الورقي
صبري الموجي يكتب: بـأيدينا نمسح دموعنا !
قضيةُ الإصلاح، وهل يكونُ من القمة أو القاعدة، هي مشكلةٌ أزلية، حارتْ وتحارُ فيها العقول تماما كـ (لغز) أيهما أسبق.. الدجاجة أم البيضة ؟
وبعيدًا عن سفسطة التاريخ لسبقِ البيضة أم الدجاجة، وتوجيه بوصلة الإصلاح نحو القمة أو القاعدة، تعالوا نتفق علي أن تقدير الله نافذٌ لا محالة؛ فعلمُ الله يسبقُ إرادة البشر وأفعالَهم، فلا يقع في أرض الله إلا ما أراد سبحانه.
وقد يقع في كون الله ما لا يرتضيه الناسُ أو يرتضيه البعض، ويرفضه آخرون، وهذا - قطعا - لأمور: منها أنه قد يكونُ ابتلاء لتمحيص الناس، وتمييز الخبيث من الطيب، ومنها أنه قد يكون عقابا يُنزله الله علي عباده جراء ذنب اقترفوه، ومنها أنه قد يكون رحمة لم تفطن إليها عقولُهم القاصرة، وتفكيرهم المحدود، وأيا كان الاحتمال، فإن الواجب أنه لا بد من التعايش مع الواقع قدر المُستطاع، ومحاولة تغييره - إن لم يوافق هوانا - بالسبل الشرعية إن أمكن، بعيدا عن الفوضي، التي لا تُقيم دولة، ولا تبني وطنا !
ولا أشير من طرفٌ خفي خلال هذا المقال إلي مسئول بعينه، ولكن أقصدُ كلً مسئول، وكل رئيس مؤسسة، أو مدير هيئة ومصلحة، إذ إن حال الناس معه هو من (يُفرعنُه)، أو يجعله فاروقا قدر طاقته، فيحرص علي أن يُقيم ميزان العدل؛ لإيمانه بأن وراءه أناسا، يراقبون ما يصنع مُتطلعين للعدل، ولا يرضون بأنصاف الحلول.
دفعني لكتابة هذا المقال ما رأيته من صراعٍ محموم علي مقاعد مجلس إدارة، ومقاعد الجمعية العمومية بالصحف القومية، وهو تنافسٌ محمود لو أتي أُكله، وجاء بمسئولين يحملون همومَ مؤسساتهم، ويتطلعون لإقالة عثراتها، لا أن يجلسوا بمجرد اختيارهم ونجاحهم متكئين علي آرائكهم الوثيرة يقولون: هذا لكم وهذا أهدي إلي، أو يقولون زورا علي خلاف الحقيقة: ورثته كابرا عن كابر، أو أوتيته علي علم عندي، وإلا كان بلاء لو تعلمون عظيم !
المنافسة - حماكم الله - مطلوبة، والطموح شيء حميد، لكن لا بد من أن تدعمه برامجُ جادة، وأفكارٌ طموحة بعيدة عن الخيال، وإلمامٌ بآليات تنفيذها، والبعدُ عمن يحلمون بتحقيق مجد شخصي علي حساب مهنة تلفظ أنفاسها الأخيرة.
قال عمنا أبو القاسم الشابي المناضل العظيم رحمه الله:
إذا الشعبّ يوما أراد الحياة... فلا بد أن يستجيب القدر.
فبيدك أخي الناخب تصنع مستقبلك، وتحمي مهنتك، فتجنب أن تأتي بـ( عبده مُشتاق)، الذي لا ينفك يجري وراء مصالحه الشخصية، ويجعل مصالح ناخبيه آخر أهدافه.
ربما يخرج من بين السطور من يقول إنها أحلام وردية لن تجدَ لها مساحة علي أرض الواقع ويأتي الرد.. لو سلمنا بأنها أحلام فمن حقنا أن نحلم، ونسعي لجعل الحلم حقيقة !
ومن أدراك - أيها المُثبط - فقد يصيرُ الحلم واقعا.. المهم أن نبدأ.. فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة، ويجب أن تكون لجموع الصحفيين إرادة حرة، واختيارٌ نزيه بعيد عن المصالح والهوي، ورفض كل من كانت له تجربة سابقة ولم يُقدم.. تلك هي الإيجابية التي تصنع مستقبلنا، وإلا سنظل نبكي دون أن نجد من يمسح دموعنا !
