما يتعلق بالوضع العام للتنمية في الصين.

في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي، الذي عقد في ديسمبر 2017، تم الكشف بشكل أساسي عن فلسفة التنمية الجديدة التي طرحها شي جين بينغ في عام 2015. وذكر بيان صدر في العشرين من ديسمبر 2017، أن فكر شي جين بينغ حول الاقتصاد الاشتراكي ذي الخصائص الصينية في العصر الجديد يتشكل. وأضاف أن هذا الفكر هو "بلورة نظرية" للممارسة فى الأعوام الخمسة السابقة من دفع تنمية الاقتصاد الصيني و"الثمرة الأخيرة" للاقتصاد السياسي الاشتراكي ذي الخصائص الصينية.

 وباعتباره "أحدث ثمرة" للاقتصاد السياسي الاشتراكي ذي الخصائص الصينية، يعكس هذا الفكر الفهم المتزايد لقوانين التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويوضح المبادئ الأساسية التي يجب التمسك بها في تعزيز التنمية الاقتصادية في العصر الجديد. 

الجدير بالملاحظة هنا، أنه عندما تم طرح فلسفة التنمية الجديدة في عام 2015، سجل الاقتصاد الصيني نموا بنسبة 9ر6% على أساس سنوي، وكان أبطأ معدل نمو سنوي خلال ربع قرن، إذ تحول الاقتصاد الصيني من التركيز على الكم إلى الاهتمام بالجودة. بعد عامين، في المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، أصدر شي جين بينغ استخلاصا مهما مفاده أن اقتصاد الصين ينتقل من مرحلة النمو السريع إلى مرحلة التنمية العالية الجودة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت التنمية العالية الجودة شرطا أساسيا لوضع السياسات الاقتصادية وممارسة المراقبة على الاقتصاد الكلي.

وقد وجهت فلسفة التنمية الجديدة التي تتضمن خمسة مفاهيم تنموية، صياغة مقترحات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني لصياغة الخطة الخمسية الرابعة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية (2021- 2025) والأهداف الطويلة المدى حتى عام 2035.

في الخامس عشر من أغسطس 2020، نشرت دورية ((تشيوشي)) التابعة للجنة المركزية للجزب الشيوعي الصيني مقالة للسيد شي، أكد فيها أن الاقتصاد السياسي الماركسي الذي تقوم عليه الصين، سيستمر في التكيف مع البيئة المحلية والدولية المتغيرة باستمرار، لكن يجب أن يظل حجر الأساس الذي تبني عليه الأمة مستقبلها.

وقال: "لا يمكن أن يكون أساس الاقتصاد السياسي الصيني سوى اقتصاد سياسي ماركسي، ولا يستند إلى نظريات اقتصادية أخرى".

وأضاف أن النموذج الاقتصادي للبلاد كان أحد أعمدة  نظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، والذي لم يوجه التنمية الاقتصادية فحسب، وإنما أيضا عزز أيضا موقف الحزب في الحكم."

 فكر شي جين بينغ الاقتصادي والتنمية الصينية

في الخامس من مارس 2023، أكد شي جين بينغ أن التنمية العالية الجودة هي المهمة الأولى والأهم في بناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل.

وقال خلال حضوره مداولات مع وفد مقاطعة جيانغسو في الدورة الأولى للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني، إنه ينبغي بذل الجهود لتطبيق فلسفة التنمية الجديدة بشكل كامل وصادق على جميع الجبهات، وتحسين التنسيق بين الترقية الفعالة في الجودة مع التوسع المناسب في الكمية في التنمية الاقتصادية.

وأضاف أنه يتعين على الصين تعميق الإصلاح والانفتاح وتحويل نموذج التنمية بثبات لتسريع تشكيل مؤسسات وآليات مستدامة للتنمية العالية الجودة، مؤكدا على أن التنمية في الصين يجب أن تعمل على التعزيز المستمر لشعور الشعب بالرضا والسعادة والأمن.

وقال أيضا إن تسريع الجهود لتحقيق قدر أكبر من الاعتماد على الذات والقوة في العلوم والتكنولوجيا هو المسار الذي يجب أن تسلكه الصين لتعزيز التنمية العالية الجودة. ومن أجل فتح مجالات جديدة وساحات جديدة في التنمية وتعزيز محركات النمو الجديدة ونقاط القوة الجديدة في مواجهة المنافسة الدولية الشرسة، يتعين على الصين أن تعتمد في نهاية المطاف على الابتكار العلمي والتكنولوجي.

