رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

حسن حنفي يكتب: هل يجوز سلام الرجل على المرأة؟

النبأ

مازال الفقه القديم هو السائد على عقلية كثير من فقهاء العصر. يعيدون سؤال الحركة السلفية الذى عارضته حركة الإصلاح الدينى. فمصالح الأمة وأسئلتها أكبر من ذلك بكثير. ويتركون مسائل الفقه الحديث مثل الحرية والاستبداد، الغنى والفقر، الاستقلال والتبعية، الوحدة والتجزئة، التخلف والتقدم، تحرير الأرض أم احتلالها، نوم الجماهير أم يقظتها. وهل التدين فى الفقه ومراعاة أحكام الشرع أم فى نقاء الضمير، وصفاء النفس «يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم». وهل القضية لمس يد الرجل يد المرأة أم نظافة اليد من السرقة والرشوة والفساد رجلا أم امرأة، والسلام على العدو وهو مازال يحتل الأرض؟

 

استنباط أحكام الفقه فى مسائل لم ترد فى الشرع. وهى مسائل لا تمس مصالح الناس. ويعتمد على أصول الفقه الذى يقوم على الأصل والفرع والعلة والحكم. فأين الأصل الذى بُنى عليه عدم جواز سلام الرجل على المرأة، وهو الفرع؟ وأين العلة التى توجب هذا الحكم وهى الإثارة الجنسية؟ وهل سلام الأستاذ على طالبة وتهنئتها بعد الحصول على الدرجة العلمية فيه إثارة؟ وهل سلام رئيس الجامعة أو رئيس الدولة على الحاصلات على جوائز الدولة فى عيد العلم تنطبق عليه علة الإثارة؟ هل المرأة شيطان غواية إلى هذا الحد، لا هم لها إلا إثارة الرجل، وإثارة الرجل لها لمجرد لمس اليد؟ هل الرجل ذكر، والمرأة أنثى، وليس لهما إلا هذا الوضع وهذه الوظيفة؟ وقد يمتد السؤال إلى أسئلة أخرى، هل يجوز الجلوس بجوارها فى مدرجات الجامعة أو فى المواصلات العامة أو الوقوف وراءها فى طوابير البنوك؟ هل تجوز رؤيتها فى الطريق العام بعد خروجها من المنزل للعمل أو لقضاء حاجة للأسرة؟ هل يجوز تخيلها مثل هند رستم وكاميليا أو جريتا جاربو أو مارلين مونرو؟ هل يجوز تخيلها وعشقها وهو محروم منها؟ هذه هى أسئلة المحرومين أو العاجزين لأسباب جنسية أو اقتصادية. هو سؤال الحرام واختزال الفقه كله، العبادات والمعاملات، فى هذا الموضوع. يحتاج السائل إلى تحليل نفسى لمعرفة الدوافع على هذا السؤال. ليس الفقه كله حلالا أو حراما بل فيه مندوب ومكروه أى الحرية الإنسانية فى الاختيار. وهناك المباح الذى لا يُسأل عنه لأنه فعل طبيعى من طبيعة البشر مثل شرب الماء واستنشاق الهواء والسير والقيام والقعود. وقد يكون السؤال فيه إحراج وإساءة للسائل والمسؤول «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ». صحيح أن كثيرا من الآيات القرآنية نزلت إجابة على أسئلة عصرها مثل الحيض والنفاس والأنفال، فأين الإجابة على أسئلة عصرنا؟ تلك مهمة الفقه الجديد اعتمادا على القياس.

 

ألم ير آدم حواء، وكلاهما عرايا يخصفان من ورق الشجر على عورتيهما؟ بل إنها طبقا لبعض الروايات خلقت من ضلعه أى من لحمه ودمه. كانا متلاصقين ونحن نريد تفريقهما! وهل المرأة فقط للنكاح أم أنها تعمل وتخرج للحياة العامة وتنتج مثل الرجل بل إنها تشارك فى الدفاع عن البلاد عن طريق معالجة المصابين فى ميادين القتال؟ وبهذا السؤال فإن الفقه القديم يخلق موضوعات لا وجود لها. وهى ضد منطق تطور المجتمع والتاريخ. فالمجتمع العربى الآن لم يعد هو المجتمع الجاهلى القديم الذى كانت فيه المرأة موضوعا للخطف والأسر والبيع فى سوق النساء. وهو ضد منطق التاريخ وتقدمه. فالمرأة تجاوزت العصر القديم والعصر الوسيط وأصبحت أحد مكونات العصر الحديث. ليست فقط أما ولا مطلقة ولا أرملة بل كائن إنسانى مثل الرجل لها نفس الحقوق وعليها نفس الواجبات. والسؤال ليس: هل يجوز للرجل السلام عليها باليد؟ ولكن أين حقوقها التى أصبحت تنادى بها منذ أكثر من قرن من الزمان، وكونت الجمعيات والاتحادات والمنظمات المدنية لذلك؟ هل ستبقى نصف وارثة، فللذكر مثل حظ الأنثيين؟ والأرمل والمطلقة تعمل كى تعيل أولادها الخمسة حتى العشرة. هل هى نصف شاهدة لأن شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد؟ وقد خرجت للعمل وتعلمت وتعرف كيفية التفرقة بين الحق والباطل. وليس هناك ضمان أن شهادة الرجل هى الصادقة. هل هى ربع امرأة وذلك لجواز زواج الرجل من أربع؟ ولا يعرف أحد أن هذا الحكم ليس على الإطلاق بل فى حالات استثنائية مثل المرض الذى يقعد المرأة عن العمل أو عدم الإنجاب أى المرأة العاقر.

