رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

سيناريو سقوط مصر في المستنقع الليبي من أجل عيون «حفتر» و«ترامب»

القوات الجوية
القوات الجوية


لاشك أن قيام مصر بالدفاع عن نفسها وحماية أمنها القوى ضد أي أخطار خارجية والثأر لأبناء الوطن وملاحقة القتلة والمجرمين في أي مكان في العالم، هو حق تكفله كل القوانين والمواثيق الدولية، بل هو واجب وفرض على القيادة السياسية المنوط بها حماية مواطنيها من أي تهديدات، سواء داخلية أو خارجية، وهو ما أكدت عليه مصر من خلال مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، الذي أخطر مجلس الأمن في خطاب رسمي بأن الضربات الجوية التي استهدفت مواقع التنظيمات الإرهابية في مدينة درنة، شرقي ليبيا، تأتى اتساقًا مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المعنية بالحق الشرعى في الدفاع عن النفس، ومع قرارات مجلس الأمن المعنية بمكافحة الإرهاب، وهذا ما أكد عليه أيضا وزير الخارجية المصري سامح شكري، موضحًا أن الغارات الجوية التي شنها الجيش المصري، على أراضٍ ليبية، هي «دفاع شرعي عن النفس»، معلنا أن «القاهرة ستدافع عن أمنها القومي بكل الوسائل المتاحة».

وعقب العملية الإرهابية التي استهدفت الأقباط في المنيا نهاية الشهر الماضي، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، إن هدف الهجوم الإرهابي الذي وقع في المنيا هو تفكيك وحدة الشعب المصري وإسقاط الدولة المصرية، مشيرا إلى أن تنظيم داعش يسعى لإحداث فتنة بين المسلمين والمسيحيين وتصدير صورة غير حقيقية بأن الأقباط غير آمنين بهدف ضرب تماسك الشعب المصري.

وأكد الرئيس أن مصر لن تتردد في توجيه ضربات لأي معسكرات خارجية أو داخلية تستهدف مصر بالإرهاب في أي مكان؛ حفاظًا على الأمن القومي المصري، مشددا على ضرورة معاقبة الدول التى تدعم الإرهاب وتقدم له المال والسلاح والتدريب.

لكن ما يخشاه الكثير من المصريين هو أن تتطور هذه العمليات لتصل إلى تدخل بري مصري في الملف الليبي؛ من أجل تمكين قائد الجيش الليبي المشير المتقاعد خليفة حفتر من حكم ليبيا، حيث يلقى دعما مصريا غير محدود من القيادة السياسية، وتدعم القيادة المصرية بكل قوة وصوله لسدة الحكم في ليبيا؛ لأنها ترى فيه الرجل القوى القادر على حماية الحدود الشرقية لمصر من الجماعات الإرهابية والمتطرفة والقضاء على جماعة الإخوان المسلمين العدو اللدود للدولة المصرية حاليا، وهذا - حسب خبراء - يمثل خطرا كبيرا على الأمن القومي المصري، لعدة أسباب منها: أن هناك أطرافًا ليبية مُعترف بها دوليا وعلى رأسها حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج وكل المحسوبين على الثورة الليبية والكثير من التنظيمات المسلحة ترفض رفضًا قاطعًا الحكم العسكري في ليبيا ويدعمهم في ذلك الكثير من الدول الكبري والإقليمية، لذا يخشى الكثير من المصريين أن ينجح اللواء خليفة حفتر في جر مصر إلى المستنقع الليبي، من خلال عقد صفقة يتم بموجبها مشاركة قوات مصرية برية في ليبيا لتمكين حفتر من حكم البلاد مقابل ضمان حماية الحدود الشرقية لمصر، رغم أن هذا السيناريو صعب التطبيق بسبب تباين المواقف الدولية مما يحدث في ليبيا، إلا أن بعض الساسة الليبيين زعموا أن الغارات الجوية على درنة في ظاهرها حرب على الإرهاب لكنها في الحقيقة دعم عسكري لخليفة حفتر الذي لم يستطع السيطرة على هذه المدينة.

