رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

حسام صلاح يكتب: أزمة الإنسان المعاصر

حسام صلاح
حسام صلاح

إن الإنسان المعاصر في القرن الحادي والعشرين يمر بأزمات فكرية عصيبة ودوامان وتيارات لا يفقه منها شيء، أصبحت الحياة المادية تطغى على شتى نواحي الحياة، إنّ الأزمة الحقيقة لا تكمن في المادة من حيث كونها مادة لأنه مع تاريخ الفكر الإنساني كانت المادة أحد الأشياء الأساسية التي بحث فيها الإنسان، ومن تكوين الإنسان الخلقي المركب من المادة والروح لا يستطيع الإنسان من خلاله أن يلغي الدور الماديّ للحياة بشكل عام، ولكن أبشع ما وصل إليه الإنسان هو إنه جعل المادة هي الأساس،وذلك يرجع  إلى أسباب تراكميّة كثيرة وردة فعل لمثالية طويلة عاشها الإنسان "الأوربي"، إن الإنسان "الأبيض الغربي" مر بأطوار كاملة من التناقض والتعقيد فمن مثالية "هيجل" إلى قانون "كانت" إلى "ماركسية وشيوعية" إلى "عدمية ووجودية" إلى حروب عالمية أودت بحياة الملايين، كل هذه الظروف الصعبة والمعقدة التي كان لها أثر بالغ في تشكيل العالم الذي بين أيدينا اليوم ونحياه سويًا أنتجت لنا نوع جديد من الفلسفة الإنسانية، إن فلسفة العالم الآن هي التي تمثل قوته وتنظيره، إن سيطرة الفلسفة "الأمريكية" على العالم لم تأتي وليدة الصدفة أو اللحظة بل هي "سنة" الإنسان أن من يحكم العالم تسود فلسفته وتنتشر ولا شك أن العالم الآن يعيش تحت وطئة البيت "الأبيض الرأسمالي البرجماتي" فلا عجب أن تكون هذة النسخة من الفلسفة هي التي تسيطر على الإنسان، ولكن ألا يستحق الإنسان أفضل من ذلك.؟

 

بالطبع يستحق الإنسان بتاريخه الفكريّ الطويل ورحلة الألم والمشكلات الإنسانية منذ أن عرف الإنسان التفكير يستحق أرقى وأفضل من ذلك.

وهنا ننتقل لجزئية أخرى، قد يتوهم البعض أن الفلسفة لم يعد لها دورًا وهذا قد يراه الكثيرين من المفكرين والعلماء والأدباء، لكن الفلاسفة على عكس هذا الرأي.


إن الفلسفة هي مرآة العالم والحضارات والشعوب بل هي الوجه الحقيقي للإنسانية، فكلما ارتفع الإنسان في فلسفته اقترب أكثر إلى الحقيقة الوجودية ورأى ما لا يراه الآخرون.


إن الفلسفة لا تعتني بالجزئيات التي ينحصر فيها العلم بشكل عام بل هي أكبر وأعمق من ذلك، هي التي تُعطي للعلم قيمة ومنهج وطريق، إنما مهمة الفلسفة الحقيقة أنها تعتني بالبحث في الكليات دون الجزئيات والبحث في حقائق الأشياء وماهيتها وإثارة المشكلات التي تدفع الإنسانية إلى الأمام، ولكن مع طغيان الإنسان المادي وما وصل إليه من نتائج جزئية توهم أنه قادر على إلغاء دورها وممارستها والعجيب إنه استعان بنموذج فسلفي سيء للبرهنة على ذلك فوقع في التناقض من حيث لا يعلم ولا يدري.


إن أغلب مشكلات الإنسان المعاصر تكمن في نقاط أساسية ونقاط فرعية، وفي هذا الكتاب نحاول أن نوضح بعض المشكلات الأساسية:
١_الفكر والنظر: يعيش الإنسان الآن بطريقة تفكير كالألة المبرمجة، يفكر من خلال نقاط ضيقة جدًا ولا يتسطيع أن يرا أبعد من ذلك فمهما عاش من السنين سنين يعجر أن ينتج نتاج إنساني أفضل من ذلك ما دام بقيت نفس الرؤية ونفس المنهجية للتفكير.


وهذا ينعكس بالأساس على شكل الحضارات والعالم الآن والحروب والمجاعات والمكسب والرزق والمعيشة، فالشعوب الآن تعيش مرحلة متشابهة جدًا إلا قلة قليلة منهم على مستوى الأفراد، لكن بطريقة إحصائية بسيطة يمكننا أن نعلم أن أغلب شعوب العالم تعيش حالة من التعاسة والإكتئاب والبؤس بطريقة دريماتيكية كالأشخاص البؤساء في مسرحيات الفيلسوف الوجودي "جابريل مارسيل" فهي مشابهة أقرب للواقع، فما السر والسبب وراء ذلك؟، وكيف وصل الإنسان إلى هذه الدرجة من البؤس والتعاسة مع كل ذلك التقدم.