 

وماذا عن تزويج القاصرات للعرب الأغنياء ثم طلاقها بعد أشهر وإرجاعها إلى أهلها بعد أن تكون قد حملت أو أنجبت بعد عام والطفل على يديها بعد أن باعها أبوها بالآلاف؟ وماذا عن حدود الرجم للمرأة والجلد للرجل الذى لا يستطيع أحد البوح به الآن، وهو من بقايا الشريعة اليهودية والقانون الفارسى والرومانى، حيث نشأ بينهما الفقه القديم؟ والآن من يستطيع دفع تكاليف الزواج من خطبة وعقد شرعى وزفاف؟ ومن يستطيع أن يجد سكنا يتطلب مئات الألوف؟ وأى أسرة تستطيع الآن أن تعيش وتعول نفسها بمرتبها الضئيل والأسعار المرتفعة؟ ثم نسأل بعد ذلك عن الرشوة والفساد فى المجتمع أو الهجرة الشرعية أو اللاشرعية التى تضحى بالعمر غرقاً فى البحار من أجل البحث عن الرزق!

 

فأين مصالح الناس التى تغيب عن فقه الفقهاء المحدثين الذين يهربون إلى الفقه القديم خوفاً من الحاكم أم عدم وعى بدور الفقه فى الدفاع عن مصالح الناس؟ إن دور الفقه الآن حل هذا التناقض الشديد بين الأغنياء والفقراء فى المجتمع الواحد، ومطالبة الأغنياء بحق الفقراء فى أموالهم، «وَالَّذِينَ فِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم». كما أن دور الفقه الحديث هو الدفاع عن الحريات التى يدافع عنها المدنيون وحدهم. ويسترجعون العبارات الشهيرة فى تاريخنا القديم «لِمَ استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟» بل إن بعض المؤسسات الفقهية تسير مع نظم الحكم أينما سارت متخلية عن دورها فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. إن دور الفقه الجديد هو المساهمة فى تحرير الأرض، فلسطين، ضاع نصفها فى 1948 والنصف الآخر فى 1967. ويقترح الفقهاء على الأمة ماذا تفعل؟ وما العمل فى رفع العدوان عن سوريا، وإنهاء الخصام بين الطوائف فى العراق واليمن، وبين القبائل فى ليبيا؟ كيف يمكن إعادة الوحدة للأمة من جديد بعد أن مزقتها الصراعات الطائفية والعرقية، والأصول موجودة مثل «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم»، «وَالصُّلْحُ خَيْر»؟ كيف يمكن تحقيق المصالحة بين مصر، قلب العالم العربى والإسلامى، وتركيا وإيران لتكوين شرق أوسط جديد بدلا من أن تملأ فراغه أمريكا وإسرائيل؟ وما أكثر المشاكل التى تفرقت فيها الأمة ولديها كل عناصر القوة الممكنة: السواعد، ورءوس الأموال، والأراضى، والموارد الطبيعية كالنفط كى ننتقل من الشعوب المتخلفة إلى الشعوب المتقدمة بعد تعثر وسائل التنمية الحديثة. إن مسؤولية الفقهاء الآن حماية مسلمى ميانمار حتى لا تتكرر مأساة فلسطين.

 

لقد نجحت ماليزيا وإندونيسيا وبعض الدول الإسلامية فى أواسط آسيا بمناهج التحديث اعتمادا على العقل الخالص، فلماذا لم تنجح الأمة العربية فى استقلالها الاقتصادى والسياسى؟ هل للاعتماد على النقل، النص القديم الذى تعتمد عليه الحركة السلفية أو للنص الحديث الآتى من الغرب، وكلاهما تقليد مضاد للاجتهاد، روح الفقه؟

 

قد يكون الخوف أحد أسباب التقليد. قد يكون الاستسهال فى الموضوعات التى لا نفع فيها ولا فائدة مثل هل يجوز سلام الرجل على المرأة باليد العارية وكأنها جسد عار؟ قد يكون غياب العمل المشترك بالرغم من المجامع الفقهية، وتعدد طرق الاجتهاد، والوصول إلى أحكام مختلفة فى موضوعات الفقه القديم. والعجيب انتقال الفقهاء من جواز سلام الرجل على المرأة باليد إلى جواز استعمال أسلحة الدمار الشامل لدرء العدوان على الأمة! من اللاشىء إلى كل شىء! وكلاهما هروب عن المشاكل الفعلية كالجوع والمرض والأمية. وما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن. متى يصبح فقهاء الأمة قادة لها، أمامها وليس خلفها، يقودون ولا يُقادون؟

نقلًا عن جريدة المصري اليوم