وقال شي إن سعادة ورفاه الشعب هما الهدفان النهائيان لتعزيز التنمية العالية الجودة. وأشار إلى أن الحوكمة على المستوى الأساسي وضمان رفاه الشعب أمران حاسمان للمصالح المباشرة للشعب، كما أنهما أساسيان لتعزيز الرخاء المشترك وبناء حياة عالية الجودة.

لقد تشكلت أسس فكر شي جين بينغ الاقتصادي خلال الفترة التي عمل فيها في مواقع مختلفة، حيث اختبر ومارس الحوكمة الاقتصادية على أرض الواقع وعايش ظروف الصينيين.

وقد قال الرئيس شي في أحد خطاباته: "على مدى أكثر من أربعين عاما، عملت في الإدارات على مستويات المحافظة والمدينة والمقاطعة والحكومة المركزية، وكانت أعمال مساعدة الفقراء من المحتويات الهامة لأعمالي دائما، وأكثر ما أنفقت فيه أوقاتي. ذهبت إلى معظم المناطق الأكثر فقرا في الصين، بما في ذلك شنشي وقانسو ونينغشيا وقويتشو ويوننان وقوانغشي والتبت وشينجيانغ."
وفي مقال نُشر في الثالث والعشرين من أغسطس 2023  بالعدد السادس عشر لعام 2023 من مجلة ((تشيوشي))، التي تصدرها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، أكد شي جين بينغ، على أن التحديث الصيني هو الطريق الصحيح الوحيد لبناء الصين دولة قوية وتحقيق نهضة الأمة. وحسب المقال، فإن ثمة عناصر مشتركة بين التحديث الصيني وعمليات التحديث في جميع البلدان، فضلا عن السمات الفريدة للسياق الصيني. غير أن تحويل التحديث الصيني إلى ممارسة ناجحة، يتطلب بذل جهود مضنية لضمان استفادة الجميع من إنجازات التحديث بشكل أكثر عدالة ومنع الاستقطاب.

وحسب المقال، فإن التحديث الصيني هو تحديث لعدد كبير من السكان، وهو الأكبر من حيث الحجم والأصعب. وهو تحديث الرخاء المشترك للجميع، وهو يختلف عن التحديث الغربي. التحديث الصيني هو تحديث التقدم المادي والثقافي والأخلاقي، وتحديث التناغم بين الإنسانية والطبيعة، وتحديث التنمية السلمية. وستسعى الصين جاهدة لحماية السلام والتنمية العالميين في سعيها لتحقيق تنميتها الخاصة، وستقدم مساهمات أكبر للسلام والتنمية العالميين من خلال تنميتها الخاصة."

يتميز فكر شي جين بينغ الاقتصادي بالتماسك والاستمرارية والابتكار، واستنباط الحل من المشكلة، ومقاربة الواقع استنادا إلى الخبرات التاريخية وتجارب الآخرين، مع قدرة كبيرة على التكيف والتعديل.

وعلى سبيل المثال، فإنه عندما عمل أمينا للجنة الحزب الشيوعي الصيني في مقاطعة تشجيانغ بجنوب شرقي الصين، والتي تختلف ظروفها كثيرا عن مقاطعة شنشي بشمالي الصين، طور السيد شي أفكارا جديدة تتلاءم مع ظروف تشجيانغ، باعتبارها مقاطعة اقتصادية قوية في الصين، تتمتع بقدرات اقتصادية ممتازة ولكنها واجهت مخاطر اقتصادية نظامية ومنهجية ضخمة في بداية القرن الحادي والعشرين.

