رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

زيارة خاصة إلى آنهوي.. جنة الاستثمار والتكنولوجيا والسياحة في الصين

هيفي عاصمة مقاطعة
هيفي عاصمة مقاطعة آنهوي بالصين


باتت الصين دولة العجائب، فتبهرنا كل يوم بالجديد في عالم التكنولوجيا والاقتصاد والسياحة بل والرياضة وكرة القدم، وفي زيارة أخيرة لتلك المعجزة الكونية كانت لي بعض الرؤى والملاحظات التي رغبت في مشاركتها مع القارئ العربي، لعلنا نستلهم طريق النجاح للخروج من كبوتنا الطويلة!

آنهوي فصل من رواية

الرواية الصينية طويلة وكبيرة، فكل شخص صيني في تلك الإمبراطورية العملاقة صفحة بداخلها، ولكن من أبرز فصول تلك الرواية، مقاطعة "آنهوي"، والتي تقع في شرق الصين، وتبعد 400 كم عن بحر الصين الشرقي، يتخلل جنوبها نهر يانغتسو من الغرب إلى الشرق، ويصل عدد سكانها إلى 70 مليون نسمة، ومساحتها لا تتجاوز 140 ألف كم مربع، وعاصمتها "هيفي".

ويذكر التاريخ أن كانت المنطقة جزءا من مملكة "تشو" القديمة، تم ضمها إلى الصين أثناء حكمت أسرة "تشين" (221-206 ق.م)، ثم أصبحت مقاطعة مستقلة عام 1667 م.

ومنذ قديم الأزل، وتعتمد المقاطعة على الزراعة بشكل كبير حيث تقوم بإنتاج الحبوب الغذائية والقطن والزيوت والشاي والفواكه والعقاقير الطبية والمنتجات الحيوانية، وهي غنية بالموارد المعدنية، وتمتلك احتياطيًا كبيرا من الفحم والحديد والنحاس والمواد الكيماوية.

أرقام مذهلة

اليوم، تحتل المقاطعة مكانة اقتصادية بارزة في الإمبراطورية الصينية، ففي عام 2016 بلغ إجمالي الناتج المحلي 2.41179 تريلليون يوان صيني، ما يعادل 349.9 مليار دولار بزيادة قدرها 8.7% عن العام 2015، كما ارتفعت إيرادات المقاطعة بنسبة 9% عن عام 2015.

وبلغت القيمة المضافة للصناعات الأولية 256.77 مليار يوان صيني، بزيادة 2.7%، كما بلغت قيمة الصناعات التكميلية 116.66 مليار يوان بزيادة 8.3%، و 988.36 مليار يوان، بزيادة 10.9%.

ومن خلال تلك الأرقام، وصل دخل الفرد السنوي إلى 55420 يوان ما يساوي 8040 دولار أمريكي، بزيادة 5558 يوان عن العام السابق، وبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى 399292 يوان (5885 دولار أمريكي) بزيادة 3955 يوانا.

وفي إطار الأرقام أيضًا نجد أن عدد العاملين في آنهوي وصل إلى 43.616 مليون شخص، بزيادة 195 ألف عن العام السابق، بنسبة بطالة وصلت إلى 3.2% فقط، أما الأسعار مع نهاية عام 2016، فلم ترتفع سوى بنسبة 1.8% فقط.

اقتصاد جبار

تعتمد آنهوي بشكل رئيسي على الزراعة مستغلة مرور نهر يانغتسو بمساحة كبيرة من أراضها، حيث تبلغ مساحة الأراضي المزروعة 6.6446 مليون هكتار، مزروع أغلبها بالزيوت الطبيعية، والقطن، والخضروات الفواكه.

كما تقدم المقاطعة الكثير من منتجات اللحوم، حيث وصل إجمالي إنتاج اللحوم إلى 4.114 مليون طن، تتنوع بين لحوم الخنازير والبقر والضأن، بالإضافة إلى إنتاج كميات كبيرة من البيض والحليب والأسماك.

