رئيس التحرير
خالد مهران

بعد تصريحات «مدبولى».. هل تجاوزت مصر الأزمة الاقتصادية؟

الدكتور مصطفى مدبولي
الدكتور مصطفى مدبولي

أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، خلال الأيام القليلة الماضية عن تحسن الاقتصاد المصري وتجاوز الأزمة الاقتصادية التي مرت بها البلاد، مشيرًا إلى أن هذا التحسن بدأ ينعكس بشكل إيجابي على حياة المواطنين، ويظهر ذلك في بعض المؤشرات الاقتصادية مثل ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي وزيادة إيرادات السياحة، كما لفت إلى أن هذا التحسن جاء نتيجة للإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة خلال الفترة الماضية.

وفي ظل هذه التصريحات الرسمية، يطرح العديد من المواطنين والمراقبين تساؤلًا مهمًا: هل حقًا مصر قد تعافت من أزمتها الاقتصادية، أم أن التحسن الحالي مجرد فترة استقرار مؤقتة؟، ففي الوقت الذي تشير فيه بعض المؤشرات إلى تحسن نسبي، لا يزال العديد من المصريين يعانون من ارتفاع الأسعار وتآكل القوة الشرائية، مما يثير الشكوك حول استدامة هذا التحسن.

علاوة على ذلك، يظل الاقتصاد المصري يواجه تحديات هيكلية كبيرة مثل ضعف الإنتاجية وارتفاع معدلات التضخم، ما يجعل من الصعب تحديد ما إذا كانت هذه التحسينات مؤشرات حقيقية على تعافٍ اقتصادي دائم أم مجرد نتائج لحلول مؤقتة؟

تحسن مؤقت

وفي هذا السياق، قال محمد إسماعيل، الخبير اقتصادي، إن جزءا كبيرا من هبوط سعر الدولار أمام الجنيه مؤخرًا لا يُعزى لتحسن حقيقي في الإنتاج أو التصدير، بل يرتبط بعوامل مؤقتة مثل تدفق الأموال الساخنة بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وطرح أصول الدولة ضمن برنامج الطروحات، فضلًا عن انخفاض سعر الدولار عالميًا منذ الربع الثاني من 2025.

وأضاف: «هذه الأموال الساخنة، وإن حسّنت الاحتياطي النقدي مؤقتًا، إلا أنها ليست استثمارًا إنتاجيًا طويل الأجل، مما يعني أن استقرار سعر الصرف الحالي قد لا يكون مستدامًا».

وأوضح أنه من الناحية الكلية، تُسجل بعض المؤشرات تحسنًا نسبيًا من خلال تراجع معدلات التضخم السنوي من مستويات قياسية فاقت 30% إلى نحو 18% مؤخرًا، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وتحسن في احتياطي النقد الأجنبي ليتجاوز 45 مليار دولار، وزيادة ملحوظة في إيرادات السياحة، وتحسن جزئي في تحويلات المصريين بالخارج بعد استقرار سعر السوق الموازي.

ولفت إلى أن التضخم انخفض نسبيًا، لكن الأسعار لا تزال مرتفعة جدًا مقارنة بالقدرة الشرائية للمواطن، كما أن الفجوة بين النمو في الإيرادات والنمو في الدخل الحقيقي للمواطن لم تُسد بعد.

وأشار إلى أن الاقتصاد لا يُقاس فقط بالأرقام الحكومية، بل بمدى انعكاسها على حياة الناس، كثير من المصريين لا يشعرون بأي تحسن ملموس، خصوصًا في قطاعات الغذاء، السكن، والمواصلات.

وتابع، أن تصريحات الحكومة تعكس رغبة في تعزيز الثقة والاستقرار، خاصة مع قرب انتخابات مجلس النواب والتوجه نحو المزيد من الشراكات الاستثمارية،  لكن استدامة هذا التحسن مرهونة بعوامل كثيرة، أبرزها: تحفيز الإنتاج المحلي، وتحسين بيئة الاستثمار الحقيقي، لا المضاربي، وضبط منظومة الدعم لتصل إلى مستحقيها دون المساس بالطبقة المتوسطة.

تحسن هش

على الجانب الآخر، قال الدكتور الحسين حسان، الخبير الاقتصادي، إن تحسن سعر الجنيه المصري أمام الدولار هو نتيجة لعدة عوامل مؤقتة وغير دائمة، مشيرًا إلى أن عودة الأموال الساخنة، التي تساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية قصيرة المدى، كانت أحد الأسباب الرئيسية لهذا التحسن.