خلال الفترة ما بين عامي 2003 و2004، كانت آفاق التنمية الاقتصادية في تشجيانغ لا تبعث على التفاؤل، وكانت المؤشرات الاقتصادية الصناعية الرئيسية في تشجيانغ متخلفة بشكل ملحوظ عن المستوى العام في الصين، وكان معدل نموها بطيئا.أصبح نقص الأراضي والمياه والطاقة والموارد الأخرى، والمشكلات البيئية ونقص الأكفاء، عوامل رئيسية تقيد التنمية الاقتصادية في تشجيانغ. لذلك، اقترح شي جين بينغ "إستراتيجية الثمانية المزدوجة" لمساعدة مقاطعة تشجيانغ في التغلب على الصعوبات العديدة في ذلك الحين، وإكمال التحول الاقتصادي. كانت لديه البصيرة ليدرك أن ما تعاني منه تشجيانغ "آلام" حتمية لا مفر منها في التحول الاقتصادي والتحديث، وينبغي على تشجيانغ إكمال تحولها الاقتصادي بموقف الولادة من جديد. في يوليو 2003، طرح شي جين بينغ، بعد سلسلة من الدراسات الاستقصائية،  القرار الإستراتيجي المتمثل في "الاستفادة من ثماني مزايا رئيسية وتنفيذ ثمانية تدابير رئيسية" لتوجيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة لمقاطعة تشجيانغ، أي ما يعرف بإستراتيجية الثمانية المزدوجة. وقد علقت كل من الدوائر الأكاديمية والسياسية توقعات كبيرة على "إستراتيجية الثمانية المزدوجة" التي تبناها السيد شي، والتي تمثلت محتوياتها في ما يلي: أولا، تعظيم الاستفادة من المزايا المؤسسية لمقاطعة تشجيانغ، والعمل بقوة على تعزيز التنمية المشتركة لاقتصاد الملكية المتعددة مع الملكية العامة باعتبارالأخير الجسم الرئيسي، والتحسين المستمر لنظام اقتصاد السوق الاشتراكي؛ ثانيا، تعظيم الاستفادة من المزايا الجغرافية لمقاطعة تشجيانغ، والتواصل بشكل استباقي مع شانغهاي، والمشاركة بنشاط في التعاون والتبادلات في منطقة دلتا نهر اليانغتسى، والتحسين المستمر لمستوى الانفتاح الداخلي والخارجي؛ ثالثا، تعظيم الاستفادة من مزايا تشجيانغ في الصناعات المميزة الضخمة، وتسريع بناء قواعد التصنيع المتقدمة، واتخاذ مسار تصنيع جديد؛ رابعا، تعظيم الاستفادة من مزايا تشجيانغ في التنمية الحضرية والريفية المنسقة وتسريع التكامل بين المناطق الحضرية والريفية؛ خامسا، تعزيز المزايا البيئية لمقاطعة تشجيانغ، وجعلها مقاطعة بيئية، وبناء "تشجيانغ الخضراء"؛ سادسا، تعزيز مزايا الموارد الجبلية والبحرية في تشجيانغ، والعمل بقوة على تطوير الاقتصاد البحري، ودفع التنمية السريعة إلى الأمام للمناطق المتخلفة، والسعي لجعل تنمية الاقتصاد البحري والمناطق المتخلفة نقطة نمو جديدة لاقتصاد تشجيانغ؛ سابعا، تعزيز المزايا البيئية لمقاطعة تشجيانغ؛ ثامنا، تعظيم الاستفادة من المزايا الثقافية لمقاطعة تشجيانغ، وتعزيز العلوم والتعليم بنشاط لتجديد شباب المقاطعة، وتعزيز بناء المقاطعة بالأكفاء، وتسريع جعلها مقاطعة ثقافية. 

إن تجربة شي جين بينغ الشخصية الفريدة وتجربته السياسية الثرية ساهمت في بلورة فكره الاقتصادي، فعندما عاش وعمل في مقاطعة شنشي بشمالي الصين في أواخر الستينيات من القرن العشرين، كان على علاقة جيدة مع الفلاحين المحليين والأرض الصفراء، وبالتالي أصبح مصمما على خدمة الناس بكل إخلاص ووضع الأساس لفكره الاقتصادي المتمركز حول الناس.

وساهمت قيادة شي واستكشافاته في العمل الاقتصادي المحلي في مقاطعتي خبي وفوجيان في ولادة فكره الاقتصادي. خلال عمله في فوجيان، واصل طرح فكره الاقتصادي، بما في ذلك الإصرار الدائم على تطوير القوى الاجتماعية المنتجة كاتجاه أساسي للإصلاح والتنمية والإصرار الدائم على التنمية الاقتصادية الموجهة نحو السوق.

وخلال فترة إدارته في تشجيانغ وشانغهاي، تعمقت حكمته العملية، وقدم مفهوم "المياه الصافية والجبال الخصبة هي أصول لا تقدر بثمن.  