أما التخوف الآخر فهو أن تخوض مصر حربًا بالوكالة في ليبيا نيابة عن أمريكا وروسيا والعالم الغربي، لاسيما وأن هناك تقارير تتحدث عن أن مصر حصلت على الضوء الأخضر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أن قيامها بضرب معاقل المتطرفين في ليبيا.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل سينجح خليفة حفتر في جر مصر إلى الدخول بريا في الملف الليبي؟، وبالتالي تجد مصر نفسها مجبرة على خوض حرب شوارع غير نظامية مع التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وهي مخاطرة كبيرة ربما تأتي بنتائج عكسية على الأمن القومي المصري، وتكرر ما حدث مع القوات الأمريكية في فيتنام، أو ما حدث مع القوات السوفيتية في أفغانستان، وهل يمكن أن تخوض مصر حرب بالوكالة نيابة على الولايات المتحدة والعالم؟

وعن ذلك يقول اللواء طلعت مسلم، الخبير العسكري، إن هناك أكثر من هدف تريد مصر تحقيقه من هذه العمليات، الهدف الأول: هو إضعاف قدرات العناصر الإرهابية داخل ليبيا وتجريدها من قوتها التي تمكنها من تهديد الأمن القومي المصري. والهدف الثاني: فيتمثل في ردع الجماعات الإرهابية الموجودة على الأراضي الليبية لمنع تكرار عدوانها على المصريين. أما الهدف الثالث: فهو تأكيد قدرة مصر على مواجهة التهديدات الإرهابية طبقا للخطط الموضوعة.

وأضاف الخبير العسكري، أن هناك مشكلة كبرى في ليبيا تتمثل في تعدد السلطات وعدم معرفة صاحب لها، مشيرا إلى أن القيادة السياسية في مصر باعتبارها مسئولة عن الأمن القومي المصري تتعاون مع السلطات القريبة منها في ليبيا والمتمثلة في قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، كما تحاول إشراك المجتمع الدولي معها، لافتا إلى أن مصر قامت بعدة عمليات قبل ذلك في ليبيا عبّرت عن فكرة الاحتفاظ بالحق في مطاردة الجماعات التي تعرض أمن مصر للخطر، مؤكدا على أن المخاطر التي تواجه مصر في الوقت الحالي تتطلب القيام بمثل هذه العمليات.

وأكد «مسلم» على أن أكثر الجهات الدولية متفهمة للموقف المصري، لاسيما وأن هذه الجهات تعاني من الإرهاب على أراضيها، مشيرا إلى أن التدخل المصري له حدود، وأن هذه الحدود تحددها القيادة السياسية طبقا لتطورات الموقف.

واستبعد الخبير العسكري قيام مصر بالتدخل البري في ليبيا، لافتا إلى أن أقصى ما يمكن أن تفعله مصر هو إرسال قوات خاصة لمساندة ودعم الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، مؤكدا على أنه ليس من المناسب أن تدخل مصر في معارك برية طويلة، لاسيما وأن هذه المعارك ستكون في صالح الجماعات الإرهابية التي تجيد حرب الشوارع، وبالتالي فمن الأفضل قيام مصر بتوجيه ضربات قصيرة بدلا من الدخول في معارك مستمرة، مستبعدا استدراج مصر للسقوط في المستنقع الليبي.

ويقول اللواء رافع درويش، الخبير العسكري والاستراتيجي، إن تنظيم داعش الإرهابي نجح في إنشاء فرع له في ليبيا باسم «دالم» وهو يعنى الدولة الإسلامية في مصر وليبيا، وهذا التنظيم يتمركز في مدينتي درنة ومصراتة، ويقوم بتنفيذ عملياته الإرهابية في مصر انطلاقا من هذه المدن، مشيرا إلى أن العمليات المصرية تمت بالتنسيق مع القوات المسلحة الليبية بقيادة خليفة حفتر ومجلس نواب طبرق المعترف به دوليا.

وأضاف «درويش»، أن مصر سوف تلاحق هؤلاء الإرهابيين في أي مكان، وتوجه لهم الضربات الاستباقية والإجهاضية لمنعهم من دخول مصر، والتقليل من قدرتهم، وإيقاع أكبر الخسائر الممكنة في صفوفهم، مؤكدا على عدم وجود سقف زمني لوقف هذه العمليات، وأن هذه العمليات لن تتوقف إلا بعد أن ينتهى التهديد الذي تمثله هذه الجماعات الإرهابية للأمن القومي المصري، لافتا إلى أنه من حق مصر الدفاع عن أمنها القومي في أي مكان في العالم مثلما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبرى.

