مقابر الحرب في قلب الخرطوم بحري.. حين ضاقت الأرض بالأحياء والأموات

في مشهد يعكس فصول المعاناة العميقة التي عاشتها العاصمة السودانية خلال الحرب، تحوّلت ميادين وساحات عامة في أحياء مدينة الخرطوم بحري إلى مقابر بديلة، دفن فيها السكان موتاهم تحت ضغط العمليات العسكرية وانعدام الحركة والخدمات.
وبين محاولات نقل الرفات إلى المقابر الرسمية وتحديات الواقع الأمني والإداري، يبرز قلق السكان من آثار هذه المقابر العشوائية على مستقبل العودة للحياة الطبيعية في المدينة.
مقابر داخل الأحياء واقع فرضه الخوف والحصار
تحولت ميادين وشوارع داخل حي شمبات وأحياء مجاورة إلى مواقع دفن بديلة، في ظل تعذر الوصول إلى المقابر العامة.
وأكد متطوعون أن دفن الموتى تم في ظروف استثنائية، حيث خشي السكان من القصف أو التعرض للاعتقال خلال التنقل لمسافات طويلة. بعض الأسر دفنت أحبّاءها داخل منازلها، فيما دفنت جثث أخرى في ملاعب ومواقع عامة مثل استاد شمبات ومسرح خضر بشير.
تحديات إدارية وأمنية في نقل الرفات
رغم انتهاء سيطرة قوات الدعم السريع على الخرطوم بحري وعودة الجيش إليها في يناير 2025، لا تزال عملية نقل رفات الموتى معقدة. أفاد مواطنون بأن بعضهم فشل في إتمام الإجراءات الشرطية، بسبب التعقيدات البيروقراطية أو القيود الأمنية، في وقت تستمر فيه جهود المتطوعين بالتنسيق مع الشرطة لجمع البلاغات وتسهيل نقل الجثث.
جثث متروكة ومخاوف صحية
رُصدت جثث متحللة داخل بعض المنازل المهجورة، بما في ذلك جثة لأحد عناصر الدعم السريع، ما يثير مخاوف من تفشي أمراض أو وقوع أزمات صحية.
كما أشار مواطنون إلى حالات دفن مزدوجة في قبر واحد لتفادي البقاء في العراء وقتا طويلا.
شهادات من الميدان
يعقوب أحمد، أحد المتطوعين، أوضح أن أسرا عديدة تطالب بنقل رفات ذويها إلى المقابر العامة. فيما أكد الناشط مصعب الجاك أن إجراءات الشرطة ما زالت تعيق عملية إزالة المقابر من الساحات العامة رغم وجود نوايا طيبة من الجهات المعنية.
عامان من الحرب وانهيار الحياة المدنية
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، تحولت الخرطوم بحري إلى ساحة معارك مفتوحة، ووقعت تحت سيطرة قوات الدعم السريع حتى استعادتها من قبل الجيش السوداني في يناير 2025.
عاشت المدينة فترة من الانهيار التام في الخدمات العامة وشلل شبه كامل في الحركة، ما أجبر السكان على التكيّف مع أوضاع استثنائية، كان من نتائجها اللجوء إلى دفن موتاهم قرب منازلهم.
تحوُّل الساحات العامة إلى مقابر مؤقتة يكشف حجم الكارثة الإنسانية التي خلّفتها الحرب في السودان، لا على قيد الحياة فحسب، بل على كرامة الموتى أيضًا. مع تصاعد جهود إعادة الإعمار، تبرز ضرورة التعامل العاجل مع هذه الملفات الحساسة التي تمسّ كيان المجتمع وقيمه، فالعودة الآمنة للسكان تتطلب بيئة نظيفة وخالية من مآسي الحرب – الظاهرة والمخفية.