شهدت القوة الاقتصادية للصين في السنوات الماضية ارتفاعا تاريخيا، حيث وصل الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى مستوى قياسي بلغ 9084ر134 تريليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 1ر7 يوانات تقريبا حاليا)، أي حوالي 77ر1877 تريليون دولار أمريكي، وفقا لبيانات صادرة عن المكتب الوطني للإحصاءات. وبعد حل مشكلة الفقر المدقع واستكمال بناء مجتمع الحياة الرغيدة على نحو شامل في الموعد المحدد، تقف الصين الآن عند نقطة بداية تاريخية أعلى للتنمية. على مدى السنوات الخمس الماضية، صمدت الصين أمام اختبارات متعددة في عالم سريع التغير، والصدمات الناجمة عن جائحة كوفيد- 19 والانكماش الاقتصادي المحلي، وقامت بحماية حياة وصحة شعبها بشكل فعال. ومنذ بداية الخطة الخمسية الرابعة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعيى في الصين (2021- 2025)، يسير الاقتصاد الصيني قدما على طريق التنمية العالية الجودة.

على مدى السنوات الثلاث الماضية، وفي مواجهة الوباء الذي يحدث مرة واحدة كل قرن، كانت الصين أول اقتصاد رئيسي في العالم يحقق نموا إيجابيا، حيث تمكنت من تحقيق متوسط نمو سنوي قدره 5ر4%، وهو ما تجاوز بكثير المتوسط العالمي. وقد تم تحقيق إنجازات هائلة في كل من الاستجابة للجائحة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. 

إن الإنجازات التاريخية والتغيرات التاريخية للاقتصاد الصيني في العصر الجديد هي بمثابة مؤشر عميق على التوجيه السليم لفكر شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة في العصر الجديد.  

وفقا لتقرير صادر عن موقع "Business Insider" في السابع عشر من إبريل 2023، ستصبح الصين المحرك الأكبر للنمو العالمي على مدى السنوات الخمس المقبلة، وستساهم بضعف ما تضيفه الولايات المتحدة المتحدة، وفقا لصندوق النقد الدولي. واستنادا إلى حسابات "بلومبرغ" من البيانات الواردة في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في ذات الشهر، فإن حصة الصين من توسع الناتج المحلي الإجمالي العالمي ستبلغ 6ر22%، مقارنة مع 3ر11% للولايات المتحدة الأمريكية. 

وحسب تقرير بعنوان "نحو الحداثة: قيمة فكر شي جين بينغ الاقتصادي"، أصدرته مؤسسة أبحاث الصين الجديدة التابعة لوكالة أنباء ((شينخوا)) في الأول من مارس 2023، فإن الإنجازات التاريخية والتغيرات التاريخية التي شهدها الاقتصاد الصيني في العصر الجديد تمثل مؤشرا عميقا على القوة الكبيرة لفكر شي جين بينغ الاقتصادي عند التطبيق العملي. ويشير التقرير إلى أنه بالتزامن مع دخول الصين مرحلة جديدة من التنمية، يزداد تعقيد وخطورة الوضع الدولي، وتزداد الصعوبة والمشقة في مهمة الإصلاح، وتزداد ضرورة ثبات الدولة في اتباع توجيهات فكر شي جين بينغ الاقتصادي، الذي يعد العامل الأساسي لكي يمضي الاقتصاد الصيني قدما في مرحلته الحالية وفي المستقبل.

وحسب التقرير، فإن فكر شي جين بينغ الاقتصادي ينطلق من التناقض الرئيسي الذي يواجه المجتمع الصيني، وينسق الاحتياجات والرغبات، ويركز على "حياة أفضل"، ويرسخ علم الاقتصاد الذي يسعى إلى إسعاد الشعب.

كما ينطلق فكر شي جين بينغ الاقتصادي من نظرية قيمة العمل، وينسق المعاني المزدوجة للاقتصاد والفلسفة بشأن القيمة، ويركز على "الاقتصاد الحقيقي"، ويرسخ علم الاقتصاد الذي يضع أساسا ماديا أقوى لتجديد الشباب الوطني. واستنادا إلى قوانين علم الاقتصاد والواقع، خلق فكر شي جين بينغ الاقتصادي تضافرا بين الحكومة والأسواق مع التركيز على تحقيق "حوكمة فعالة" وبناء اقتصاد السوق الاشتراكي في العصر الجديد.