وأكد الخبير العسكري على أن استراتيجية مصر لمكافحة الإرهاب في تطور مستمر، مشيرا إلى أنه طالب قبل ذلك بضرب حماس في غزة، مشددا على ضرورة أن تتحول مصر من سياسة رد الفعل إلى سياسة الفعل خلال الفترة القادمة؛ من خلال قيامها بتوجيه ضربات استباقية لمعاقل الإرهابيين للحد من خطورتهم، لافتا إلى أنه لا يمكن وقف تمويل هذه التنظيمات طالما أن تركيا وقطر والتنظيم الدولي للإخوان مستمرون في دعمهم والعمل معهم، مطالبا الحكومة المصرية بتوفير فرص عمل للشباب العاطل من أجل منعهم من الارتماء في أحضان الجماعات الإرهابية.

ولم يستبعد «درويش» دخول مصر بريا إلى ليبيا إذا استدعى الأمر ذلك، مشيرا إلى أنه في حال عدم تحقيق الضربات الجوية لأهدافها فسوف يتم إدخال قوات برية للتعامل مع هذه التنظيمات، وإيقاع أكبر خسائر ممكنة بهم، مشيرا إلى أن مصر تنسق مع دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية قبل القيام بهذه العمليات، مؤكدا على أن كل دول العالم تؤيد مصر في حربها العادلة ضد الإرهاب والإرهابيين.

من جانبه يقول اللواء نبيل فؤاد، الخبير العسكري ومساعد وزير الدفاع الأسبق، إن ما قامت وتقوم به مصر في ليبيا يندرج في العلوم العسكرية تحت مسمى «الضربة الوقائية» أو «التكتيكية»، مشيرا إلى أن هذه الضربات لا تمثل اعتداءً على الدولة الليبية؛ لأنها تمت بالتنسيق مع السلطات الرئيسية الشرعية في الدولة الليبية، في ظل عدم وجود سلطة واحدة تحكم ليبيا في الوقت الحالي.

وأضاف «فؤاد»، أن هذه الضربات جاءت للرد على ما حدث في المنيا، وإعلان أن مصر سوف تنتهج هذا النهج في المستقبل، لافتا إلى أن موقف مصر في المستقبل يجب أن يكون قائما على الفعل وليس رد الفعل كما حدث مع هذه الضربات، كما يجب أن تسعى مصر لإحباط مثل هذه الأعمال، وتوجيه ضربات استباقية لمعاقل التنظيمات الإرهابية التي تستهدف المصريين، مشيرا إلى أن القصف المصري لن يكون مفتوحا؛ لأن هناك حدودًا للقوة.

واستبعد الخبير العسكري قيام مصر بتوسيع عملياتها العسكرية في دول أخرى، مشيرا إلى أن مصر ليست دولة عظمى مثل أمريكا وروسيا، لكنها دولة نامية أو دولة إقليمية كبرى في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن قيامها بتوجيه ضربات خارج الحدود ليس بالأمر السهل أو الهين، لافتا إلى أن الهدف من هذه العمليات هو إحباط أي عمل عدائي ضد مصر، ووأد أي تهديد للأمن القومي المصري في المهد، لافتا إلى أن العمليات العسكرية المصرية ستقتصر على ضرب مراكز القيادة والتدريب لهذه التنظيمات أو مخازن السلاح التابعة لها، مشيرا إلى أن ضرب هذه الأهداف يحتاج إلى جمع معلومات دقيقة وتصوير؛ بحيث يتم تحديد الهدف الذي سيتم ضربه بدقة.

واستبعد «فؤاد» فكرة قيام مصر الدخول بقوات برية إلى ليبيا، مؤكدا على أن هذا السيناريو غير وارد بالمرة، مشيرا إلى أن مصر سوف تستخدم أسلحة القتال عن بعد فقط مثل الطيران أو صواريخ الميدان، منوها إلى أن ظروف مصر الحالية لا تسمح لها بإخراج قواتها المسلحة للخارج، بالإضافة إلى أن المجتمع الدولي لن يسمح لمصر بذلك.

وأكد مساعد وزير الدفاع الأسبق، على أن أغلب الدواعش الذين يهربون من سوريا والعراق يذهبون إلى ليبيا، مشيرا إلى أن تدخل حلف الناتو في ليبيا يتوقف على مدى تمدد التنظيم وانتشاره هناك، مستبعدا حدوث أي احتكاك بين القوات المصرية والناتو في ليبيا، لافتا إلى أن مصر والناتو في جبهة واحدة لمحاربة الإرهاب.