إن التقارير والأبحاث تشير إلى أن بلاد كثيرة أصبح اغلب متوسط أعمارها من كبار السن يعيشون وحدهم دون أبنائهم، أصبح أكثر من ربع سكان العالم يترك موطنه الأصلي ويسافر إلى بلاد آخرى ليحيى حياة أفضل..ربما قد تكون أفضل من موطنه الأصلي، لكن ليس هذا هو النموذج الذي يرتضيه ويسعى إليه ولكنه لا يكتشف ذلك إلا بعد فوات الآوان وقد أصبح مثله مثل الألات لم ينعم بحياة ولا فكر ولا نظر ولا سعادة.

إن من طغيان ما وصلنا إليه أنه لم يعد أحد يفكر في إحتمالية الوجود الأفضل الإنساني، منظومة العالم الآن تنحصر في ثلاث مفاهيم كلية تستعبد الإنسان من حيث أقر بذلك أو لم يقر فالحقيقة دائمًا تفرض نفسها، البرجماتية كنظام للتفكير والأخلاق، والرأسمالية في معاش الناس كنظام لضمان سير الحياة كما تم التخطيط لها والشركات الكبرى التي ابتلعت العالم وأنتجت لنا التعاسة الإنسانية والإستعباد بالنظام الحديث.


هذه هي المكونات الأساسية لشكل العالم إذا ما أحببنا أن نوضح تكوينه الأساسي المعرفي، بخلاف الفقر والجوع والعوز وقلة التعليم واهمال الصحة في اماكن كثيرة في العالم ولكن لن نتحدث هنا عن المشاكل الجزئية ونكتفي بالبحث في الكليات كالفلاسفة إيمانا أنه إذا انتظمت الكليات إنتظم الجزئيات تباعًا لها.


ورجوعًا إلى الكليات الثلاثة التي تحدثنا عنها فهي تعتبر أساس الشر في ذلك العالم وهي نتيجة أراها طبيعة لغياب "الفلسفة الحقيقة" أو بتعبير أدق "تغيب" لأكثر من قرن من الزمان وإهمالها وبالتالي إهمال التفكير الإنساني الحقيقي وهذه جريمة كبرى في حق كل إنسان يعيش في هذا العالم.


إن الغياب الحقيقي لدور الفلسفة والفلاسفة وتهميشهم هو سبب رئيسي لتعاسة العالم ويعاب في هذا كل إنسان بما فيهم الفلاسفة.
ونرجع بالزمن إلى الوراء قليلًا نجد كتاب هامًا يعتبر شاهد على التاريخ ألا وهو كتاب "مشكلة الفلسفة" لكاتبه الدكتور زكريا إبرهيم لنعرف من خلال الكتاب إلى أي مدى وصلت الحرب العنيفة مع الفلسفة والفلاسفة فيحاول دكتور زكريا أن يؤصل لفكرة هامة وهي أن "الفلسفة" ستظل باقية ولن تفنى إلا بفناء آخر إنسان، وأنا  أتفق معه قطعًا على هذا القول، ولكن انظر كيف وصلت حالة الصراع مع الفلسفة والفلاسفة لدرجة تستدعي أن تبرهن على وجودها!، هذا إن دل يدل على دنوء ما وصل إليه الإنسان.! وكان مبشر حينها أن العالم سيصل إلى هذه النتيجة الحتمية لا مفر.!


وانظر بعينك إلى العالم لتعرف أين الفلسفة واين هم الفلاسفة، لم تكن يومًا الفلسفة منذ ان خلقها الإنسان وظيفتها أن تكون حبيسة الكتب، بل هي تجربة إنسانية خالصة يسعى فيها الإنسان إلى الحقيقة وفهم أصول الأشياء والسعي نحو نموذج إنساني أفضل يسموا فيه الفرد والمجتمع جمبًا إلى جمب ورويدًا رويدًا تصبح نظرية قابلة للتطبيق والعمل.


إن الفلسفة هي تاريخ الإنسان وحياته ومعاشه ويُحكم على تقدم الإنسان إذا ما أراد من خلال تلك المنظومة التي تسعى دائمًا لفهم الحقيقة لا تغيبها وتسعى للأفضل لا المصلحة الشخصية الفردية، إن غياب الفلاسفة عن عالمنا سبب أساسي في هذه الفوضى المعرفية، فكيف لشخص يحاول أن يعرف نفسه كفيلسوف للعالم وهو لم يثير المشكلات الحقيقة المشكلات التي تدفعنا إلى الأمام بل يكتفي بتحليل اللغة "تيار الوضعية المنطقية" وغيرها من التيارات التي لا تستحق بالطبع لقب فلاسفة ولم يقتربوا منه، إن الفيلسوف هو قلب العالم الحقيقي، أعني الفيلسوف الحقيقي، هو الذي يضع مشكلة الإنسان على عاتقه لا لهدف شخصي أو أكاديمي أو ماديّ إنما مشكلات الوجود باعتباره أنه هو الموكل إليه التفكير أو محاولة التفكير الجادة ويترك للإنسان ما يستطيع أن ينقذ به نفسه، إن العالم الآن بحاجة إلى رسل وفلاسفة ونُبلاء، وبما أننيّ على يقين أنه قد انقطع عن البشر باب الرسل من السماء فما بقي للعالم إلا الفلاسفة ينقذونه ويدفعونه للأمام والإنتقال إلى نموذج "وجودي أنطولجي" أفضل يليق بالإنسان.