رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

تفاصيل المعاهدات السرية في عهد السيسي

السيسي - أرشيفية
السيسي - أرشيفية


في 17 سبتمبر 1978 وقّع الرئيس محمد أنور السادات، ورئيس وزراء إسرائيل، مناحيم بيجن، اتفاقية السلام بين البلدين، والتي عُرفت باسم «اتفاقية كامب ديفيد»، بعد 12 يوما من المفاوضات في منتجع «كامب ديفيد» الرئاسي في ولاية ميريلاند القريب من عاصمة الولايات المتحدة واشنطن، وكانت المفاوضات والتوقيع على الاتفاقية تحت إشراف الرئيس الأمريكي جيمي كارتر.


ورغم أن تطبيق الاتفاقية بدأ بعد أشهر من التوقيع، وتمثل في انسحاب إسرائيل التدريجي من سيناء، وإنهاء حالة العداء مع الدولة العبرية رسميًا، إلا أن المعاهدة بقيت بها بنود سرية، لم يتم الكشف عنها حتى الآن.


المعاهدات ذات البنود السرية لجأت إليها مصر بشكل كبير خلال فترة حكم الرئيس السيسي، حيث حرصت على توقيع عدد من الاتفاقيات اشتملت بعضها على بنود سرية لا يعرف أحد عنها شيئًا، أو بنود لم يُعلن عنها حين توقيعها، أو كانت الاتفاقية بكاملها سرية، ولا يعلم أحد ما تم الاتفاق عليه بها، وهو ما جعل الكثير من العلاقات المصرية بالدول الأخرى يحيطها سياج من السرية.


في 23 مارس 2015، وقّع الرئيس عبد الفتاح السيسي، اتفاقية عرفت باسم «إعلان المبادئ» في العاصمة السودانية الخرطوم، مع رئيس وزراء إثيوبيا هايلي مريام دسالين، والرئيس السوداني عمر البشير؛ لحل النزاع حول اقتسام مياه نهر النيل وسد النهضة الإثيوبي والذي استمر طوال سنوات حكم السادات ومبارك والمجلس العسكري ومرسي.


ما تم إعلانه لوسائل الإعلام كان عبارة عن ورقة تشمل 10 مبادئ تلتزم بها الدول الثلاث بشأن سد النهضة وتم التوقيع عليها من قبل الدول الثلاث، وهي: مبدأ التعاون، التنمية والتكامل الاقتصادي، التعهد بعدم إحداث ضرر ذي شأن لأي دولة، الاستخدام المنصف والعادل للمياه، التعاون فى عملية الملء الأول لخزان السد وتشغيله السنوي، بناء الثقة، تبادل المعلومات والبيانات، أمان السد، احترام السيادة ووحدة أراضى الدولة، الحل السلمى للنزاعات، ومرفق بها ورقة شارحة حول إيجابيات الاتفاق وانعكاساته على علاقات الدول الثلاث.


وأعلن المجتمعون أن الاتفاقية توصلت إلى وضع إطار لالتزامات وتعهدات تضمن التوصل إلى اتفاق كامل بين الدول الثلاث حول أسلوب وقواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوي، دون الإفصاح عن هذا الأسلوب وتلك القواعد، مما جعل الاتفاقية بالكامل سرية حيث ما تم إعلانه منها لا يزيد عن جمل إنشائية مليئة بالمحبة والمودة، ولا علاقة لها بالتطبيق الفعلي الذي بقي سريًا.


ومنذ توليه السلطة عقد الرئيس 3 لقاءات عرفت باسم قمة «الكالاماتا» الثلاثية، مع كل من اليونان وقبرص، جمعت بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، ورئيس وزراء اليونان "أنتونيس ساماراس"، والرئيس القبرصي "نيكوس أناستاسيادس"، ودارت مجريات القمة بشكل رئيسي حول ترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط.