وفي مجال التجارة ارتفعت معدلات مبيعات التجزئة بنهاية 2016، بنسبة 12.3% عن العام الذي يسبقه، بعد خصم عوامل الأسعار، خاصة في مبيعات المواد الغذائية والملابس ومنتجات الاستخدام اليومي.

أما في قطاع الصناعة ارتفع عدد المؤسسات الصناعية بنسبة 8.6 % مقارنة بالعام السابق، ومن بينها الشركات المملوكة للدولة بنسبة 4.6%، وارتفعت قيمة الشركات الخاصة بنسبة 9.5%، كما ارتفعت استثمارات الشركات والمستثمرين الأجانب من هونج كونج وماكاو وتايوان بنسبة 6.9%.

وتشتهر المقاطعة بالعديد من الصناعات الهامة على رأسها صناعة الحواسيب ومعدات الاتصالات والمعدات الإلكترونية، وتصنيع السيارات، وصناعة المنسوجات والملابس والإكسسوارات، بالإضافة إلى إنتاج المواد الكيماوية الخام، وإنتاج وتوريد الطاقة الكهربائية والطاقة الحرارية.

بنية تحتية عملاقة
اعتمدت المقاطعة على كثير من العوامل لإحداث تلك النهضة الاقتصادية الكبرى، حيث عملت على تعزيز البنية التحتية للطرق والمواصلات، كما أنشأت حكومة المقاطعة شبكة اتصالات سريعة تتكون من الطيران والسكك الحديدية والطرق السريعة.

فتوجد أربعة مطارات مدنية ومطار عسكري واحد، بالإضافة إلى سكك حديدية سريعة تربط بين الشرق والغرب، أبرزها خط نقل الركاب ووهان-هيفي نانجينغ، والذي يصل بين "هيفي" عاصمة المقاطعة إلى شانغهاى (أكبر المدن الصينية) إلى ساعتين فقط ثم تصل بعدها إلى العاصمة بكين في 4 ساعات فقط، علاوة على العديد من الطرق السريعة التي تربط أجزاء المقاطعة، وأماكن الإنتاج بأماكن التصدير والبيع.

كما تتميز المقاطعة بكونها واحدة من أكبر شبكات البريد والاتصالات العامة في البلاد، حيث يبلغ عدد خطوط الهاتف الثابت 23 مليون خط، ويوجد في 99.8% من منازل المقاطعة خطوط هاتفية ثابتة وخدمة الانترنت، كما توفر المقاطعة خدمات التليفزيون الرقمي.

وقامت حكومة المقاطعة بإنشاء شبكة للنقل الخارجي تشمل موانئ برية بـ 9 منافذ للدخول والخروج من المقاطعة، قادرة على تحميل واستيراد وتصدير البضائع من مختلف دول العالم، بالإضافة إلى تواجد ممرات مائية داخلية قابلة للملاحة إلى اكثر من 6 آلاف كيلومتر، وهو ما سمح بوجود حركة كبيرة للصادرات والواردات، حيث وصلت قيمة الصادرات بنهاية عام 2016 إلى 33.11 مليار دولار، بزيادة 5.2% عن العام 2015، وبلغت قيمة الواردات 15.69 مليار دولار بانخفاض 11.3%.

السياحة "الخضراء"
رغم أنها لا تمتلك آثار، ولا شواطئ ولا مزارات سياحية متعددة، إلا أنها اعتمدت على ما لديها من جبال ومساحات خضراء شاسعة لجلب السائحين، وقد كان لها ما ارادت، حيث شهد عام 2015 وصول نحو 4.446 مليون زائر إلى أنهوي، بزيادة سنوية بلغت 9.8%، منهم 2.592 مليون سائح غير صيني، بزيادة 11.3%، و1.854 مليون مواطن من هونج كونج وماكاو وتايوان [الدول القريبة من المقاطعة] بزيادة 7.7%. وبلغ عدد السياح المحليين 444 مليون سائح بزيادة 17.2%.

وبلغت إيرادات السياحة في نهاية عام 2016، 412.02 مليار يوان، بزيادة 20.4% عن العام السابق. ومن هذا الإجمالي، بلغت عائدات النقد الأجنبي من السياحة 2.26 مليار يوان ما يساوي 59.8 مليون دولار، بزيادة 23%.

