تنمر أم وجهة نظر؟.. القصة الكاملة لغضب «السوشيال ميديا» من أغنية «أنا بشحت بالجيتار»

تحولت أغنية «أنا بشحت بالجيتار» إلى واحدة من أكثر المواد إثارة للجدل خلال الفترة الأخيرة، بعدما انتشرت بشكل ساخر على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أثار موجة من التعليقات والتنمر على الشباب الذين يحملون أي آلة موسيقية في الشارع.
بدأت القصة بشكل عفوي عندما خرج الموزع الموسيقي والملحن علي رؤوف مع أصدقائه في وقت متأخر من الليل وارتجل جملة: «أنا بشحت بالجيتار عايز 5 جنيه علشان ربنا»، وتم تصويرها ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
انتشرت الأغنية كالنار في الهشيم، وجعلت البعض يتعامل مع العزف في الشارع باعتباره مادة للضحك والسخرية وأن حامله يسعى للتسول.
التنمر يهدد الموسيقيين الشباب
أعرب الدكتور محمد عبدالله، عضو مجلس إدارة نقابة المهن الموسيقية، عن استيائه الشديد من حملة التنمر المنتشرة على العازفين في الشوارع، مؤكدا أن هذا السلوك أثر حتى على فتيات يدرسن الموسيقى.
وقال «عبدالله»، في منشور له على «فيس بوك»: «أفادني صديق مقرب بأن ابنته التي اعتادت التردد على مركز لتعليم العزف على آلة الجيتار ثلاث مرات أسبوعيا، قد اضطرت إلى التوقف عن ذلك إثر تداول مقطع مصور لأحد الموزعين الموسيقيين يظهر فيه ممسكًا بالجيتار مرددًا عبارة: «أنا بشحت بالجيتار»، وترتب على انتشار هذا المقطع أن تعرّضت الفتاة أثناء حملها لآلتها لبعض العبارات الجارحة من قبل المارة، تحمل في طياتها سخرية واستهزاء وازدراء، من قبيل: «إنت رايحة تشحتي بالجيتار؟».
وأشار محمد عبد الله، إلى أن هذا الموقف دفع الفتاة إلى وقف حضورها للتدريب؛ لأنها لم تعهد سماع مثل هذه العبارات من قبل وأنها شعرت بوطأة التجربة على نحو دفعها إلى اتخاذ قرار بوقف حضورها للدروس في الوقت الحالي خشية تكرار تلك المضايقات السخيفة على أن تنتظر فترة من الزمن ريثما يبهت أثر الفيديو المتداول وينصرف عنه الناس.
«ثلاثة إخوات»
في المقابل ظهر نموذجا آخر يعكس الشغف بالفن بعيدًا عن السخرية وهو فريق مكون من ثلاثة إخوات (بنتين وولد) لديهم صفحة شهيرة على «فيس بوك» باسم «ثلاثة إخوات».
قرر الإخوة النزول إلى الشارع لتقديم الأغاني التراثية مثل أغاني عبدالحليم، وأم كلثوم، وعبدالوهاب في مناطق مثل شارع المعز، وسط البلد، والزمالك، مؤكدين أن دافعهم الأساسي هو الشغف واستمداد طاقتهم من تفاعل الجمهور.
وكتب الأشقاء عبر صفحتهم الرسمية على «فيسبوك»: «عارفين إيه اللي بينزلنا من البيت نصور ونغني للناس ونبسطهم ونروح هنا وهنا ونجري علي هناك ونقولهم أن لسه في فن عايش وهايعيش؟ الإجابة هي الشغف، شغفنا وإحنا بنشوف قدام عينينا ناس مشتاقة فعلا لده مشتاقة أنها تسمع، مشتاقة لريحة مفقتدينها الأيام دي، باختصار شديد إحنا بقينا بناخد طاقتنا في الحياة من اللي إحنا بنعملوا ده وهانفضل نعمل ده كتير بإذن الله».
ليس تسولا
من جانبه، قال الدكتور أشرف عبد الرحمن، رئيس قسم النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون، أن مصر لطالما اعتبرت الفن والغناء جزءا أصيلا من تراثها الثقافي، مؤكدا أن حالات التنمر على الموسيقيين الشباب محدودة وأن غالبية المجتمع لا يقبل بمثل هذه التصرفات.
وأضاف «عبد الرحمن» -في تصريحات خاصة لـ«لنبأ»، أن مواقع التواصل الاجتماعي تصخم الأحداث أحيانا ويعيد البعض نشر الأخبار دون التحقق من صحتها ما يؤدي إلى تضخيم الظاهرة.
وأوضح أن الغناء والعزف في الشوارع ليس جديدا على مصر، مشيرا إلى أن الفرق الموسيقية كانت تعزف في الحدائق العامة منذ أيام الملكية.
