رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الأسير الفلسطيني الذى أدخل حماس «بيت الطاعة» المصري

قيادات حماس - أرشيفية
قيادات حماس - أرشيفية


على مدار السنوات الأربع الماضية، تأزمت العلاقة بين مصر وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، ووصلت لتوجيه اتهامات للحركة بدعم الإرهاب في سيناء، ومحاكمة عناصرها بتهمة اقتحام السجون، ووصمها بالجماعة الإرهابية، ثم محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي، بتهمة التخابر معها، واتهامها بالوقوف وراء الهجمات التخريبية في سيناء.


ولكن الحال انقلب تمامًا بشكل تدريجي منذ يوليو الماضي، وبدأ التحسن في العلاقات بين مصر وحماس، وكان كلمة السر في ذلك هو الأسير الفلسطيني المحرر يحيى السنوار، الذي شغل منصب قائد قطاع غزة.


فـ«السنوار» الذي تم اعتقاله في السجون الإسرائيلية لمدة 23 عامًا، وتم تحريره في صفقة شاليط 2011، ليعود إلى مكانه قياديا بارزا في حركة حماس ومن أعضاء مكتبها السياسي، ويشغل مهمة التنسيق بين المكتب السياسي لحماس وقيادة كتائب عز الدين القسام، بصفته "ممثلا للكتائب" في المكتب السياسي لحماس، تم انتخابه في 13 فبراير 2017، رئيسا للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة خلفا لإسماعيل هنية، وفور توليه منصبه سعى لتحقيق علاقات متميزة مع مصر باعتبارها البيت الأول للقضية الفلسطينية.


بعد أقل من شهر من توليه السلطة، كلّف «السنوار» أربعة من أعضاء المكتب السياسي للحركة هم: محمود الزهار وعماد العلمي وخليل الحية ونزار عوض الله، إضافة إلى موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي بالتوجه إلى مصر في زيارة استمرت يومين التقوا خلالها مسئولين مصريين، لنقل موقف الحركة الجديد تحت قيادة «السنوار» الذي يرحب بالانفتاح على مصر والتنسيق التام معها.


وتوجه «السنوار» في أول زيارة خارجية له إلى مصر برفقة قيادات الحركة، في مطلع يونيو الماضي، وبدأ التنسيق مع المسئولين المصريين  لزيادة ترتيبات الحدود بين قطاع غزة ومصر.


فتحت تلك الزيارة، والترتيبات التي سبقتها، الباب أمام سلسلة لقاءات بين مسئولين مصريين وأعضاء بالحركة، انتهت بزيارة لرئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية هي الأولى لمصر منذ توليه رئاسة المكتب السياسي للحركة، وبرفقته «السنوار».


وصاحبت زيارة السنوار وهنية ووفد من حركة حماس، الأسبوع الماضي، سلسلة من القرارات والمواقف ذات الدلالات السياسية، في طريق فتح باب الانتخابات التشريعية والرئاسية في غزة وتشكيل حكومة وفاق وطني فلسطينية.


ونجحت مفاوضات السنوار ووفد حماس بالقاهرة في الحصول على عدد من المطالب والأهداف التي سعت لها الحركة طويلًا، وكان على رأسها العمل على إنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 11 عامًا، وتسهيل الانتقال عبر معبر رفح بين مصر وقطاع غزة، وهو ما حدث بالفعل بعد أن تعهدت مصر بإرسال مئات الأطنان من السولار إلى قطاع غزة لمواجهة أزمة الكهرباء، وقررت كذلك فتح المعبر بشكل شبه دائم.


وسعت حماس عبر وساطة مصر إلى الوصول لمصالحة داخلية في فلسطين تحفظ توازنها، بعد تراجع أدوار الدول الداعمة للحركة مثل قطر وإيران، وهو ما وافقت مصر عليه.


وحصلت الحركة كذلك على وعد مصري جرى تأكيده في الزيارة الأخيرة، بالعمل بأقصر وقت ممكن على كشف غموض المختفين الأربعة من عناصر حماس في سيناء، كما أفرجت مصر عن 7 حجاج فلسطينيين من غزة، أوقفتهم في 24 من سبتمبر الماضي بعد عودتهم من السعودية عقب أدائهم فريضة الحج، لاتهامهم بحيازة مواد ممنوعة.


