رئيس التحرير
خالد مهران

«انتخابات النواب» تواصل تفجير الأزمات بالأحزاب.. استقالة أمينة المرأة بـ«الجبهة الوطنية» في سوهاج

الدكتورة هبة العطار
الدكتورة هبة العطار

قدَّمت الأستاذة الدكتورة هبة العطار، عضو مجلس النواب سابقا، استقالتها من منصب أمين أمانة المرأة بحزب الجبهة الوطنية بسوهاج، وذلك في خطاب مطوَّل إلى الوزير السابق عاصم الجزار، رئيس الحزب.

وتأتي تلك الاستقالة ضمن موجة استقالات شهدتها الساعات الماضية، من أمانة حزب الجبهة الوطنية بسوهاج؛ اعتراضا على تهميش كوادر الحزب بالمحافظة، وخاصة في تمثيل الحزب بالقائمة الوطنية من أجل مصر، والتي تتكون من عدة أحزاب، وتستعد لخوض انتخابات مجلس النواب.

نص الاستقالة

لقد تشرفتُ منذ اللحظة الأولى بأن أكون من المؤسسين الأوائل لحزب الجبهة الوطنية بمحافظة سوهاج، إلى جانب السيد اللواء صلاح شوقي – أمين الحزب بسوهاج، ولفيفٍ من الأمناء النوعيين وأمانات المراكز الذين آمنوا بأن هذا الحزب الوليد يمكن أن يكون منبرًا للوعي الوطني الحقيقي، وصوتًا للمجتمع المصري الذي يبحث عن مسارٍ سياسي نظيفٍ يستعيد للسياسة معناها الشريف، القائم على الفكرة لا المنفعة، وعلى الكفاءة لا الولاء الأعمى.

عملنا بإخلاصٍ وتفانٍ على ترسيخ مبادئ الحزب ونشر فكره بين أبناء سوهاج، وكان هدفنا منذ البداية أن نُقيم تجربة حزبية مختلفة، تُعيد الثقة بين المواطن والسياسة. شاركنا بفاعلية في دعم مرشحي الحزب، خاصة في تجربة انتخابات مجلس الشيوخ، التي كانت اختبارًا لمدى نضج التجربة الحزبية، واستطعنا – بجهودٍ ذاتية وإيمانٍ صادق – أن نمنح الحزب حضورًا مشرفًا في الشارع السوهاجي، وسط تقدير واحترام من المواطنين لما لمسوه من جدية ونزاهة في الأداء.


غير أن ما شهدناه مؤخرًا فى الاستحقاق النيابى ( مجلس النواب )، والذى  مثّل صدمةً لكل من آمنوا بالفكرة وآزروا التجربة منذ بدايتها إذا بلغ التجاوز مداه في اختيار المقعد الوحيد للمرأة بالقائمة الوطنية لحزب الجبهة الوطنية بسوهاج لسيدة من القاهرة، وغاب تمثيل الكوادر النسائية التنظيمية التي خرجت بها ترشيحات الحزب بسوهاج، متجاهلين بذلك خبرة وإسهامات السيدات اللواتي كنّ جزءًا أصيلًا من بنية الحزب على الأرض، وإن كان القانون من حيث الشكل يسمح بهذا، فإنّ المضمون لا ينسجم مع توجهات الشارع السوهاجي ولا يعبر عن إرادة قواعده الحزبية، بل يُكرّس صورة التهميش التي عانى منها الصعيد طويلًا، وكأن تمثيله مجرّد استحقاقٍ قانوني يُستوفى على الورق فقط، بينما الحقيقة أن حتى هذا التمثيل الشكلي لم يحدث، إذ كان من المنطقي أن يكون التمثيل من كوادر الحزب ومن المحافظة ذاتها ممن يمتلكن التواجد الشعبي الحقيقي، والإلمام بطبيعة المحافظة وواقعها ووجدان ومشاكل أهلها، فماذا يعلم أيُّ نائبٍ وافد إلى المحافظة عن نبضها وأحوالها وخصوصيتها المجتمعية؟، ولا أدرى: هل عقمت سوهاج عن إنجاب من يُمثلها من سيداتها الجديرات ؟!

 


لقد بُني الحزب على ركائز واضحة: الشفافية، والنزاهة، واحترام الكفاءة، والإيمان بالوطن فوق الأشخاص، ورفض أي هيمنة للمصالح الضيقة على القرار التنظيمي. وهذه المبادئ التي صدّقناها ودافعنا عنها بكل إخلاص هي ذاتها التي تستوجب اليوم الدفاع عنها من التآكل أو الانتقاء، لأنها جوهر الفكرة التي من أجلها وُلد الحزب، ومصدر احترام الناس له.


وحين يتحول مسار الحزب إلى حساباتٍ شخصيةٍ أو تحالفاتٍ وقتية، ويتوارى صوت المخلصين تحت نفوذ المصالح، يصبح البقاء نوعًا من التواطؤ الصامت مع واقعٍ لا يُشبه البدايات التي نذرنا أنفسنا لها. إنّ العمل العام حين يُفرغ من معناه، وتهتز قيمه، ويُختزل في مجاملاتٍ أو صفقاتٍ، يفقد جوهره الشريف ويصبح عبئًا على الوطن لا أداة لخدمته. وقد تعلّمت من تجربتي السياسية أن الانسحاب بشرفٍ من واقعٍ يثير الاستياء أكرم من البقاء فيه على حساب المبدأ، وأن السكوت عن تجاوز القيم التي تأسس عليها الحزب في بدايته هو شكلٌ من أشكال المشاركة فيه، وهو ما أرفضه تمامًا.

ومن منطلق قناعتي الثابتة بأن السياسة وعي ومسؤولية، لا تجارة بالمواقف ولا تسلق على حساب المبادئ، أتقدّم إلى سيادتكم باستقالتي من منصبي كـ أمينة المرأة بحزب الجبهة الوطنية بمحافظة سوهاج، محتفظةً بكل التقدير للقيادات الوطنية الصادقة والزملاء الشرفاء الذين ما زالوا مؤمنين بأن العمل الحزبي رسالة وطنية قبل أن يكون موقعًا تنظيميًا، فلقد منحتُ هذا الحزب من وقتي وجهدي وإيماني ما استطعت، وكنتُ أراه مشروعًا وطنيًا يستحق الدعم والبذل، لكنني لا أقبل أن أكون شاهدًا على تراجع قيمه أو تغييب ضميره. واليوم، وأنا أقدّم استقالتي، أفعل ذلك مرفوعة الرأس، مطمئنة الضمير، لأنني اخترت المبدأ على المقعد، والكرامة على الصمت، والوطن على الحزب.

وفي الختام، لا يفوتني أن أتقدّم بخالص الشكر والتقدير إلى القيادات الوطنية والجهات الداعمة للحزب التي آمنت بمفهوم العمل العام الشريف، وقدّرت جهود أبناء المحافظات في بناء كيانٍ وطنيٍّ حقيقيّ، راجيةً أن يظل الحزب وفيًا لضميره الوطني، صادقًا مع قواعده، مخلصًا لوطنه. وستظل سوهاج رمزًا للكرامة والوعي، لا تغيب عنها الأصوات الحرة مهما حاول التهميش أن يصمتها.