وانطلاقا من مرحلة جديدة من التنمية، يخلق فكر شي جين بينغ الاقتصادي تضافرا بين الاقتصاد والمجتمع، وبين البشر والطبيعة، وبين الماديات والثقافة، مع التركيز على تحقيق "تنمية متناغمة" وإرساء السلام لجميع أجيال المستقبل.

كما أن فكر شي جين بينغ الاقتصادي ينطلق من جوهر الاشتراكية، وينسق الكفاءة والنزاهة، ويركز على "الازدهار المشترك"، ويبني المبادئ الاقتصادية التي تسعى إلى تحقيق ازدهار مشترك وعالم منسجم.

انعكاسات فكر شي جين بينغ الاقتصادي على التنمية العالمية

لا يقتصر تأثير فكر شي جين بينغ الاقتصادي على التنمية المحلية في الصين، وإنما يمتد غلى كافة أنحاء العالم.

فمن تنمية الصين إلى التنمية الشاملة والمشتركة للبلدان في جميع أنحاء العالم، يعالج فكر شي جين بينغ الاقتصادي الحاجة إلى تنمية البشرية من خلال مجموعة متنوعة من أطر التعاون، وفي مقدمتها مبادرة الحزام والطريق التي تجسد شمول وموسوعية فكر شي جين بينغ الاقتصادي.

على مدى السنوات العشر الماضية، منذ طرح تلك المبادرة، حرص شي جين بينغ دائما على ذكر "الحزام والطريق" في الخطابات والاجتماعات والزيارات التفقدية والرسائل والبرقيات. 

من مزايا فكر شي جين بينغ الاقتصادي أنه يركز على التنمية الخضراء، في وقت بات فيه العالم مهددا بالمخاطر الناجمة عن المشكلات البيئية وتغير المناخ.

في الدورة الأولى لمنتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي التي عقدت في عام 2017، أكد شي جين بينغ على أنه "يجب ممارسة المفهوم الجديد للتنمية الخضراء، والدعوة إلى أسلوب الإنتاج والحياة الأخضر والمنخفض الكربون والدوري والمستدام، وتعزيز التعاون في مجال حماية البيئة، وبناء الحضارة الإيكولوجية، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 بشكل مشترك".

وفي الدورة الثانية لمنتدى لمنتدى "الحزام والطريق" للتعاون الدولي التي عقدت في عام 2019، أكد الرئيس شي مرة أخرى على أنه "يجب الالتزام بمفهوم الانفتاح والأخضر والنزاهة، واتخاذ اللون الأخضر كاللون الخلفي، ودفع بناء البنية التحتية الخضراء والاستثمار الأخضر والتمويل الأخضر، لحماية أرضنا المشتركة التي نعيش فيها على أفضل وجه". 

وقد أطلقت الصين بشكل مشترك مبادرة شراكة التنمية الخضراء لـ "الحزام والطريق" مع أكثر من 30 دولة مشاركة في بناء "الحزام والطريق"، وتم تشكيل أكثر من ثلاثة آلاف مشروع تعاون بحجم استثمار يقارب تريليون دولار أمريكي. 

وحسب تقرير اقتصاديات "الحزام والطريق" الصادر عن البنك الدولي، أدى البناء المشترك لـ "الحزام والطريق" إلى زيادة الدخل الحقيقي للبلدان والمناطق على طول الحزام والطريق بنسبة تتراوح من 2ر1% إلى 4ر3% إضافية، ​وزيادة الدخل الحقيقي العالمي بنسبة تتراوح من 7ر0% إلى 9ر2% إضافية، وزيادة التجارة للدول المشاركة في بناء ​​"الحزام والطريق" بنسبة تتراوح من 1ر4% إلى 2ر7% إضافية، وزيادة الاستثمار الأجنبي بنسبة 5% إضافية، وزيادة​ الناتج المحلي الإجمالي للبلدان المنخفضة الدخل بنسبة 4ر3% إضافية.

وتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2030، سيولد البناء المشترك لـ "الحزام والطريق" فوائد​ ​إضافية تبلغ 6ر1 تريليون دولار أمريكي سنويا، مما يعني زيادة إضافية بنسبة 3ر1% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي. 

في ندوة الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة لإطلاق مبادرة "الحزام والطريق"، أكد السيد شي جين بينغ أن البناء المشترك لـ "الحزام والطريق" بمثابة منصة عملية لتعزيز بناء رابطة المصير المشترك للبشرية.

