رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«الحازميون».. قصة أخطر تنظيم إرهابى فى سيناء

حادث مسجد الروضة
حادث مسجد الروضة


نهاية شهر نوفمبر الماضي، أقدم مسلحون مجهولون على ارتكاب أكبر مجزرة شهدتها مصر خلال العقود الأخيرة، عندما هاجموا «مسجد الروضة» بمدينة بئر العبد في شمال سيناء، ما أسفر عن مقتل 311 مصليًا، وإصابة عشرات آخرين.


فور الهجوم الإرهابي، اتجهت كل أصابع الاتهام لـ«تنظيم ولاية سيناء» فرع تنظيم داعش في مصر، والذي استهدف في أوقات سابقة كنائس ومنازل تابعة للأقباط داخل أرض الفيروز، لكن التنظيم لم يتبن أو ينفى قيامه بالهجوم الإرهابي، حتى الآن.


بعد أيام من الهجوم الإرهابي، بثت قنوات على تطبيق «تيلجرام» للتواصل الاجتماعي تسجيلا جرى التقاطه من على أجهزة اللاسلكي قالت إنه للمجموعة التي نفذت هجوم الروضة الإرهابي، موضحة أن من بينهم فهد الأمير، القيادي بتنظيم «داعش».


يتضمن التسجيل أيضًا صوت أبو أسامة المصري، المعروف بـ«أبي سهل»، وهو قيادي بارز بتنظيم داعش ظهر في عدد من الإصدارات سابقا، لكن مع ذلك واصلت كرة الثلج تدحرجها لتتكشف تفاصيل جديدة عن منفذ الهجوم الإرهابي الأخطر في سيناء.


يظهر التسجيل اختلافا بين المتحدثين عندما يسأل أحد قيادات التنظيم الإرهابي أحد منفذي الهجوم: هم صحوات؟ فيرد الآخر: أي شيخ قبوريين وصحوات، فيعيد السائل عليه السؤال مجددا ليجيب منفذ الهجوم الإرهابي: قبوريين شيخ، وهو الوصف الذي يطلقه داعش على الطرق الصوفية في سيناء.


عقب الهجوم عاش التنظيم، بحسب مصادر خاصة، حالة من الصراع بسبب اختلاف قيادات التنظيم الإرهابي حول مشروعية استهداف المصلين، ولجأ لتنظيم جلسات مع مقاتليه غير المقتنعين بالفكرة، ليوضح لهم جواز استهداف محاربي التنظيم.


بحسب مصادر خاصة فإن الفترة الأخيرة شهدت سيطرة ما يعرف بـ"التيار الحازمي" على تنظيم ولاية سيناء وهو التيار الذي ينسب للداعية السعودي أحمد بن عمر الحازمي، ويتميز بتبني أطروحات مغالية في قضايا التكفير، ولا يقبل أصحاب هذا الفكر مبدأ العذر بالجهل رغم أنه قاعدة شرعية معتبرة في الإسلام.


داخل اللجنة المفوضة وهي أكبر لجنة تدير تنظيم داعش من سوريا، كان هناك عدد من الأعضاء ينتمون للفكر «الحازمي» من بينهم قيادي إرهابي يعرف بعبد الناصر العراقي، وهو المسئول عن تعيين والي سيناء الجديد أبوهاجر الهاشمي الذي تولى المنصب خلفا لأبي دعاء الأنصاري الذي قتل في هجوم للقوات الجوية المصرية خلال العام الماضي.


نتج عن سيطرة التيار الحازمي الذي يعده بعض الباحثين تنظيما إرهابيا مغايرا أخطر من داعش نفسه، تولية عدد من القيادات الإرهابية لمناصب حساسة في تنظيم داعش من بينهم أبوحمزة القاضي "محمد سعد الصعيدى" أحد المنتمين لمدينة رأس سدر التابعة لمحافظة جنوب سيناء، والذي سافر قبل أعوام إلى سوريا للالتحاق بتنظيم داعش، وظهر بعد ذلك في إصدار مع أبو شعيب المصري الذي انشق عن داعش لاحقا، لكنه لم يمكث طويلا في سوريا إذ تلقى تكليفا بالعودة إلى سيناء والمشاركة في قيادة فرع التنظيم الجديد.