وصدّق السيسي خلال تلك الاجتماعات على الاتفاقية الإطارية لتقاسم مكامن الهيدروكربون، وتلك الاتفاقية، أقرت بشكل نهائي وبلا ملاحظات التزام مصر باتفاقية ٢٠٠٣ التي وقعتها قبرص مع إسرائيل، بما يعني ضمنيًا أن مصر اعترفت بترسيم الحدود المنفرد لقبرص وإسرائيل، وبناء عليه تم فرض منطقة "تنقيب مُنسق" بعمق ١٠ كيلومترات، وهو ما يعني حق قبرص بالاعتراض على أي تنقيب مصري في هذا الجانب، وتنازل مصر عن حقها في حقل أفروديت أكبر حقل قبرصي موجود في منطقة "البلوك"، والاتفاق أخرج البلوك ١٢ تمامًا من منطقتنا، وحرم مصر من حقها في التصرف بالجزء الواقع في مياهها الاقتصادية".


وفي ديسمبر 2015، جاءت القمة الثالثة في أثينا باليونان ونتج عنها ما عرف بـ"إعلان أثينا"، وتم من خلاله التوقيع على ترسيم جديد للحدود البحرية، يمنح اليونان شريطا مائيا يمتد بين مصر وتركيا ويقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر، الأمر الذي وُصف بأنه تنازل كبير تقدمه مصر في حقوقها البحرية، وفي حين يتهم الخبراء النظام بالتفريط في حقوق مصر، يؤكد النظام أنه لم يوقع على أي اتفاقية تضر بمصر، ولكن في النهاية تبقى البنود التي تم الاتفاق عليها تحديدا غير معلومة لأحد.


وفي الوقت الذي يؤكد فيه خبراء البترول مثل المهندس نائل الشافعي، المحاضر في معهد ماساتشوستس للتقنية، أن مصر تنازلت عن شريط مائي مساحته ضعف دلتا النيل لليونان، بغرض منح هذا البلد منطقة اقتصادية خالصة لجزيرة كاستلوريزو، فيتحقق بذلك تلامس حدود اليونان مع قبرص، وأن هذا الإجراء من جانب مصر يسمح لليونان بتمرير أنبوب للغاز الإسرائيلى بين تل أبيب وأثينا دون أن تدفع إسرائيل أي رسوم لمصر، ينفي المسئولون الحكوميون ذلك، دون الكشف عن طبيعة ما تم التوقيع عليه، وعن بنود تلك المعاهدات تفصيليا والتي تم توقيعها في غيبة البرلمان والتصويت عليها جملة دون الاطلاع على تفاصيلها.


ووقعت مصر في نهاية أغسطس 2016، على اتفاقية قرض صندوق النقد الدولي البالغ نحو 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات، وتم الحصول على الدفعة الأولى من القرض، وبعدها وافق البرلمان على الاتفاقية، دون الكشف عن شروط القرض.


وبعد نحو شهرين من موافقة مصر ومجلس مديري الصندوق على الاتفاقية، كشفت كرستين لاجارد، رئيس الصندوق، بعض الإجراءات التي تعهدت بها مصر ضمن اتفاق قرض صندوق النقد الدولي، ومنها رفع أسعار الطاقة، وخطة لهيكلة قطاع الطاقة، وإلغاء التراخيص الصناعية باستثناء ما يؤثر على المصلحة العامة، وهو ما نفته مصر سابقًا، قبل البدء في تطبيقه فعليًا، وظل عدد من البنود في الاتفاق سريا، ولم تعلن عنه مصر ولا صندوق النقد الدولي.


وحول السبب للجوء النظام المصري لاتفاقيات سرية ومدى قانونية ذلك، ومصير تلك الاتفاقات والمعاهدات الدولية، يقول السفير إبراهيم يسري، مساعد وزير الخارجية الأسبق، وخبير القانون الدولي، والذي قدم طعنًا قضائيًا ضد اتفاقيتي ترسيم الحدود مع اليونان وقبرص، وسد النهضة، إن المعاهدات السرية انتهت من العالم كله، في القرن الماضي، مشيرًا إلى أن معاهدة سايكس بيكو، كانت آخر المعاهدات السرية، منوهًا بأن المعاهدات اليوم في دول العالم الديمقراطية، يتم عرضها على البرلمان لإقرارها، وبعدها للاستفتاء الشعبي، ويعرف المواطن جميع بنودها تفصيليا، ولا حديث عن بنود سرية في أي معاهدة.


