رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة في مساجد الأوقاف

النبأ

نشر الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، عبرصفحته على فيس بوك، نص خطبة الجمعة المقبلة داخل مساجد الجمهورية، والتي جاءت تحت عنوان “جبر الخواطر”.

 وننشر خلال السطور التالي نص خطبة الجمعة، والتي جاءت كالتالي:

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، ويقول سبحانه: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فقد جاء الإسلام برسالة جامعة للقيم الفاضلة والمثل العليا، ومن تلك القيم الفاضلة قيمة جبر الخاطر، فهي قيمة تنبئ عن شرف النفس، ورقة القلب، وقد أعلي الله (عز وجل) من شأن هذه القيمة النبيلة، فجعلها صفة من صفاته، تتعلق باسمه تعالي “الجبار”، حيث يقول سبحانه: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ﴾، يجبر الفقر بالغني، والمرض بالصحة، والخوف والحزن بالطمأنينة، ومن دلالات الاسم كما ذكر القرطبي (رحمه الله): المبالغة في الجبر، فهو من جَبَر إذا أصلح الكسير وأغني الفقير، وكان من دعاء نبينا (صلي الله عليه وسلم): “اللهم اغفِر لي وارحَمني واهْدِني واجبُرني وارزُقني”.

كما تجلي الله (عز وجل) على عباده، فجبر خواطرهم، وطيب نفوسهم، فهذه أم سيدنا موسي (عليه السلام) حين تفطر قلبها على ولدها (عليه السلام) خوفــًا عليه، ورده الله (عز وجل) إليها؛ جبرًا لخاطرها، حيث يقول سبحانه: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾، ولما أُخرج نبينا (صلي الله عليه وسلم) من وطنه مكة جبر الله تعالي خاطره، وأوحى إليه في طريقه إلي المدينة قوله (عز وجل): ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾، أي: إلي مكة مرة أخرى.

ويتجلى خلق جبر الخاطر في حياة نبينا (صلي الله عليه وسلم) حينما عاد إلي زوجه السيدة خديجة (رضي الله عنها)، وقد ظن أن شرًا أحاط به، فقالت له تطييبـًا لنفسه وجبرًا لخاطره (صلي الله عليه وسلم): “كلا والله لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ”، وحين لقي نبينا (صلي الله عليه وسلم) جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) منكسرًا لاستشهاد أبيه عبد الله (رضي الله عنه) وتركه عيالًا ودينــًا جبر (صلي الله عليه وسلم) خاطر جابر (رضي الله عنه)، وقال له: “ أفلَا أبشِّرُكَ بما لقيَ اللَّهُ بِهِ أباكَ ؟ … ما كلَّمَ اللَّهُ أحدًا قطُّ إلَّا من وراءِ حجابِه وأحيى أباكَ فَكَلَّمَهُ كِفاحًا (أي: من غير حجاب)، فقالَ: يا عَبدي تَمنَّ عليَّ أُعْطِكَ قالَ: يا ربِّ تُحييني فأقتلَ فيكَ ثانيةً قالَ الرَّبُّ تبارك وتعالَى: إنَّهُ قد سبقَ منِّي أنَّهم إليها لَا يُرجَعون“.

ويضرب لنا نبينا (صلي الله عليه وسلم) أعظم الأمثلة في جبر الخواطر، حينما جاءه فقراء المهاجرين وقالوا له: يا رسول الله، “ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالأُجُورِ، يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، فقال لهم (صلي الله عليه وسلم)َ: أَوَ قدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ما تَصَّدَّقُونَ؟ إنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عن مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ…”

والمتأمل في الشريعة الإسلامية بجد أنها جاءت بجبر خواطر الناس جميعـًا، لا سيما الضعفاء منهم، حيث يقول تعالي: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾، أي: طيب خاطرهما، وأحسن إليهما، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم): “هل تُنصَرون وتُرزَقون إِلا بضعفائكم” ويقول (صلي الله عليه وسلم): “أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ هكذا – وأشارَ بالسَّبَّابةَ والوسطى“، ويقول (صلي الله عليه وسلم): “السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أوِ القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارَ”.

 وحين سئل (صلي الله عليه وسلم): أي الأعمال أفضل؟ قال: “أفضلُ الأعمالِ أن تُدْخِلَ على أخيكَ المؤمنِ سُرورًا أو تقضيَ عنهُ دَينًا، أو تُطْعِمَهُ خُبزًا”، وقال (صلي الله عليه وسلم): “أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا“.

لا شك أن جبر الخاطر قيمة أخلاقية تمتد لتشمل التكافل بين المجتمع كله، فالإسلام لا يعرف الأنانية أو السلبية، وإنما يعرف الإخاء الصادق، ومراعاة مشاعر الناس، وجبر خواطرهم، حيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم): “مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى” ويقول (صلي الله عليه وسلم): “مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ، وَمَن كانَ لَهُ فَضْلٌ مِن زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ لَهُ“.

علي أننا نؤكد أن جبر الخاطر كما يكون بالفعل، فقد يكون بكلمة حسنة، أو بدعاء صادق، أو بنصيحة خالصة، أو بابتسامة طيبة، حيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم): “لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ“، أي: مبتسم مستبشر، كما نؤكد أن جبر الخاطر له تأثير عظيم في تأليف القلوب، ووحدة الصف، وترابط المجتمع.