وقال: "هذا مقترح على أساس الإصلاح والانفتاح والتنمية الطويلة المدى في بلادي. إنه يتماشى مع مفهوم الوحدة العالمية الذي تتمسك به الأمة الصينية دائما، ويتوافق مع رؤية الانسجام بين جميع الأمم. لقد ربطت مبادرة الحزام والطريق الدائرة الاقتصادية لآسيا والمحيط الهادئ في الشرق، والدائرة الاقتصادية الأوراسية في الغرب، والدائرة الاقتصادية الأفريقية في الجنوب، وترتبط ارتباطا وثيقا بالقارة الأمريكية. 

ولمواجهة التحديات العالمية والسعي لتحقيق التنمية المستدامة، فغن فكر شي جين بينغ الاقتصادي يعزز بناء رابطة المصير المشترك للبشرية.

فقد قال الرئيس شي في كلمته للاجتماع الرفيع المستوى لحوار الحزب الشيوعي الصيني مع الأحزاب السياسية العالمية في عام 2017 إن البشرية تقف أمام اختيارين؛ أحدهما هو المنافسة الشرسة أو حتى الصراع المسلح على السلطة والمصلحة الذاتية، وهو ما قد يؤدي إلى أزمة كارثية، والآخر هو أن نواكب تيار العصر ونرقى إلى مستوى التحديات من خلال التعاون العالمي، مضيفا أن "هذا سيخلق بدوره ظروفا مؤاتية لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية. 

يجسد فكر شي جين بينغ الاقتصادي المساعي القيمة النموذجية للبشرية، مؤكدا على تعزيز رفاه الشعوب والتنمية البشرية الشاملة كنقطة بداية ونهاية للنمو الاقتصادي، مما يعكس الطموح المشترك للبشرية لحياة أفضل. إن العصر الجديد ينتج أفكارا جديدة، والأفكار الجديدة توجه الممارسات الجديدة. ويعد فكر شي جين بينغ الاقتصادي بوصلة أساسية ودليل عمل للعمل الاقتصادي الجيد. 

يتميز فكر شي جين بينغ بالتماسك والاستمرارية والابتكار، واستنباط الحل من المشكلة، ومقاربة الواقع استنادا إلى الخبرات التاريخية وتجارب الآخرين، مع قدرة كبيرة على التكيف والتعديل. إن فكر شي جين بينغ الاقتصادي، والذي ينطلق من الواقع الاقتصادي للصين والعالم، ويمتحور حول الناس ويقدم رؤية عالمية موسوعية، يمثل أحدث الإنجازات النظرية لتكييف الاقتصاد السياسي الماركسي مع السياق الصيني واحتياجات العصر. ويطرح فكر شي جين بينغ الاقتصادي بشكل إبداعي سلسلة من الأفكار المبتكرة والإستراتيجيات الجديدة ذات الخصائص التاريخية المميزة، مما يثري ويطور المنظومة النظرية للاقتصاد السياسي بشكل عام والماركسي بشكل خاص. إن هذا الفكر هو بلورة لأفكار شي جين بينغ التي تطورت من الاستكشاف المتواصل لمسار التنمية الاقتصادية الاشتراكية، ويقدم دليلا سليما للتنمية الاقتصادية العالية الجودة في الصين وبناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل، حيث يتم تطوير الحقيقة واختبارها في الممارسة العملية. ويمكن، من خلال بحث ودراسة فكر شي جين بينغ الاقتصادي، رصد الخلاصات التالية: أولا، أن الأساس النظري لفكار شي جين بينغ الاقتصادي هو الاقتصاد السياسي الماركسي؛ ثانيا، أن فكر شي جين بينغ الاقتصادي هو توارث وتطوير للمنظومة النظرية للاشتراكية ذات الخصائص الصينية؛ أن فكر شي جين بينغ الاقتصادي يعتمد على التقاليد الثقافية الصينية الممتازة، التي تعتبر أن "الإنسان جزء لا يتجزأ من الطبيعة"؛ رابعا، أن فكر شي جين بينغ الاقتصادي يمتص ويستوعب العناصر المفيدة في الاقتصاد الغربي وغيره ويلخص بعمق الدروس المستفادة من تطور الاقتصاد الرأسمالي الحديث.
يجسد فكر شي جين بينغ الاقتصادي جوهر الفكر الصيني، كما أنه يمثل إضافة مرموقة لهذا الفكر الذي يمثل نبراسا ليس للصين فحسب، وإنما للبشرية جمعاء.