وأضاف «حسان»، أن الحكومة اتخذت خطوات لإضافة حوافز من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما أدى إلى زيادة العرض من الدولار مؤقتًا، لكن هذا التحسن في سعر الجنيه لا يعكس بالضرورة تعافيًا حقيقيًا وقويًا للاقتصاد المصري، موضحا أن هذا التحسن «هش»، معرض للانخفاض في حال خروج الأموال الساخنة من السوق، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ارتداد العملة بشكل مفاجئ.

وأشار إلى أن الدولار لم يعد يعكس بالضرورة قوة الجنيه المصري في ظل التحديات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد المصري، حيث لا تزال معدلات التضخم مرتفعة بشكل ملحوظ رغم تراجع الأسعار النسبي لبعض السلع، مضيفا أن التحسن النسبي في سعر الجنيه لا يعد مؤشرًا حقيقيًا على استدامة التعافي الاقتصادي، نظرًا لوجود فجوة كبيرة جدًا بين التصريحات الرسمية والتجربة اليومية للمواطن.

وفيما يتعلق بالوضع الاقتصادي العام، ذكر «حسان» أن الاقتصاد لا يزال يعاني من تحديات هيكلية، أبرزها الاعتماد على التمويلات الخارجية وضعف الإنتاجية، مشيرًا إلى أن النمو الاقتصادي لا يواكب احتياجات المجتمع، حيث أن البطالة والفقر لا يزالان يشكلان أعباء ضخمة، مؤكدا أن نسبة الفقر في مصر وصلت إلى 30%، وهو ما يعد مؤشرًا على أن التعافي الحقيقي لم يتحقق بعد.

ولفت إلى أن زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لم تكن كافية، خاصة بعد تركيز الحكومة على الاستثمارات طويلة الأجل، التي لا تزال ضعيفة جدًا. 

كما تحدث عن الوضع في سوق العمل، موضحًا أن هناك تشوهات كبيرة جدًا في سوق العمل، مع ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، ما يعكس تراجع القدرة على خلق فرص عمل تتناسب مع المؤهلات.

وفيما يتعلق بالتحسن في الاحتياطيات النقدية، أكد أن هذا التحسن جاء نتيجة التمويلات الخارجية فقط، وليست نتيجة زيادة الإنتاج المحلي أو الصادرات، مما يشير إلى أن التحسن في الوضع المالي ليس ناتجًا عن قوة اقتصادية حقيقية، بل هو نتيجة إجراءات طارئة.

وفيما يخص المواطنين، أضاف «حسان» أن المواطن المصري لم يشعر بالتحسن الكامل بعد، خاصة مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات، بالإضافة إلى تآكل قيمة الراتب بشكل كبير جدًا، لافتا إلى الضغوط الكبيرة على تكاليف التعليم والصحة والنقل، مما يعكس فجوة واسعة بين التصريحات الحكومية والتجربة اليومية للمواطن.

وأكد أن مصر قد تجاوزت الخطر الأكبر الذي كان يتمثل في شبح الإفلاس أو عجز السداد، إلا أن الخطر الأصغر لا يزال قائمًا، ويحتاج إلى إصلاح اقتصادي شامل وعميق لا يعتمد على مؤشرات ظاهرة أو استثمارات قصيرة المدى.

وشدد على أهمية أن يكون هناك رؤية مكتملة لإصلاح الاقتصاد المصري، تركز على حلول هيكلية عميقة لضمان الاستدامة الاقتصادية، وتوفير فرص عمل حقيقية، وتحسين مستوى المعيشة للمواطن المصري بشكل ملموس.

وأوضح أن هناك بعض الإشارات الإيجابية في مجالات مثل الاستثمارات الخليجية طويلة الأجل، التي أسفرت عن اتفاقات في قطاعات الطاقة والموانئ، بالإضافة إلى الاستقرار النسبي في سعر الصرف، وكذلك تعافي قطاع السياحة. لكن هذه المكاسب لم تترجم إلى تحسين ملموس في حياة المواطن العادي.

كما أكد الدكتور الحسين حسان، على ضرورة أن تسعى الحكومة إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الاقتصادية، وأن تتبنى حلولًا جذرية ومستمرة تعمل على تحسين حياة المواطن المصري بشكل واقعي وملموس، بعيدًا عن الاعتماد على الاستثمارات قصيرة الأجل أو المؤشرات الاقتصادية غير المستدامة.