ويقول هاني خلاف، سفير مصر السابق في ليبيا، إن الضربة التي وجهتها القوات الجوية المصرية لعناصر إرهابية في مدينة درنة الليبية، كانت بمثابة تحرك سريع للثأر والانتقام لمقتل المصريين المسيحيين في حادثة أتوبيس المنيا، التي أودت بحياة عشرات المصريين نهاية الشهر الماضي.

وأضاف «خلاّف» أن تلك العملية كان هدفها رد الكرامة والاعتبار؛ حتى لا تصبح مصر مستباحة أمام الميليشيات المتطرفة في ليبيا، مشيرا إلى أن العملية كان لها آثار إيجابية في إبراز قدرة مصر على الرد السريع على أي أذى من الممكن أن تتعرض له، موضحًا أن أكثر الليبيين كانوا لا يمانعون في تلك الضربة التي استهدفت مقرات لما يعرف بـ«مجلس شورى المجاهدين في درنة».   

وأشار إلى أنه في الوقت التي تبقى تلك العمليات مطلوبة لقطع الطريق على الإرهابيين في حال توافر معلومات دقيقة عن أماكن تواجدهم وتخطيطهم لإلحاق الضرر بمصر، إلا أن هذا لا يجب أن يثني مصر عن الاستمرار في الحل السياسي، الذي هو خيار استراتيجي لمصر، والذي تم الاتفاق عليه مع دول جوار ليبيا، في اجتماعات مختلفة آخرها الشهر الماضي، وسيكون هناك جولة جديدة منها خلال الأيام المقبلة.

وأضاف السفير المصري السابق في ليبيا أنه يجب التفريق بين الاستخدام العسكري في عمليات جراحية محددة في مناطق ليبية؛ للدفاع عن الأمن القومي المصري، وهو ما يتفق مع الشرعية الدولية والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على حق الدفاع الشرعي عن النفس، وبين أي شيء آخر مثل ما يروجه البعض عن مشاركات برية وغيرها، مشيرا إلى أن عدم التفرقة وتحديد المطلوب بدقة ربما يؤدي لنقض الاتفاق الثلاثي بين مصر والجزائر وتونس والاتفاق الدولي، ويكرس للتقسيم في ليبيا وهو ما تتنبه له القيادة المصرية.

وأكد «خلاّف» أن الضربة المصرية السابقة لمناطق الإرهابيين في ليبيا كانت على عجل، مشيرا إلى أنه في حال توجيه ضربات محدودة ومركزة مستقبلا من الأفضل التنسيق مع الأطراف الليبية ومنها حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، حتى لا يبدو وكأن مصر تريد تغليب طرف على آخر، وكي يتضح للجميع أن مصر تريد حل الأزمة الليبية سياسيا وفي ذات الوقت تحافظ على أمن الشعب المصري.

وأكد أن مصر أقرت في تعهدات سابقة بدعوة جميع الليبين لحل الأزمة بطرق سياسية، وتبارك ما ينتهي إليه الحوار الليبي دون توجيه أو تأثير عليه، وهو الطريق الصحيح لحل الأزمة الليبية والحفاظ على الأمن القومي المصري.        

ومن جانبه قال المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية الليبي، الدكتور محمد الزبيدي، إن الليبيين ضجّوا من تجمعات الميليشيات بمختلف أنواعها سواء الجهوية أو المؤدلجة أو التي تمارس البلطجة، مشيرا إلى أن تلك الميليشيات أرهقت الشعب الليبي، مؤكدًا أن الشعب الليبي طالب بمساندة مصر له طوال السنوات الماضية لمواجهة هذه الميليشيات التي تنغص عليه معيشته وأمنه.

وأضاف «الزبيدي» أن الليبيين يطالبون مصر باعتبارها القوى الأكبر في المنطقة والشقيقة العربية الكبرى، بضرورة إنقاذهم من الميليشيات، مشيرًا إلى أن الضربة التي وجهتها القوات الجوية المصرية لملاذات الإرهابيين في درنة تعتبر مساعدة وعونا للشعب الليبي في مواجهة تلك الميليشيات، وهي خطوة تأخرت سنوات.

وأوضح أنه التقى رئيس أركان الجيش المصري الفريق محمود حجازي، وطالبه بمساعدة الشعب الليبي للقضاء على تلك الميليشيات ودعم القوات الليبية، مشيرا إلى أنه أكد له في حديثه أنه من العيب أن تتواجد قوات تركية وقطرية تفجر الأوضاع في ليبيا ولا تتواجد قوات مصرية تحمي الليبيين.