وترجع تلك الأرقام الكبيرة إلى قدرة حكومة الأقليم على استغلال ما حباها الله بمدن ومناطق ذات مناظر طبيعية خلابة، خاصة في مدن "هيفي" (العاصمة)، ووهو، مانشان، جبل جيوهوا، هوانغشان (الجبل الأصفر)، بينغبو، تونكسي.

فعلى سبيل المثال جبل هوانج شان (الجبل الأصفر)، يوجد به 72 قمة ويقع على مساحة 154 كيلومترا مربعا جنوب شرق مقاطعة انهوي، وبه عدد من المحميات الطبيعية لعدد من النباتات النادرة مثل زهرة اللوتس، أشجار الصنوبر، بالإضافة إلى الصخور الغريبة، والينابيع الساخنة، والتي تقع على ارتفاع 1800 متر فوق مستوى سطح البحر، ويتوافد عليه السياح منذ زمن بعيد.

وتقول الأساطير القديمة أن من يمر على هذا الجبل، ينعم بالخلود الأبدي، ويتميز الجبل بمناخ رائع على مدار العام، كما يقوم السائحون بالصعود على قمته بشكل سهل حيث بات منتجع مثالي على مدار السنة لمشاهدة معالم المدينة.

كما أن الجبل ذو قيمة كبيرة في البحوث العلمية والبيئية، وفي عام 1990، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة رسميا هوانغشان في قائمة التراث العالمي ذو القيمة الثقافية والطبيعية. وفي عام 2004، تم إدراجه في قائمة الحدائق الجيولوجية العالمية.

أما جبل جيوهوا فهو أحد الجبال البوذية الشهيرة الأربعة في الصين الذي يقع في مدينة تشينغيانغ جنوب مقاطعة انهوى، ويقع على مساحة100 كيلومتر مربع، ويوجد به 99 قمة، على ارتفاع 4.398 قدم (1342 متر)، فوق مستوى سطح البحر، تشكل معا ما يشبه زهرة اللوتس، وبه العديد من المواقع السياحية المعروفة، والمواقع ذات الأهمية التاريخية المرتبطة بالحضارة البوذية القديمة، والبحيرات والأنهار على خلفية من الجبال الخضراء.

وتتضمن تلك المنطقة اكثر من 90 معبد ودير، وأكثر من 6000 تمثال منحوت لبوذا، بالإضافة لأكثر من 2000 قطعة من الآثار الثقافية.

وبالنسبة لـ "هيفي"، فهي عاصمة المقاطعة، وهي المركز السياسي والاقتصادي والثقافي، كما أنها تحتوي على العديد من الأماكن ذات الأهمية التاريخية والمناظر الطبيعية الخلابة، مثل معبد الآله باوجونج.

كما توجد مدينة "ووهو"، التي تشتهر بكثير من الأعمال الفنية القديمة الرائعة المنحوتة في الصخور، ومدينة "تونكسي" التي تعد السوق القديم للمقاطعة، ويشتهر بها المنتجات المحلية القديمة، وكذلك قرية "زيدي" وهي تحتوي على كثير من المنازل التقليدية المبنية بهياكل خشبية بسيطة وعوارض منحوتة، وأعمدة ملونة، والتي يصل عددها إلى 124 منزل، كما تشتهر بالأزقة والممرات الضيقة، وتعانق القرية التلال الخضراء الصغيرة، التي تغطيها منحدرات الخيزران والشاي وغابات الصنوبر، وقد ضمتها اليونسكو كموقع للتراث الثقافي العالمي في عام 2000.

