رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

عملية تجهيز «العصار» لرئاسة الوزراء على طريقة «أحمد شفيق».. «تقرير»

العصار والسيسي وشفيق
العصار والسيسي وشفيق


ربما غيرت «البدلة» المدنية «نسبيًا» من شكل اللواء محمد العصار، وزير الإنتاج الحربي، والذي ظل لفترات طويلة يتولى مهمة «هيئة التسليح» بالمؤسسة العسكرية المصرية، مرتديًا «بذته»  العسكرية، متحليًا بالصمت في أحلك الأوقات، وأكثرها صعوبة؛ فقد عُرف «العصار» دائمًا بين قادة الجيش بـ«نظرات الثعلب» الذي يدير الأمور بهدوء من يثق بصواب القرارات، والحكمة في القول والفعل.


الكلام السابق، يعد تمهيدًا للحديث عن اللواء محمد العصار، الذي ظهر بقوة خلال الأيام القليلة الماضية، لاسيما بعد إسناد عدد كبير من المهام والملفات الحيوية لوزارة «الإنتاج الحربي»، ما يثير الجدل مجددًا حول الدور الجديد لهذه الوزارة، ومدى تغللها في مفاصل الدولة، ولماذا انتقلت تلك الملفات من الوزارات الأصلية التابعة لها إلى وزارة «محمد العصار»؟، التي انتقل إليها في سبتمبر 2015، بعد سنوات طويلة قضاها في «المجلس العسكري».



في حركة ربما لم تكن مفاجئة، تنازلت وزارتا التموين والتخطيط لوزارة «الإنتاج الحربي» عن مسئوليتها في إدارة منظومة بطاقات الدعم صرف التموين وتوزيع الخبز.



خالد حنفي، وزير التموين الذي استقال من منصبه على خلفية أزمة إقامته في فندق «سميراميس»، وقضية الفساد في توريد القمح، قال إن نقل ملف البطاقات من وزارة التخطيط إلى الإنتاج الحربي، هدفه السرعة في استخراج البطاقات التموينية، وبدل الفاقد والتالف، وبطاقات الفصل الاجتماعي، وتوفير الماكينات الخاصة بالمخابز والبقالين الجدد.



من الملفات الأخرى التي تم إسنادها لوزارة «الإنتاج الحربي»، ملف عدادات المياه، فقد وقعت وزارتا الإسكان والإنتاج الحربي، بروتوكول تعاون يتضمن إسناد مشروع تصنيع «عدادات المياه» بالأمر المباشر لوزارة الإنتاج الحربي.



في نفس السياق، تتعاون الإنتاج الحربي مع وزارة الصحة؛ لإنشاء مصنع لإنتاج «أدوية الأورام» في مصر، وفي وقت سابق، نفذت وزارة «العصار» أيضًا مشروعًا لحصر وتسجيل و«ميكنة» كافة الحيازات الزراعية على مستوى الجمهورية، فضلا عن تولي الوزارة لمهمة تطوير عدد كبير من  «مزلقانات» السكة الحديد.



من المؤكد، وبدون شك، أن الملفات السابقة التي أسندت لوزارة الإنتاج الحربي، بعيدة كل البعد عن المهام الأساسية المفروض أن تتولاها الوزارة المكلفة في الأصل بإدارة وتطوير وتشغيل الصناعات الحربية، وإنشاء الصناعات المغذية لها، فضلا عن تبعية 16 شركة للوزارة، وهي الشركات التي تعمل غالبيتها في صناعة الأسلحة.



العدد الكبير من الملفات التي تم إسنادها لوزارة الإنتاج الحربي، ربما تكون مقدمة لتحول كبير وجديد لـ«محمد العصار»، الذي تطرأ تغيرات كبيرة على مسيرته المهنية، فقد عُرف هذا الرجل لسنوات طويلة بأنه «مهندس صفقات التسليح مع الولايات المتحدة الأمريكية«، ثم صعد «للهاوية» بعد أن أصبح مسئولًا عن ملفات خاصة ببطاقات التموين، وعدادات المياه.




كان اسم اللواء محمد العصار، مجهولًا لغالبية المصريين الذين لا يعرفون شيئًا عن أعضاء وقيادات المجلس العسكري، ولكن جاءت ثورة 25 يناير، وتولي الجيش قيادة أمور البلاد، ومن هنا بدأ الظهور القوي لعدد كبير من القادة العسكريين مثل ممدوح شاهين، الذي يشغل منصب مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية والدستورية، ومختار الملا، مساعد وزير الدفاع، وإسماعيل عتمان، ومحسن الفنجري، والذين أحيل غالبيتهم للتقاعد في الفترة التي تلت خروج المشير محمد حسين طنطاوي من وزارة «الدفاع»، وتعيين عبد الفتاح السيسي بدلًا منه، قبل أن يصبح الآخير رئيسًا للجمهورية، ويتم تصعيد الفريق أول «صدقي صبحي»، إلى قمة المؤسسة العسكرية المصرية.