وأضاف «يسري» أن منح رئيس الدولة سلطة إبرام معاهدات سرية أو بنود سرية في معاهدات معلنة، يعطى فردا واحدا سلطة إلزام دولة وشعبها بتنازلات وواجبات تضرها؛ لأنها لو كانت في مصلحتها ما لجأ هذا الشخص لإخفائها، مشيرًا إلى أن تلك السلطة المطلقة انتهت من العالم كله.


وأوضح مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن هناك تفاهمات تجري بين رؤساء الدول، تختلف عن المعاهدات، وتكون حول سياسات ومواقف معينة، ولكن المعاهدات التي تمس إقليم الدولة وأرضها ومياهها ومواردها، فالسيادة فيها للشعب، وهو ما ينص عليه الدستور، موضحًا أن  القانون الدولي لا يعترف بأي معاهدة سرية، ولا تكون تلك المعاهدات ملزمة للرئيس التالي، ويمكنه نقضها، أو عدم الاعتراف ببنودها السرية.


وأكد أن المعاهدات الدولية تكون محفوظة في الأرشيف الخاص بالوزارات المعنية بالمعاهدة، وكذلك البرلمان والأجهزة السيادية ورئاسة الجمهورية، وأرشيف الأمم المتحدة.


وأوضح «يسري» أن الفترة الأخيرة تم خلالها إجراء معاهدات تضر بالدولة المصرية، ولم يتم الإفصاح عن جميع جوانبها، مشيرا إلى أنه تقدم بدعويين بشأن المعاهدة التي تم إبرامها حول ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان، وما تم بها من تنازل عن حقوق مصر المائية والاقتصادية في حقول الغاز، وكذلك ضد اتفاقية سد النهضة التي تنطوي على التنازل عن حقوق مصر التي أقرتها الاتفاقيات الدولية عبر العصور.


وأشار إلى أن حكم القضاء الإداري في حال صدوره ضد تلك الاتفاقيات يكون ملزما للدولة بالإفصاح عنها، وإلغاء ما يشتمل منها على تنازلات عن حقوق مصر وسيادتها.


وأضاف أنه عمل بوزارة الخارجية واطلع على عدد كبير من المعاهدات ومن بينها معاهدة السلام، مشيرا إلى أنه لم تكن هناك بنود سرية بها، وإنما تفاهمات بين الرؤساء، وتم إعلانها كاملة، داعيا السلطة الحالية للإفصاح عن جميع ما يتم إبرامه من معاهدات، وعدم الإقدام على أي معاهدة تضر بالحقوق المصرية أو تشتمل على تنازل عن جزء من إقليمها، موضحًا أن اتفاقيات مثل تيران وصنافير يتم تمريرها بالمخالفة لجميع القواعد والمبادئ الدستورية والدولية.


من جانبه قال محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق، إنه أثناء توليه منصب وزير الخارجية اطلع على جميع المعاهدات التي أبرمتها مصر، ولم يجد فيها أي بنود سرية، مشيرا إلى أنه كان يجري الحديث عن بنود سرية في اتفاقية السلام مع إسرائيل، واكتشف أن الاتفاقية معلنة بالكامل، والجزء غير المعلن يخص ترتيبات وملاحق أمنية تختص بها القوات المسلحة.


وأوضح أن الحديث عن بنود سرية في المعاهدات يبدو تكهنات إعلامية وليس له وجود حقيقي، موضحا أن البرلمان تُعرض عليه الاتفاقيات ولا يتم العمل بها سوى بعد مناقشتها وإقرارها منه، وبعد ذلك تُحفظ في الأرشيف الخاص بوزارة الخارجية، والذي له إدارة مخصصة لذلك باسم إدارة " الشئون القانونية الدولية والمعاهدات".


وأوضح أن البرلمان وافق على اتفاقية صندوق النقد، دون معرفة بعض البنود، مشيرا إلى أن تلك البنود كانت تحوي توقيتات زمنية للتطبيق لم يتم إعلام أحد بها؛ لكي لا تؤثر على السوق المصرية، وتحدث انهيارات بها، ولأنه في حال طرحها على البرلمان بكامل التفاصيل، وتسريبها للإعلام، سيؤدي ذلك لضرب خطة الإصلاح، مشيرا إلى أن اتفاقية صندوق النقد موجودة بجميع بنودها وتوقيتاتها في الأرشيف الخاص بوزارة المالية.