كيف يساهم الشرود وعدم التركيز في زيادة الإنتاج؟

يقول الخبراء إن الشرود وعدم التركيز الواعي على أي شيء يُمكن أن يُقلل من التوتر ويُحسّن من حدة الإدراك، وهو ما يٌعرف باسم مفهوم استعادة الانتباه الذي طُرح لأول مرة من قِبل عالمَي النفس رايتشل وستيفن كابلان عام ١٩٨٩، وقد وضعا نظريةً مفادها أن قضاء الوقت في الطبيعة يُساعد على استعادة التركيز والانتباه.
واقترحا وجود نوعين مُختلفين من الانتباه: الانتباه المُوجَّه والانتباه غير المُوجَّه ( الشرود )، ويُشير الانتباه المُوجَّه إلى التركيز المُتعمَّد، مثل الدراسة، أو التجول في مكان مزدحم، أو النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ببساطة أي نشاط يُوجَّه فيه انتباه دماغنا نحو مهمة مُحددة.
يحدث الانتباه غير المُوجَّه أو الشرود المقصود عندما لا نحاول التركيز بوعي على أي شيء - بل نسمح للأشياء بأن تجذب انتباهنا برفق دون عناء، تخيَّل الاستماع إلى زقزقة الطيور أو مشاهدة حفيف أوراق الشجر برفق في النسيم، في هذه الحالات، ينحرف انتباهك تلقائيًا دون الحاجة إلى إجبار نفسك على التركيز.
ويُعتقد أننا نعاني من "إرهاق الانتباه" إذا لم نُخصص وقتًا للانتباه غير المُوجَّه، وهذا يُمكن أن يُصعِّب علينا التركيز، بينما تزداد احتمالية جذب المُشتِّتات لانتباهنا.
وقد نواجه في حياتنا اليومية مواقف عديدة قد نعتبرها "مملة"، كما أن لحظات كانتظار الحافلة أو الوقوف في طابور السوبر ماركت، لكن هذه اللحظات المملة أتاحت لعقولنا أيضًا فرصةً للاسترخاء.
والآن، تمنحنا هواتفنا الذكية فرصةً للترفيه المستمر، فتعريض أنفسنا باستمرار لمحفزات مكثفة وجذابة لا يوفر مساحةً ذهنيةً كافيةً لأدمغتنا المنهكة للتعافي، ولكن نظرية استعادة الانتباه تُظهر لنا أهمية تهيئة مساحةٍ للحظات التي تسمح لأدمغتنا "بإعادة ضبط نفسها".
استعادة الانتباه
وكان عالم النفس الأمريكي ويليام جيمس أول من صاغ مفهوم "الانتباه الطوعي" - أي الانتباه الذي يتطلب جهدًا، ومنذ ذلك الحين، دعمت الأبحاث الأفكار الرومانسية حول القوة المُنعشة للطبيعة، حيث أظهرت دراسات عديدة روابط بين قضاء الوقت في الطبيعة وانخفاض مستويات التوتر، وتحسين الانتباه، وتحسن الصحة النفسية، والمزاج، وتحسين الوظائف الإدراكية.
كما تدعم علوم الأعصاب الفوائد المُنعشة للطبيعة، حيث أظهر التصوير العصبي أن نشاط اللوزة الدماغية - وهي الجزء من الدماغ المرتبط بالتوتر والقلق، كما انخفض عند تعرض الناس لبيئات طبيعية، ولكن عند التعرض لبيئات حضرية، لم ينخفض هذا النشاط.
وأيدت دراسات عديدة منذ ذلك الحين النظرية القائلة بأن قضاء الوقت في الطبيعة يمكن أن يساعد في استعادة الانتباه والرفاهية.
ووجدت تجربة عشوائية مُحكمة باستخدام التصوير العصبي للدماغ علامات على انخفاض مستويات التوتر لدى البالغين الذين ساروا لمدة 40 دقيقة في بيئة طبيعية، مقارنةً بالمشاركين الذين ساروا في بيئة حضرية. وخلص الباحثون إلى أن المشي في الطبيعة سهّل استعادة الانتباه.
وأظهرت الأبحاث أن عشر دقائق فقط من التركيز غير الموجه يمكن أن تُحسّن أدائك في الاختبارات المعرفية بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى تقليل إجهاد الانتباه، حتى مجرد المشي على جهاز المشي مع النظر إلى منظر طبيعي يمكن أن يُحدث هذا التأثير المعرفي.