وثيقة ملكية الدولة المحدثة.. خارطة طريق جديدة للاستثمار والتنمية المستدامة
في خطوة جديدة ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، تواصل الحكومة المصرية العمل على تحديث وثيقة سياسة ملكية الدولة، والتي تمثل إحدى الركائز الأساسية لإعادة هيكلة دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص في مختلف القطاعات.
ويأتي هذا التحديث استجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، مع التركيز على تحقيق التوازن بين دور الدولة ودور القطاع الخاص، وخلق بيئة استثمارية أكثر مرونة وجاذبية للمستثمرين المحليين والأجانب.
وأكد خبراء اقتصاديون أن الوثيقة المحدثة تمثل خارطة طريق واضحة لتحديد القطاعات التي ستتخارج منها الدولة كليًا أو جزئيًا، مما يفتح المجال أمام القطاع الخاص لضخ المزيد من الاستثمارات وتعزيز فرص النمو والتشغيل.
كما أشاروا إلى أن الوثيقة ستسهم في تحفيز برنامج الطروحات الحكومية، وتدعيم الثقة في الاقتصاد المصري، خاصة في ظل الالتزام بتحقيق الشفافية وتكافؤ الفرص.
ومن المتوقع أن تتضمن النسخة المحدثة آليات لضمان الحوكمة الرشيدة، وتقليص التشابكات المالية بين الجهات الحكومية، بما يعزز من كفاءة إدارة أصول الدولة ويحقق مستهدفات التنمية المستدامة.
تحديث وثيقة ملكية الدولة
وقال مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، إن عملية تحديث وثيقة سياسة ملكية الدولة تأتي في أعقاب 3 أعوام من التطبيق، موضحًا أن الوثيقة ديناميكية بطبيعتها ويُنتظر أن يعكس التحديث التغيرات الجذرية التي شهدها الاقتصاد العالمي والمحلي خلال السنوات الماضية.
وأشار إلى أن الهدف من التحديث ليس مجرد مراجعة شكلية، بل تقييم ما تم إنجازه فعليًا، ومراجعة القطاعات التي ربما وُضع لها طموح زائد، أو تلك التي شهدت طفرة، بما قد يستدعي منح القطاع الخاص مساحة أوسع للعمل؛ أو العكس في قطاعات تظل حاجة الدولة فيها قائمة.
وشدّد «مدبولي» على أن التحديث غير مرتبط بقطاعات استراتيجية بعينها، بمعنى أن القرار لا يستهدف قطاعات محدّدة مسبقًا، بل يعتمد على تقييم شامل لأداء الدولة والقطاع الخاص، لتحديد الدور الأمثل لكل منهما في الفترة المقبلة.
وأوضح أن الحكومة تسعى من خلال هذا التحديث إلى تعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، عبر طرح أو شراكة أو تخارج من بعض الأنشطة، مع الحفاظ على دور الدولة في القطاعات التي تتطلب تدخلًا أو إدارة مباشرة بما يعكس مبدأ الدولة كمالك رأسمال لا كمشغّل مع مراعاة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
التحديات الاقتصادية والاجتماعية
وفي هذا الصدد، قال الدكتور السيد خضر، الخبير الاقتصادي ومدير مركز الغد للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية، إن الحكومة تعمل حاليًا على تحديث وثيقة سياسة ملكية الدولة ضمن خطة شاملة لتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، معتبرًا أن هذه الخطوة تأتي استجابة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، وسعيًا لفتح آفاق استثمارية جديدة تدعم الاستقرار الاقتصادي.
وأضاف «خضر»، أن الوثيقة الجارية مراجعتها -والمقرر الانتهاء منها قبل مارس 2026- تركز على إعادة تقييم دور الدولة في إدارة الأصول، وتحديد الأنشطة الاستراتيجية التي ستظل تحت مظلة الحكومة، مع توسيع مشاركة القطاع الخاص في قطاعات أخرى بما يحقق نموًا مستدامًا.
وأوضح أن زيادة دور القطاع الخاص يُعد عنصرًا أساسيًا في تحسين مستوى الخدمات ورفع كفاءة الإدارة، مؤكدًا أن القطاع الخاص يمتلك قدرات تشغيلية وإدارية أكثر مرونة تساهم في تطوير الخدمات وتعزيز الابتكار، إلا أنه شدد على أهمية وجود تنظيم ورقابة فعالة لتجنب أي ارتفاع غير مبرر في الأسعار.
وأكد «خضر» أن الدولة تسعى لضمان أعلى مستويات الشفافية وحماية العمالة خلال عمليات الخصخصة، عبر وضع قواعد صارمة لإدارة عمليات الطرح، وتقديم خطط تعويض وتدريب مناسبة للعمال، فضلًا عن تشكيل لجان مستقلة لمتابعة الإجراءات وتقييم آثارها الاقتصادية والاجتماعية، وتنظيم جلسات للحوار المجتمعي لضمان مشاركة المواطنين في صنع القرار.
نجاح السياسة الجديدة
من جانبه قال الخبير التنموي الدكتور الحسين حسان، إن وثيقة سياسة ملكية الدولة تمثل تحولًا مهمًا في هيكلة الاقتصاد المصري، مؤكدًا أن الدولة تتجه بخطوات واضحة نحو التخارج من عدد كبير من الأنشطة الاقتصادية وإفساح المجال أمام القطاع الخاص ليتولى قيادة النمو.
وأوضح «حسان» أن الدولة تعتزم الخروج الكامل من 62 نشاطًا اقتصاديًا خلال ثلاث سنوات، تشمل قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات والتشييد، مشيرًا إلى أن هذا التخارج لا يمس المحاصيل الاستراتيجية كالقمح، ولا المشروعات ذات البعد الاجتماعي مثل الإسكان لمحدودي الدخل.
وأضاف أن الأنشطة التي ستتوقف الدولة عن إدارتها تتضمن الاستزراع السمكي والثروة الحيوانية، والصناعات الهندسية والإلكترونية، وصناعات الأخشاب والجلود والمنسوجات، إضافة إلى تجارة التجزئة والفنادق والمطاعم.
وأكد أن الدولة ستحتفظ بدورها في البنية التحتية الكبرى والقطاعات الاستراتيجية التي لا يستطيع القطاع الخاص تغطيتها بالكامل، إلى جانب الخدمات الاجتماعية الأساسية ذات التكلفة العالية والعائد المجتمعي.
وفي حديثه عن أهداف هذا التوجه، أشار إلى أن مشاركة القطاع الخاص ستسهم في رفع كفاءة الإدارة وتحسين الجودة وخفض الأسعار نتيجة المنافسة الطبيعية في السوق، فضلًا عن تقليل الأعباء على الموازنة العامة ووقف خسائر العديد من الشركات الحكومية، مؤكدا أن دخول المستثمرين سيدعم الاقتصاد بتكنولوجيا حديثة واستثمارات جديدة.
ولفت «حسان»، إلى أن عملية التخارج ستتم عبر الطرح في البورصة أو بيع حصص لمستثمرين استراتيجيين أو من خلال عقود الإدارة والتشغيل، موضحًا أن الدولة أنشأت وحدات متخصصة وصندوق مصر السيادي لتقييم وإعادة هيكلة الأصول، في إطار التحول من كونها مشغلًا للاقتصاد إلى مالك لرأس المال فقط.



