في ذكرى رحيله.. الشيخ طه الفشني "كروان التلاوة والإنشاد"
تحل اليوم الأربعاء، العاشر من ديسمبر 2025، الذكرى الرابعة والخمسون لرحيل كروان التلاوة والإنشاد، الشيخ طه الفشني، أحد أبرز أعلام التلاوة والابتهال في مصر والعالم الإسلامي، والذي وافته المنية في مثل هذا اليوم من عام 1971، بعد مسيرة حافلة بالعطاء في خدمة القرآن الكريم وفنون الإنشاد الديني.
من الفشن إلى قلوب الملايين
وُلد الشيخ طه حسن مرسي الفشني عام 1900 في مركز الفشن بمحافظة بني سويف، وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، قبل أن يتجه إلى دراسة القراءات والتجويد بالأزهر الشريف، حيث تلقى العلم على يد كبار المشايخ، من بينهم الشيخ عبد الحميد السحار.
بدأت موهبته تتجلى منذ الصغر، حين اكتشف ناظر مدرسته عذوبة صوته، وأسند إليه تلاوة القرآن في الطابور المدرسي. ورغم طموح والده في أن يلتحق بدراسة القضاء الشرعي، اختار الفشني طريق التلاوة والإنشاد، ليبدأ رحلته في إحياء السهرات الدينية والمآتم في قريته والقرى المجاورة.
تلميذ الشيخ علي محمود ورفيق زكريا أحمد
انتقل إلى القاهرة حيث التحق ببطانة الشيخ علي محمود، أحد أعلام التواشيح الدينية، وتعلم على يديه فنون الطرب والإنشاد، وكان زميلًا للملحن الكبير زكريا أحمد. وقد ساعده هذا التكوين الفني والديني على التميز بصوت فريد يجمع بين قوة الأداء القرآني وعذوبة الإنشاد.
التحاقه بالإذاعة وبزوغ نجمه
في عام 1937، كانت نقطة التحول الكبرى في مسيرته، حين استمع إليه رئيس الإذاعة المصرية سعيد باشا لطفي في إحدى الحفلات بحي الحسين، فأعجب بصوته الفريد، وقرر ضمه إلى الإذاعة. اجتاز الفشني اختبار لجنة الاستماع بنجاح، وصُنف قارئًا من الدرجة الأولى الممتازة، ليبدأ بث تلاواته وإنشاداته عبر أثير الإذاعة المصرية، ويصل صوته إلى كل بيت في مصر والعالم العربي.
قارئ القصور الملكية وسفير الإنشاد المصري
كان الشيخ طه الفشني قارئًا معتمدًا في قصري عابدين ورأس التين، حيث كان يقرأ أمام الملك فاروق، ويُدعى سنويًا للإفطار على المائدة الملكية في رمضان. كما لازم الشيخ مصطفى إسماعيل في السهرات الرمضانية الملكية، وواصل تألقه في مجال الإنشاد بعد أن خلف شيخه علي محمود، مؤسسًا فرقته الخاصة عام 1942.
تكريمات محلية ودولية
نال الفشني تقدير كبار الزعماء، فكان القارئ المفضل للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي أهداه طبقًا من الفضة بتوقيعه، كما كرّمه الرئيس أنور السادات، ومنحته الدولة نوط الامتياز من الطبقة الأولى عام 1991. وكرّمه زعماء دول عربية وإسلامية، منها السعودية وباكستان وتركيا وماليزيا وتونس والمغرب.
*صوت لا يُنسى*
وصفه المتخصصون بأنه صاحب صوت ملائكي، يمتلك أكثر من 17 مقامًا صوتيًا يتنقل بينها بسلاسة نادرة، إلى جانب إلمامه العميق بالموسيقى العربية. وقد ترك تراثًا زاخرًا من التلاوات النادرة والتواشيح والابتهالات التي لا تزال تلامس القلوب وتُبث في الإذاعات حتى اليوم.
في مثل هذا اليوم من عام 1971، أسدل الستار على حياة أحد أعظم من أنجبتهم مصر في مجال التلاوة والإنشاد، لكن صوته لا يزال حيًا، يصدح في الأثير، ويُحيي القلوب بذكر الله.