العنصر البشري أول أسباب النجاح

اعتمدت المقاطعة على ما يُعرف بعملية "الإبداع الجمعي" لتحقيق تلك الأرقام المذهلة وذلك من خلال استراتيجية تطوير تعتمد على العنصر البشري في المقام الأول، وكثير من عمليات التدريب في مختلف الصناعات، وبناء مراكز للإبداع والتطوير، مهمتها إنشاء جيل جديد من المفكرين والمبدعين في مختلف المجالات، خاصة الصناعية والتكنولوجية، وهو ما أفرز على سبيل المثال زيادة نسبة الصناعات التقنية في العاصمة "هيفي" إلى 30% من جملة الصناعات التي تقدمها المدينة من خلال مركز وطني للهندسة الإلكترونية، و 5 مراكز أبحاث مختلفة تقوم على إدارتها حكومة المقاطعة، بإشراف من الحكومة المركزية في بكين.

كما قدمت حكومة المقاطعة 108 ألف ساعة تدريب لأكثر من 32 فريق علمي وتكنولوجي متخصص، بالإضافة إلى إقامة أكثر260 برنامج عصف ذهني.

بالإضافة إلى ذلك اهتمت حكومة الأقليم بالصناعات المستجدة من خلال البرامج والمشروعات الاساسية لديها، وكذلك أطلقت كثير من المنصات التكنولوجية التي ساهمت في حل كثير من المشكلات لدى مواطني المقاطعة.

تعليم.. علوم.. تكنولوجيا

لم تغفل مقاطعة آنهوي الالتزامات الاجتماعية التي توفرها لمواطنيها وعلى رأسها التعليم والعلوم التكنولوجيا، وتقول الأرقام إنه بحلول نهاية عام 2016، بلغ عدد المؤسسات التي تقدم برامج الدراسات العليا 21 مؤسسة، وبلغ عدد الطلاب المسجلين فيها 51738 طالبا، وبلغت نسبة الالتحاق بالتعليم العالي 1.145 مليون طالب.

كما توجد 817 4 مؤسسة بحثية للعلوم والتكنولوجيا، و1224 مؤسسة بحثية أنشأتها مؤسسات كبيرة ومتوسطة، وبلغت نفقات البحث والتطوير 47.5 مليار يوان فى عام 2016 تمثل 1.97% من اجمالى الناتج المحلى فى المقاطعة.

بالإضافة إلى وجود 5 برامج علمية وطنية كبيرة، و23 مختبرا رئيسيا للهندسة، و106 مختبرات إقليمية، و51 مختبرا للوزارة، و690 مركزا بحثيا هندسيا (فنيا)، و18 منطقة جديدة للتنمية الصناعية والتكنولوجيا العالية والجديدة، وبلغ عدد المشاريع الجديدة الفائقة التكنولوجيا 8633 مشروعًا، وخلال العام الأخير تم قبول 172.552 طلب براءة اختراع.

والأمثلة كثيرة ومتعددة على المشروعات التكنولوجية في المقاطعة، حيث توجد في العاصمة هيفي أول مدينة للعلوم والتكنولوجيا، تكرس جهودها للعلوم، وتضم أكبر مجموعة من المواهب العلمية والتكنولوجية في الصين، وتسعى المدينة بنشاط إلى البحث عن صناعات تكنولوجية جديدة والاستخدام الفعال للطاقة والمواد الخام.

كما يوجد معهد خفى للعلوم الفيزيائية للأكاديمية الصينية للعلوم، وهو التابع للاكاديمية الصينية للعلوم، وقد تأسس المعهد في عام 2001، وهو يقدم شهادة ما بعد الدكتوراه في عدد من المجالات العلمية المختلفة، ويبلغ عدد طلبة المسجلين به 1200 طالب.

وكذلك مختبر هيفي للإشعاع المتزامن والذي يقع في الحرم الجامعي من جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين، وهو أول مختبر على مستوى الصين، ويهدف إلى استخدام الإشعاع المتزامن، كمصدر جديد للضوء، ويمكن استخدامه في العديد من مجالات البحوث الأساسية ومجالات البحوث التطبيقية مثل الفيزياء والكيمياء وعلوم المواد وعلوم الحياة وعلوم المعلومات والميكانيكا والعلوم الجيولوجية والعلوم الطبية والزراعة، وحماية البيئة، ويبلغ عدد المسجلين فيه أكثر من 150 طالب.