كما حصلت الحركة على موافقة مصرية على تأسيس مكتب للحركة في القاهرة يتولى رئاسته القيادي بالحركة روحي مشتهي.


وأهم نقطة حققتها حماس من تلك المفاوضات تتعلق بأن سلاح المقاومة لن يتعرض للمساس، إضافة إلى تقاسم مسئولية الأمن في غزة، حيث سيبقى الأمن الداخلي بنسبة كبيرة في عهدة حماس، لكن الأمن الخارجي لمعبر رفح سيخضع للأمن التابع للسلطة في رام الله.


في المقابل حصلت مصر على تعهدات من حماس من شأنها إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني وإعادة ترميم العلاقات مع مصر بعد فترة قطيعة استمرت لأكثر من ثلاثة أعوام.


وقبلت حماس بإجراء حوار فلسطيني شامل ومنفتح أمام كافة القوى والفصائل الفلسطينية، دون شروط مسبقة، للوصول لحكومة منتخبة تمثل الفلسطينيين.


وقررت الحركة حل اللجنة الإدارية العليا بقطاع غزة، وتسليم القطاع لحكومة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تمثل إرادة الشعب الفلسطيني.


ووافقت حماس كذلك على التنسيق الأمني مع مصر على حدود سيناء لمواجهة العمليات الإرهابية والإبلاغ عن العناصر المسلحة والحيلولة دون مرورها من أو إلى قطاع غزة، وأعطت حماس المعلومات الأمنية التي بحوزتها عن الجماعات السلفية والمتشددة في قطاع غزة، إلى جانب تأكيدها أنها ستواصل تنسيق الجهود لحماية الحدود المصرية مع القطاع.


كما أن التقارب المصري مع الحركة قطع الطريق على توسع الدور التركي القطري في القضية الفلسطينية، لا سيما بعد أن لمست مصر توجها من  الرئيس الفلسطيني محمود عباس نحو تركيا التي استقبله رئيسها رجب طيب أردوغان مؤخرا.


وتغيّر الخطاب الحمساوي المناهض للسلطة في مصر وتحوّل إلى خطاب مرحب وواثق في الوساطة المصرية، ومعوّل بشكل كبير عليها لحل الأزمة في فلسطين، وفي كل تلك الإجراءات كان الفضل الأول يعود لفكر «السنوار» الجديد الذي قلب موازين الحركة وغير توجهاتها تمامًا.


وبدأت حماس في التنفيذ الفوري لبعض تلك الالتزامات؛ حيث قررت الحركة حل اللجنة الإدارية التي شكلتها لإدارة القطاع، والاستعداد للتفاوض لتشكيل حكومة مع حركة فتح وتمهيد الطريق للمصالحة الفلسطينية، كما تعهدت بالتنسيق الأمني لمواجهة الإرهاب في سيناء.


فتحت تلك الزيارة والمفاوضات التي استمرت لأكثر من أسبوع وما تلاها من إجراءات، الباب على أسئلة كبرى لا تزال دون إجابات، تتعلق باتجاهات حماس المستقلبية، وهل ستلتزم بالاتفاق الذي تم التوصل إليه أم ستتراجع مثلما حدث في اتفاق الدوحة واتفاق القاهرة 2011؟، وتأثير علاقات حماس المستمرة مع تركيا وقطر على التنفيذ الفعلي لما تم التوافق حوله، وموقف حركة فتح من تلك التطورات؟


وحول تلك التطورات قال الدكتور خالد سعيد، الباحث فى مركز يافا للدراسات الاستراتيجية، إن القيادة الجديدة لحماس التي تم انتخابها مؤخرا تحمل روحًا مختلفة، تجعل فرص نجاح المفاوضات الجارية في مصر كبيرة مقارنة بما سبق، مشيرًا إلى أن الشخصيات الجديدة في الحركة دفعت باتجاه تحول كبير في علاقاتها المختلفة، حيث قررت الانفصال عن جماعة الإخوان، والتنسيق الأمني بشكل موسّع مع مصر لمواجهة العمليات الإرهابية في سيناء، موضحًا أن تلك التطورات تبشر بتحسن في العلاقات بين مصر وحماس لم يحدث منذ سنوات.


