< مسيرة تطور التعليم الفني.. جامعة العاصمة خرجت من رحم المعاهد لتخدم الصناعة والتنمية
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

مسيرة تطور التعليم الفني.. جامعة العاصمة خرجت من رحم المعاهد لتخدم الصناعة والتنمية

جامعة العاصمة خرجت
جامعة العاصمة خرجت من رحم المعاهد لتخدم الصناعة والتنمية

نشرت جامعة العاصمة سردًا توثيقيًا لمسيرة تطور التعليم الفني في مصر، كاشفة كيف شكّل هذا المسار أحد أعمدة التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها البلاد خلال القرن العشرين، في إطار سعي الدولة إلى إعداد كوادر فنية مؤهلة قادرة على دعم الصناعة والزراعة والتجارة، وإعادة الاعتبار لقيمة العمل اليدوي والتطبيقي.

جذور التعليم الفني.. حكاية تطور التعليم الفني العالي في مصر 

بدأت محاولات تطوير التعليم الفني في مصر منذ بدايات القرن الماضي، إلا أن محدودية هذا التعليم واقتصاره على المرحلة المتوسطة قلّلت من الإقبال عليه. وفي عام 1943، طرح وزير المعارف آنذاك أحمد نجيب الهلالي رؤية جديدة لإنشاء مسار للتعليم العالي الفني، يستهدف تأهيل كوادر قادرة على قيادة النهضة الصناعية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

مرحلة ما بعد ثورة 1952

عقب ثورة يوليو، انطلقت الدولة في تنفيذ خطة خمسية شملت إنشاء معاهد صناعية وتجارية وزراعية متخصصة، من أبرزها المعهد العالي للتكنولوجيا بحلوان، والمعهد العالي الفني بشبرا، ومعهد التعدين والبترول بالسويس. ومع تأسيس وزارة التعليم العالي عام 1961، أصبح الإشراف على هذه المعاهد أكثر تنظيمًا، مع إدخال العلوم الإنسانية ضمن مناهجها.

ورغم هذا التوسع، واجهت المعاهد الفنية تحديات كبيرة، أبرزها ضعف الإمكانات وقلة الكوادر المؤهلة، ما دفع إلى المطالبة بتطوير بنيتها التحتية وزيادة البعثات العلمية. وصدر قانون رقم 49 لسنة 1963 لتنظيم المعاهد ومنح خريجيها شهادات جامعية، إلا أن الفجوة بينها وبين الجامعات التقليدية ظلت قائمة.

البعد الدولي وتحولات الهوية

خلال الفترة من 1956 إلى 1964، أوفدت مصر آلاف الطلاب للتدريب في دول الكتلة الشرقية، وهو ما أسهم في رفع مستوى الخريجين علميًا، لكنه أدى في الوقت نفسه إلى تغير في الهوية المهنية، حيث اتجه كثير من الخريجين إلى الابتعاد عن العمل اليدوي، ما أضعف الطبقة الوسطى الفنية.

وفي عام 1965، أوصت لجنة القوى العاملة بإنشاء جامعة تكنولوجية تضم المعاهد الفنية في إطار كليات نوعية متخصصة، بهدف تخفيف الضغط على الجامعات التقليدية والقضاء على التمييز المهني.

ميلاد جامعة حلوان

تُوّجت هذه الجهود بصدور القرار الجمهوري رقم 70 لسنة 1975 بإنشاء جامعة حلوان، لتكون أول جامعة مصرية تقوم على تخصصات غير تقليدية. وبدأت الدراسة بها في العام الجامعي 1975/1976، حيث ضمت 21 كلية موزعة على عدة محافظات، قبل أن يستقر عدد كلياتها لاحقًا عند 14 كلية.

وتم تخصيص مساحة واسعة لإقامة الحرم الجامعي بعين حلوان، شملت كليات متخصصة، وسكنًا جامعيًا، ومكتبة مركزية، ومراكز ثقافية ورياضية، ومستشفى جامعي، ومدرجات تعليمية متنوعة، في تجربة تنظيمية وإدارية مختلفة عن النمط السائد آنذاك.

هوية جامعة مختلفة

جاء تصميم شعار جامعة حلوان معبرًا عن رؤيتها المستقبلية، حيث احتضن حرف الألف رمز الذرة، في دلالة على العلم والمعرفة، ليعكس هوية جامعة تجمع بين الأصالة الفنية والتوجه التكنولوجي الحديث.

دور وطني مستمر

لا تُعد جامعة حلوان جامعة تقليدية، ولا مستحدثة بالكامل، بل تمثل نموذجًا فريدًا في التعليم الجامعي المصري، إذ جمعت بين المعاهد الفنية القديمة والتكنولوجيا الحديثة. ورغم ما واجهته من تحديات، أثبتت أنها ركيزة أساسية في إعداد كوادر فنية مؤهلة، تسهم في بناء الاقتصاد الوطني وتدعم مسيرة التنمية المستدامة.

ومن مدرسة الهندسة التطبيقية إلى جامعة حلوان، امتدت الرحلة لعقود من العمل والتخطيط، حملت حلمًا وطنيًا بأن يصبح التعليم الفني العالي جزءًا أصيلًا من منظومة التعليم الجامعي، وأن يستعيد العمل التطبيقي مكانته المستحقة. واليوم، تقف جامعة حلوان شاهدًا على قدرة الدولة على تحويل الرؤية إلى واقع، وعلى أن فصول هذه الحكاية لا تزال تُكتب مع كل جيل جديد من خريجيها.