طوال وجود اللواء «محمد العصار» في المجلس العسكري في فترات حكم «مبارك» و«مرسي» و«عدلي منصور»، ثم عبد الفتاح السيسي، عُرف عنه العلاقات الوثيقة والقوية بالولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما فيما يخص «ملف التسليح»، لكن الأخطر من ذلك أنه في عام 2010 ظهرت وثيقة صادرة صادرة عن «الاستخبارات الأمريكية» تؤكد أن اللواء محمد العصار، كان من الشخصيات التي لعبت دورًا كبيرًا في ملف إخلاء الشرق الأوسط من «السلاح النووي».



في الفترة التي تلت تولي الجيش قيادة أمور البلاد في 2011، تولي اللواء محمد العصار عددًا كبيرًا من الملفات الهامة في هذا التوقيت، ومنها قضية تمويل أمريكا لمنظمات المجتمع المدني، ومحاولة «تجمييل» وجه القوات المسلحة بعد «مجزرة ماسبيرو» التي وقعت في أكتوبر 2011، ثم الحفاظ على مواد الجيش في الدستور الجديد؛ لاسيما الأجزاء الخاصة بمحاكمة المدنيين أمام «القضاء العسكرى»، وإلغاء موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تعيين «وزير الدفاع».



من الملفات الهامة الأخرى التي أسندت لـ«العصار»، ملف استعادة المعونة العسكرية الأمريكية، وتقوية العلاقات والتعاون العسكري مع كل من روسيا وفرنسا، كما لعب دورًا كبيرًا في إنهاء ملفات العديد من صفقات السلاح مع باريس مثل صفقة طائرات «الرافال».




في أغسطس 2012، ظهر اللواء «محمد العصار» أكثر من مرة متحدثًا عن التغيرات في المؤسسة العسكرية والتي أجراها الدكتور محمد مرسي، رئيس الجمهورية وقتها، موضحًا أن خروج المشير محمد حسين طنطاوي، وسامي عنان، من «المجلس العسكري»، كان بعد مشاورات ومداولات كثيرة مع قادة الجيش.



ولم يكن هذا الظهور المتكرر سوى محاولة من «العصار» للحفاظ على هيبة «المؤسسة العسكرية»؛ حتى لا يتم تصوير خروج «طنطاوي» من المجلس العسكري بأنه «الخروج المذل من المؤسسة العسكرية»، لاسيما أن عملية الإطاحة بالمشير وعنان تلت «مجزرة» رفح الأولى، فظهرت العديد من التقارير التي تؤكد أن التغييرات التي أجراها «مرسي» كانت «عقابًا» لقادة الجيش على حدوث هذه «المجزرة».



ربما تصبح عملية إسناد عدد كبير من الملفات الحيوية لوزارة «الإنتاج الحربي»، مقدمة وعاملًا مهمًا لدور جديد قد يلعبه اللواء «محمد العصار»، خاصة أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يثق في «العصار» ويحترمه بدرجة تتساوي في احترامه وتقديره للمشير محمد حسين طنطاوي، الدليل على ذلك ما جاء في تسريب مسجل لـ«عباس كامل»، مدير مكتب الرئيس، حيث سُمع صوت شخص لم يتم التعرف على هويته يسأل عباس كامل: هو فين المشير، فأجاب «كامل»: «نزل تحت عند اللواء محمد العصار»، هذا الموقف حدث عندما كان «السيسي»، وزيرًا للدفاع، و«العصار» مساعده لـ«شئون التسليح».




في الفترة التي تلت وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي لحكم مصر، لعب اللواء محمد العصار دورًا مهمًا في تقديم العديد من الاستشارات للرئيس، حيث كان دائم التردد على «قصر الاتحادية»، ما دعم فرضة إمكانية توليه «رئاسة الوزراء» ضمن العديد من الأسماء العسكرية التي تم ترشيحها لهذا المنصب مثل الفريق «مهاب مميش»، رئيس هيئة قناة السويس، واللواء محمد فريد حجازي، قائد الجيش الثاني الميداني الأسبق، والأمين العام لوزارة الدفاع، ولكن فضل السيسي في النهاية الإبقاء على المهندس إبراهيم محلب، في منصب رئيس الوزراء، وما تلي ذلك من وصول المنصب لمهندس أخر أقل ظهورًا، وأقل كفاءة، وهو المهندس شريف إسماعيل.



لكن تصاعد الدور الذي يؤديه اللواء «محمد العصار» في وزارة الإنتاج الحربي، ربما يكون مقدمة طبيعية لـ«نزوله الملعب» من جديد، وتولي منصب مدني أرفع؛ لاسيما أن الرجل يمتلك العديد من العلاقات الدولية الجيدة، كما أنه لا يملك أية «عدوات» مع التيارات السياسية المختلفة التي ربما تراه «جنرالًا عسكريًا» يشبه إلى حد ما الفريق أحمد شفيق، الذي تولي مناصب مدنية من أهمها منصب «رئيس الوزراء»، ونجح فيها، ولكن كان «مبارك» سببًا في أن يصبح المرشح الرئاسي السابق، وزعيم حزب الحركة الوطنية المصرية «كارتًا محروقًا».. الأيام القادمة ستكشف في ما يدور في «الغرف المغلقة»…