ولفت إلى أن تقديم الموسيقى في الأماكن العامة يمنح الناس متعة فنية ويساهم في رفع الذوق العام، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة موجودة أيضا في أوروبا، حيث تقدم الفرق عروضها في محطات المترو والحدائق مع وضع صناديق تقدير اختيارية للجمهور بعيدا عن الإلزام بالمقابل المالي.
وشدد الدكتور أشرف عبد الرحمن، على أن استخدام لفظة الشحات غير مناسب لأن الفنان يعرض موهبته طواعية للجمهور.
وعن أغنية «أنا بشحت بالجيتار»، قال «عبد الرحمن»، إن العبارة كان يمكن الاستغناء، مؤكدا أن تقديم العمل الفني بطريقة محترفة يحقق أثر أكبر لدى الجمهور ويبرز موهبة الفنان.
وأشار رئيس قسم النقد الموسيقي بأكاديمية الفنون، إلى قيام أب بمنع ابنته من حمل الألة الموسيقية خشية التنمر، معتبرا أن ذلك تصرف خاطئ وأن كان ينبغي عليه تشجيعها وأن يقول لها أنهم هم المخطيئين.
وأضاف: «أرى أنه من المهم ان تصدر نقابة المهن الموسيقية بيان رسمي يوضح فيه دور الفنان والموسيقي الذي يحمل آلته الموسيقية في الشارع باعتباره رسالة فن راقية ترفع الذوق العام وتوضح ان هذه الممارسات جزء من ثقافة فنية يجب حمايتها ودعمها لا تشويهها أو الربط بينها وبين التسول».
وأشاد «عبد الرحمن»، بتجربة فريق «ثلاثة إخوات»، مؤكدا أن نزولهم للشارع لتقديم الأغاني التراثية تجربة ناجحة حيث يقدمون الأعمال الأصلية بروح العصر دون تحريف ويساهمون في إحياء التراث ورفع الذوق العام بين الجمهور خصوصا بين الشباب بطريقة غير مباشرة وفعالة.
نظرة قديمة
وفي ذات السياق، قال الناقد الموسيقي أحمد السماحي، إن النظرة السائدة لدى البعض تجاه الموسيقى واعتقادهم أن من يعزف في الشارع على الجيتار «بيشحت» هي نظرة قديمة جدا ومرتبطة بالموروث الشعبي حول الآلاتية.
وأضاف «السماحي» -في تصريحات خاصة لـ«لنبأ» أنه حتى يومنا هذا عند زيارة اماكن سياحية مثل الحسين أو قهوة الفيشاوي قد نجد بعض العازفين يحملون عودا ويسترزقون من خلاله لكن ذلك لا يقلل من قيمة الموسيقى فبشكل عام لا شيء أجمل منها سواء شاهدنا شبابا يعزفون على العود أو الجيتار أو البيانو إذ لا شيء أروع من هذا العزف.
وأشار إلى أن لدى بعض الأشخاص فكر متخلف يجعلهم ينظرون إلى الموسيقى نظرة بعيدة تماما عن حقيقتها.
وتابع: «أشارت الدراسات إلى أن الاستماع للموسيقى التي يحبها الشخص يحفز الدماغ على لإفراز مادة الدوبامين ما له أثر إيجابي على المزاج والسعادة وحتى بعض المصحات العالمية تنصح بالاستماع إليها».
وأضاف أن فكرة منع شخص ابنته من حمل آلة العزف في الشارع خوفا من التنمر لاعتقاد البعض أنها تشحت تعكس عقلية سطحية ومتخلفة جدا، معقبا: «لو كانت لديه ابنة موهوبة تعزف على الجيتار فسوف يشجعها على العزف في كل مكان لتسعد نفسها وتسعد من حولها».
واستكمل: «أما الفنان الذي يقدم أغنية مثل “أنا بشحت بالجيتار” فقد يكون يسعى من خلالها لعرض نظرة المجتمع تجاه هذه الحالة لكننا في عام 2025 لا ينبغي أن ننظر إلى الفنان الذي يحمل جيتارا على أنه شحات».
وأضاف «السماحي»، أننا ما زلنا نمتلك موروثا شعبيا قديما يربط بين العزف في الشارع والشحاتة وهذا خطأ كبير، متابعا: «نحن الآن في عام 2025 والنظرة القديمة غير مقبولة».
وأوضح أننا نتمنى أن تغزو الموسيقى الشوارع وخاصة بعد احتفال وزارة الثقافة بيوم الموسيقى المصري في 15 سبتمبر في ذكرى رحيل سيد درويش، مؤكدا أن هذه المبادرة العظيمة تستحق الثناء.
واختتم «السماحي» حديثه قائلا: «أحيي وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو على هذه الفكرة التي تؤكد عظمة مصر حيث تغني جميع محافظاتها في هذا اليوم، وأؤكد أن الموسيقى كانت جزءا من حياتنا منذ القدم كما تشهد على ذلك الآلات الموسيقية المنقوشة على جدران المعابد الفرعونية».
الدكتور أشرف عبدالرحمن

الناقد القدفني أحمد السماحي