وأضاف «سعيد» أن علاقات حماس مع تركيا وقطر تقلصت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وبدأت حماس والحركات الفلسطينية العودة للحضن المصري، وجاء ذلك بشكل تدريجي منذ مطلع العام الجاري، بلقاءات قيادات مختلفة من حماس مع جهات أمنية واستخباراتية مصرية، ثم تطورت للقاءات مع جميع الأطراف.


وأوضح الباحث فى مركز يافا للدراسات الإستراتيجية، أن يحيى السنوار، قائد حماس في غزة، توجه في أول زيارة خارجية له للقاهرة، وزار إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة مصر منذ أسبوع، ولا تزال الزيارة مستمرة، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن يتم تأسيس مكتب لحماس في مصر، منوها بأنه يفِضل أن يكون هذا المكتب تحت لواء السفارة الفلسطينية وليس مستقلًا عنها.


ونوَه بأن هناك مؤشرات لتصفية الأجواء بين مصر وحركة حماس، حيث بدأت الحركة تضطلع بدور في تأمين الحدود مع سيناء للحيلولة دون مزيد من العمليات الإرهابية، وجاءت كل قيادات الحركة لمصر للاتفاق على تسوية الخلاف الفلسطيني، في المقابل رحّبت مصر بتلك الخطوات، واستقبلت القيادات الحمساوية لأكثر من أسبوع في القاهرة، وظهر خطاب إعلامي مصري ينظر لحماس بشكل مختلف، ويدفع باتجاه المصالحة الفلسطينية وإقامة دولة فلسطين.


ومن جانبه يرى الدكتور جهاد الحرازين، أستاذ القانون العام والنظم السياسية والقيادي فى حركة فتح الفلسطينية، أن مصر بذلت جهدًا عظيما لتقريب وجهات النظر والتقارب بين حركتي فتح وحماس؛ لإنهاء الانقسام البغيض الذي استمر 10 سنوات، منذ انقلاب 2007، مشيرًا إلى أن الحركة لديها تفاؤل حذر تجاه التعهدات التي قطعتها حماس على نفسها، بإنهاء الانقسام وتشكيل حكومة الوفاق، وإجراء انتخابات رئاسية وعلى مستوى المجلس التشريعي، موضحًا أن الحركة تنتظر التنفيذ.


وأوضح «الحرازين» أن مصر هي الضامن لتطبيق تلك التعهدات، مشيرا إلى أنه بعد أسبوع من استلام الحكومة، سيتم عقد لقاء بين حركتي فتح وحماس، لتطبيق المبادرة المصرية للوحدة الفلسطينية عام 2011، ويليه اجتماع موسع للكل الفلسطيني، يشمل جميع القوى الفاعلة في فلسطين، من أجل توحيد الجهود والتفرغ لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وتخفيف مآسي الفلسطينيين والحصار على أهل قطاع غزة.


وحول علاقات حماس مع تركيا وقطر وتأثيرها على المفاوضات الجارية أوضح القيادي الفتحاوي أن مصر لها دور كبير ومؤثر، وبذلت جهدا كبيرا لصالح القضية الفلسطينية ولا تنظر خلفها وتتجاوز عن الصغائر، مشيرًا إلى أن الرئيس السيسي أكد وضعه حل الأزمة الفلسطينية في سلّم اهتماته، دون النظر لطبيعة علاقات حماس، مشيرا إلى أنه يأمل أن لا تعود الأجندات الخارجية التي تضر بالمصلحة العليا، مؤكدا أن الحركة طلبت من مصر أن تكون الضامن للاتفاق وتعلن عن الطرف الذي يعطل الإجراءات، ليكون هناك تعامل معه على مختلف المستويات العربية والإسلامية، مستوى عربي وإسلامي.


وعن دور القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان، نفى «الحرازين» وجود أي دور له في المفاوضات، مشيرا إلى أن اللقاء كان مباشرا بين قادة حماس وفتح، موضحًا أن الجميع اتفق على إجراء انتخابات ليختار الشعب الفلسطيني ممثليه، منوهًا بأن الشعب الفلسطيني لا يقبل أن تأتيه قيادة بالبارشوت أو بفرض إقليمي أو دولي.