عمل "محمد سعد" ضمن ما يعرف بمركزي الدعوة والقضاء بالتنظيم، وهو صاحب الفتوى الشهيرة بقتل أفراد التنظيم الذين تورطوا في تهريب بضائع أو أفراد لحركة حماس، والذين كان من بينهم موسى أبو زماط العضو السابق بتنظيم داعش.


وبحسب مصادر قبلية فإن محمد سعد هو صاحب فتوى الهجوم على مسجد الروضة واستهداف السائقين بمصنع الأسمنت والكثير من العمليات الإرهابية الأخرى داخل سيناء.


لم يكن "القاضي" وحده سبب استهداف المصلين في مسجد الروضة، بل سبقه محمد مجدي الضلعي أو كما يعرف داخل التنظيم بأبي مصعب المصري، أمير مركز الحسبة في سيناء والذي أجرت معه مجلة النبأ الداعشية حوارا مطولا في عدد سابق لها وتحدث فيه عن الصوفية معتبرا أن دماءهم مهدورة نجسة، ومتوعدا باستهداف زاوية الروضة الصوفية.


سيطر "القاضي" و"المصري" ومعهم إرهابي آخر يكنى بـ"الجزراوي" على مجلس شورى تنظيم داعش وبدءوا منذ ذلك الحين في التحول من استهداف قوات الجيش والشرطة فقط إلى استهداف الأقباط في العريش، والصوفية في رفح والشيخ زويد مفجرين ضريحين لشيوخ الطرق الصوفية المدفونين بسيناء، وأخيرا لجأ «الحازميون» إلى استهداف مسجد الروضة، ما أسفر عن مقتل أطفال ومدنيين ونساء في الهجوم.


بسبب أطروحات الحازمي التى بدأت تسيطر على تنظيم ولاية سيناء، بدأ إرهابيون آخرون في الانشقاق عن التنظيم، حيث انشق أكثر من 40 مقاتلا من ضمن "قاطع العريش" وهو أحد القواطع الإدارية التي يقسمها داعش للمناطق التي ينشط بها، بالإضافة لفرار 4 من أسر عناصر داعش خارج سيناء.


يقول عبد الغني مزوز، الباحث المغربي إن «الحازميون» يتبنى آراء شاذة في مسألة العذر بالجهل، ويتخذها مبدأ للخلاف والصدام، مضيفًا أن التنظيم أقام بنيانه كله على أيديولوجيا التكفير التي لو حدث فيها اختلال سيؤدي ذلك إلى ظهور تنظيمات أشد غلوا وإرهابا من داعش وهو الحاصل في سيناء وغيرها.


ويضيف: «استطاع الحازميون اختراق معظم مفاصل تنظيم الدولة الإسلامية، ونجحوا في الانفراد بإدارة ولايات بشكل شبه مستقل كولاية سيناء، كما أن لهم وجودا مؤثرا في ديوان الإعلام وديوان القضاء والهيئات الشرعية، وأكبر من كل هذا سيطرتهم على اللجنة المفوضة أكبر هيئة قيادية بعد البغدادي».


ويرى منير أديب، الخبير في شئون الجماعات الإسلامية، أن تنظيم داعش لم يلجأ للإعلان الرسمي عن تيار الحازمي خشية من الملاحقات الأمنية، معتبرًا أن ذلك يأتى في إطار التضليل الذي تحاول التنظيمات الإرهابية ممارسته للهرب من قبضة الأجهزة الأمنية.


وأضاف «أديب»، أن تنظيم «داعش» عانى من انشقاقات وخلافات داخلية شديدة، خلال الفترة الماضية، خاصة أن هجوم الروضة الإرهابي تسبب في حالة من الغضب الشديد داخل التنظيم؛ لذا تأخر التنظيم الإرهابي في عملية التبنى.


وتوقع «أديب» استمرار حالة الانشقاقات داخل داعش خاصة مع فقدان التنظيم للتأييد الذي كان يحظى به في أوساط مناصريه، مؤكدًا على سيطرة «الحازميون» على التنظيم، واتجاههم لتبني أساليب أكثر وحشية ودموية في التعامل مع المدنيين، وغيرهم داخل سيناء وخارجها.